هضبة الجولان تخلى عنها، حافظ الأسد طواعية، للكيان الصهيوني، وإرضاء للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك مقابل دعم الإدارة الأمريكية لبقاء النظام الباطني ( النصيري) في حكم سوريا، لأن هذا النظام، كان على وشك السقوط، والانهيار، بعد هزيمته، في حرب أكتوبر 1973. واليكم قصة ما حدث.
من المعروف أنه في بداية هذه الحرب حقق الجيش السوري بمساعدة الجيش العراقي، انتصارا على الجيش الصهيوني في الجولان، وواصل الزحف حتى وصل إلى بحيرة طبريا، وكذلك فعل الجيش المصري على جبهة سيناء، وذلك بعد أن قاما بالضربة الأولى، وأخذا الكيان الصهيوني على حين غرة. "لدرجة أن شبح الهزيمة كان يسيطر على كل من القيادتين ( الصهيونيتين ) السياسية والعسكرية في الأيامالأولى من قيام الحرب".
الجنود الصهاينة يرقصون على مشارف دمشق
ولكن هذا الانتصار الذي حققه الجيش السوري، سرعان ما ضاع وتبدد، على إثر الهجوم المضاد الذي قام به جيش الكيان الصهيوني، جوا وبرا، على هذه الجبهة، فالجيش الصهيوني، في هجومه المضاد هذا، لم يكتف فقط بدحر الجيش السوري، الذي كان أغلب قادته من الطائفة النصيرية، ومن ثم استعادة هضبة الجولان، في في اليوم الثالث ( 8 أكتوبر 1973 ) ، والذي منيت القوات السورية فيه بتدمير حوالي 600 دبابة، مما أدى إلى تراجعها واستمرار الضغط الإسرائيلي عليها في اتجاه سعسع، بل وتخطى الجيش الصهيوني خطوط وقف إطلاق النيران، لعام 1967 وواصل توغله في أعماق سوريا، ووصل إلى مسافة لا تزيد عن 50 كيلومترا عن العاصمة دمشق، هذه الأخيرة التي أصبحت، بالتالي، في مدى مدفعية العدو الصهيوني، وفي غضون ذلك، وبينما كانت جماهير الأمة العربية والإسلامية، في قمة سكرتها ونشوتها، وهي تستمع إلى الأناشيد الحماسية، من الإذاعة السورية، بعد توالي البيانات الرسمية حول الانتصارات، وحول الخسائر الفادحة، التي تكبدها جيش العدو الصهيوني، حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد استيقظت هذه الجماهير، على خبر صاعق، إذاعته ردايو لندن، مفاده أن " الجنود الإسرائيليون، يرقصون، على مشارف دمشق". وكانت هذه الهزيمة نتيجة طبيعية، لأن نظام حافظ الأسد الطائفي، كان قبل ذلك، كان قد سرح من الجيش السوري، الآلاف من أبرز قياداته النظيفة والكفؤه والمدربة، وكان جل هؤلاء من السنة، وأحل محلها قيادات، موالية لشخصه، وخاصة من طائفته، فعلى ذلك فالمواجهة، لم تكن بين الجيش السوري الوطني، وبين الجيش الصهيوني، إنما كانت بين جيش حافظ الأسد، والجيش الصهيوني. فكان ما كان من ذلك التقهقر المخزي، رغم أنه لم يكن وحده في الميدان بل كان هناك قوات عربية إلى جانبه من العراق، والأردن والمغرب، والمملكة العربية السعودية، وذلك على النحو التالي:
- 3 أسراب ميراج عراقية، ابتداء من يوم 8/10/1973
- سرب ميج 17عراقي
- فرقة مدرعة عراقية، اعتبارا من 11/10/1973
- فرقة مشاة ميكانيكية عراقيةاعتبارا من 11/10/1973
- لواء مدرع أردني اعتبارا من 13/10/1973
- لواء مدرع مغربي
- لواء مشاة سعـودي.
والأهم من ذلك أنه بينما كان الجيش الصهيوني، يزحف باتجاه العاصمة السورية دمشق، كانت القيادة السورية وعلى رأسها الرئيس حافظ الأسد القائد العام للقوات المسلحة، يوضبون أغراضهم، ويتأهبون للفرار، إلى مدينة حلب في أقصى الشمال. وفي غضون ذلك، وصل لواءان، من الجيش العراقي، فأنقذا الموقف. وكان الذي أشرف على هذه النجدة العسكرية القادمة، من العراق، هو صدام حسين المجيد، - رحمه الله - نائب الرئيس أحمد حسن البكر.
