تفسير ابن كثير :هؤلاء في القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء وهم المهاجرون ثم الأنصار ثم التابعون لهم بإحسان كما قال في آية براءة " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ورضوا عنه " فالتابعون لهم بإحسان هم المتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة الداعون لهم في السر والعلانية ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة " والذين جاءوا من بعدهم يقولون " أي قائلين " ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا " أي بغضا وحسدا " للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم " وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم " ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم " وقال ابن أبي حاتم حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي حدثنا محمد بن بشر حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عائشة أنها قالت : أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم ثم قرأت هذه الآية " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " الآية وقال إسماعيل ابن علية عن عبد الملك بن عمير عن مسروق عن عائشة قالت : أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد فسببتموهم سمعت نبيكم يقول : " لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها" رواه البغوي وقال أبو داود حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن الزهري قال : قال عمر " وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " قال الزهري : قال عمر : هذه لرسول الله خاصة وقرى عرينة وكذا وكذا مما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وللفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم - والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم - والذين جاءوا من بعدهم فاستوعبت هذه الآية الناس فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق - قال أيوب - أو قال حظ إلا بعض من تملكون من أرقائكم . كذا رواه أبو داود وفيه انقطاع وقال ابن جرير حدثنا عبد الأعلى حدثنا أبو ثور عن معمر عن أيوب عن عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس بن الحدثان قال قرأ عمر بن الخطاب" إنما الصدقات للفقراء والمساكين " حتى بلغ" عليم حكيم " ثم قال هذه لهؤلاء ثم قرأ " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى " الآية ثم قال هذه لهؤلاء ثم قرأ " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى " - حتى بلغ - " للفقراء" - " والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم - والذين جاءوك من بعدهم " ثم قال : استوعبت هذه المسلمين عامة وليس أحد إلا وله فيها حق ثم قال : لئن عشت ليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه فيها لم يعرق فيها جبينه . تفسير القرطبي :يعني التابعين ومن دخل في الإسلام إلى يوم القيامة . قال ابن أبي ليلى : الناس على ثلاثة منازل : المهاجرون , والذين تبوءوا الدار والإيمان , والذين جاءوا من بعدهم . فاجهد ألا تخرج من هذه المنازل . وقال بعضهم : كن شمسا , فإن لم تستطع فكن قمرا , فإن لم تستطع فكن كوكبا مضيئا , فإن لم تستطع فكن كوكبا صغيرا , ومن جهة النور لا تنقطع . ومعنى هذا : كن مهاجريا . فإن قلت : لا أجد , فكن أنصاريا . فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم , فإن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما أمرك الله . وروى مصعب بن سعد قال : الناس على ثلاثة منازل , فمضت منزلتان وبقيت منزلة ; فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت . وعن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين , أنه جاءه رجل فقال له : يا ابن بنت رسول الله , ما تقول في عثمان ؟ فقال له : يا أخي أنت من قوم قال الله فيهم : " للفقراء المهاجرين " الآية . قال لا قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية فأنت من قوم قال الله فيهم : " والذين تبوءوا الدار والإيمان " الآية . قال لا قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام وهي قوله تعالى : " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " الآية . وقد قيل : إن محمد بن علي بن الحسين , , روى عن أبيه : أن نفرا من أهل العراق جاءوا إليه , فسبوا أبا بكر وعمر - ا - ثم عثمان - - فأكثروا ; فقال لهم : أمن المهاجرين الأولين أنتم ؟ قالوا لا . فقال : أفمن الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ؟ فقالوا لا . فقال : قد تبرأتم من هذين الفريقين ! أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل : " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم " قوموا , فعل الله بكم وفعل ذكره النحاس . هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة ; لأنه جعل لمن بعدهم حظا في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم , وأن من سبهم أو واحدا منهم أو اعتقد فيه شرا إنه لا حق له في الفيء ; روي ذلك عن مالك وغيره . قال مالك : من كان يبغض أحدا من أصحاب محمد , أو كان في قلبه عليهم غل , فليس له حق في فيء المسلمين ; ثم قرأ " والذين جاءوا من بعدهم " الآية . هذه الآية تدل على أن الصحيح من أقوال العلماء قسمة المنقول , وإبقاء العقار والأرض شملا بين المسلمين أجمعين ; كما فعل عمر ; إلا أن يجتهد الوالي فينفذ أمرا فيمضي عمله فيه لاختلاف الناس عليه وأن هذه الآية قاضية بذلك ; لأن الله تعالى أخبر عن الفيء وجعله لثلاث طوائف : المهاجرين والأنصار - وهم معلمون - " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " . فهي عامة في جميع التابعين والآتين بعدهم إلى يوم الدين . وفي الحديث الصحيح : أن النبي خرج إلى المقبرة فقال : ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أن رأيت إخواننا ) قالوا : يا رسول الله , ألسنا بإخوانك ؟ فقال : ( بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض ) . فبين أن إخوانهم كل من يأتي بعدهم ; لا كما قال السدي والكلبي : إنهم الذين هاجروا بعد ذلك . وعن الحسن أيضا " والذين جاءوا من بعدهم " من قصد إلى النبي إلى المدينة بعد انقطاع الهجرة .