الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد؛ فتمر الليالي والأيام، وتمضي الشهور، وتنقضي الأعوام سريعًا ، وهي مواقيت الأعمال ، ومقادير الآجال؛ فاضل الله بينها فجعل منها مواسم للخيرات، وأزمنة للطاعات، تزداد فيها الحسنات، وتكفر فيها السيئات، ومن تلك الأزمنة العظيمة القدر الكثيرة الأجر يوم عرفة ، أكمل الله فيه الملة، وأتم به النعمة.
ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال : أي آية؟ قال: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) .قال عمر ?: قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي ? وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. وهو أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها منبها على عظم فضلها وعلو قدرها، فقال الله تعالى : (وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) [الفجر:2]. قال ابن عباس ـ رضي الله عنـهماـ : إنها عشر ذي الحجة.
وبأهل عرفة يُباهي الله ملائكته ، ففي صحيح مسلم أن النبي ـ ـ قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدأ من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟"، وقال ـ ـ : "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِى بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ لَهُمُ : انْظُرُوا إِلَى عِبَادِى جَاءُونِى شُعْثًا غُبْرًا". وفيه يكثر العتق من النار ،يقول ـ ـ : "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه يدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء".
وأماعن الدعاء فيه فيقول ـ ـ:" خير الدعاء دعاء يوم عرفة"، ويقول: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك".
وعن فضل هذه الكلمة يقول ـ ـ :"من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير. في يوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك".
ومن صام يوم عرفة إيماناً واحتساباً فإن الله يكفر بذلك ذنوب سنتين؛ فقد سئل ـ ـ عن صوم يوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية". وهو أشد يوم على الشيطان، ففي موطأ الإمام أن النبي ـ ـ قال : " مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ،وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ. قِيلَ : وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ".
فهنيئاً لك يا من رزقك الله الوقوف بعرفة ، وهنيئًا لك يا من وفقك الله للطاعات في ذلك اليوم المبارك وفي سائر الأيام. أسأل الله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
عن حذيفة رضى الله عنه، أنه أخذ حجرين، فوضع أحدهما على الآخر، ثم قال لأصحابه:
هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟
قالوا: يا أبا عبد الله، ما نرى بينهما من النور إلا قليلا.
قال: والذي نفسي بيده، لتظهرن البدع حتى لا يُــرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور،والله، لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء،
قالوا: تُركت السنة !.
.
[البدع لابن وضاح ١٢٤]