نساء كثيرات طواهن الزمن , ولم يعد يذكرهن التاريخ بحيث لا تترك بصماته عليهن أثراً , حتى يهيئ الله لهن من ينشرسيرتهن , فيزيل عن ذكراهن غبار الأيام وتوالي السنين , فتبدو صورهن مضيئة مشرقة . وكأن الله قدر على هؤلاء النساء أن يكن الجندي المجهول إلى الأبد . وسواء أكانت المرأة معلومة أم مجهولة فهي وراء كل رجل عظيم , تشد أزره وتسير معه رحلة الحياة .. يداً بيد . أم ورقة الأنصارية .. واحدة من هؤلاء النسوة اللواتي طواهن التاريخ , لذلك ننفض عن ذكرى هذه المرأة الغبار.. لنقتدي بها .. ولنأخذ عبرة من حياتها . فمن هي الأنصارية الشهيدة في بيتها ؟؟؟
إنها .. أم ورقة بنت نوفل – ا - عرفت بكنيتها , ولم تذكر جميع كتب الصحابة اسمها , وهي مشهورة بكنيتها ((أم ورقة بنت عبد الله )) كانت من أوائل نساء الأنصار اللواتي بايعن رسول الله بعد هجرته إلى المدينة , وتعمقت في معرفة دين الله فقرأت القرآن وحفظت منه الكثير , فهي واعية حافظة مؤمنة متمكنة من أمور دينها . ويكفيها أن رسول الله كان يزورها بين فترة وأخرى ويقول : " انطلقوا بنا نزور الشهيدة" .
كانت ا غيورة على دين الله حريصة للموت في سبيل الله من أجل إعلاء كلمة الله . فلما غزا رسول الله بدراً قالت له : يارسول الله لو أذنت لي فغزوت معكم فمرَّضت مريضكم وداويت جريحكم فلعل الله أن يرزقني الشهادة . قال : " يا أم ورقة : اقعدي في بيتك , فإن الله سيهدي لك شهادة في بيتك" . واستأذنت من رسول الله أن تتخذ في دارها مصلى , ينادي فيه مؤذن للصلاة فأذن لها . وخصص في دارها مؤذناً يؤذن لها ولغيرها عند كل صلاة . ويعرف رسول الله ما تتمتع به أم ورقة من ذكاء نادر وحافظة قوية ومعرفة بأمور الدين فأمرها عليه الصلاة والسلام أن تؤم أهل دارها . ففعلت . وكانت تؤم نساء بيتها ومن يجاورها . وبقيت تلك حالها حتى أيام عمر بن الخطاب . وغدا بيتها بيتاً من بيوت الله تقام فيه الصلوات الخمس . فيا له من فخر تفخر به امرأة مؤمنة كأم ورقة ا . أسنَّت أم ورقة وكبر أولادها فتفرقوا عنها , وتزوجت بناتها وأوشك بيتها أن يفرغ من أهلها فاتخذت لنفسها عبداً وجارية يقومان بخدمتها , وكانت لطيبة قلبها وعدتهما بالعتق في حال وفاتها , ووثقت بهما وأحسنت إليهما , لكن الأمر طال عليهما ولم تمت أم ورقة فتآمرا على قتلها في غفلة من أهلها ليحظيا بالعتق . فتناولا ثوباً لها وتعاونا على خنقها وغمياها تحت الثوب حتى ماتت , وفرا هاربين . وأصبح عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يوماً وكان يسمع من قبل صوت مؤذنها وحركة صلاتها بالنساء تؤمهن فقال : والله ما سمعت قراءة خالتي أم ورقة البارحة . فأرسل من يستطلع الخبر ولكن لم يردعليه أحد . فشك في الأمر وذهب بنفسه ودخل البيت فإذا هي مسجاة على الأرض . فقال: الله أكبر لقد صدق رسول الله حين لقبها بالشهيدة . ثم صعد المنبر فذكر الخبر وقال علي بالغلام والجارية , فسألهما , واعترفا بقتلها , فأمر بهما فصلبا , فكانا أول مصلوبان بالمدينة .
رضي الله عن أم ورقة .. كانت تعد المرأة السباقة في أمور كثيرة:
فهي أول امرأة في الإسلام يؤذن في دارها .
وهي أول امرأة تؤم النساء في صلاة في المدينة .
وهي أول امرأة في الإسلام لقبت بالشهيدة . وهي أول امرأة يصلب بسببها عبد وجارية . أم ورقة .. الأنصارية الشهيدة في بيتها .. قدوة وعبرة .. قدوة للنساء المسلمات في حسن تعمقها في الدين وتعليمه للنساءحولها . قدوة في اندفاعها إلى رسول الله وطلب المشاركة في المعركة آملة بالشهادة . ومقتلها عبرة لمن يستخدم الخدم ويطمئن لهم ولا سيما إذا كانوا على غير دين الإسلام , فكم من خدم أساؤوا لمن أحسنوا إليهم , وكم من يدٍمدت لهم عادت على صاحبها بالويل . رضي الله عن الصحابية الجليلة وجمعنا بها تحت لواء سيد المرسلين مع الشهداء والأبرار والصالحين .