الأسد يرفض مواصلة الحرب لتحرير الجولان
وبعد تأمين دمشق، ورد العدو الصائل عنها، كان العراق قد جهز ثلاثة ألوية عسكرية إضافية، بكامل عددها وعتادها، على الحدود العراقية السورية، اقترح صدام حسين، على حافظ الأسد، مواصلة الحرب، ضد الكيان الصهيوني، من أجل تحرير هضبة الجولان الإستراتيجية، فهي عقدة مواصلات مهمة بين دمشق، ولبنان، وفلسطين، وشرقي الأردن. فضلا عن العلاقة المميزة، بين هضبة الجولان، ودمشق، فهي إكليل غارها ودرعهـا الحصين، وخط الدفاع الأول عنها، منذ فجر التاريخ، والمسافة بينهما أقل من 40كيلومترا. إلى جانب الأهمية الاقتصادية للجولان. فهي أرض زراعية، ذات خصوبة عالية وغنية بالمياه. ولكن الرئيس حافظ الأسد، رفض هذه الفكرة، ورفض بالتالي عبور الجيش العراقي، إلى داخل سورية، وآثر الانخراط، بدلا عن ذلك في مفاوضات مشبوهة، مع هنري كيسنجر، المستشار اليهودي للرئيس نيكسون، للأمن القومي " الذي اتبع إستراتيجية المكوك، وتكتيك الخطوة خطوة... بين كل خطوة، وقت طويل، دون أنيحسم الموقف" وقد أفضت تلك المفاوضات، إلى قبول حافظ الأسد بـ "اتفاقية فك الاشتباك الأولى، والأخيرة، في الجبهة السورية، في 31/5/1974"تاركا بمقتضاها هضبة الجولان، تحت الاحتلال الصهيوني، وتاركا دمشق، بل سوريا كلها، رهنا للخطر الخارجي الدائم، من قبل الصهاينة. وذلك أن هضبة الجولان تشرف على معظم الأراضي السورية، من الجهة الشرقية، وتجعل العاصمة دمشق تحت فوهة مدافع الجيش الصهيوني. لقد فعل حافظ الأسد ذلك، من أجل أن يتفرغ للخطر الداخلي، الذي يمثله الشعب السوري على نظامه، برأيه، والذي كان، ولا يزال هو هاجسه الأول، ولولا ذلك، لما فرط في الجولان، وتركها لقمة سائغة للصهاينة، مع أنه كان هناك فرصة ذهبية لتحريرها، بمساعدة الجيش العراقي وتحتل هضبة الجولان وخاصة جبل الشيخ، في المخططات الإسرائيلية، المرتبة الثانية بعد القدس الشريف مباشرة, فهو بداية يعوم علىبحيرة لا تنضب من المياه، نظراً لأن الثلوج تغطي قممه أكثر أشهر السنة. أما من الناحية الإستراتيجية فلا حاجة لإطالة الشرح، حول أهمية قممه العالية، التي استثمرتها إسرائيل عسكرياً أعظم استثمار. ففي إحدى أعالي قممه،وهي قمة ملحاثا, وتقع إلى الجنوب الشرقي، من بلدة شبعا, وضعت إسرائيل مرصداً يمكن اعتباره أهم مركز رصد أرضي في منطقة الشرق الأوسط, إذ لا يتفوق عليه من حيث إمكانالرؤية وجمع المعلومات, إلا طائرات التجسس، أو الأقمار الاصطناعية،لذااعتبرته إسرائيل "عينها" ليس على سوريا، فقط بل على المنطقة برمتهـا". علما بأنه تماحتلال هذه القمة والتلال والمواقع القريبة منها بعد صدور القرار 338 لعام 1973،وخلافا لمنطوق هذا القرار الذي ينصّ على وجوب وقف اطلاق النار, وبقاء جميع القوىالعسكرية في مواقعها. وكل هذا، لا يمكن أن يحدث، بدون أن يكون النظام السوري، قد تخلى عن هضبة الجولان ضمنيا للكيان الصهيوني. وهنا بدأت قصة العداء المرير بين صدام حسين وحافظ الأسد، لأن صدام حسين عاب على حافظ الأسد توقيع الهدنة، وتفريطه في هضبة الجولان بسهولة رغم كونها تشرف على دمشق وتشكل مصدر تهديد خطير على الأمن القومي السوري وعلى الأمن القومي العراقي بل على الأمن القومي العربي والإسلامي برمته. بينما أنصار النظام السوري، يزعمون – طبقا لنظرية المؤامرة التي يجيدون تسويقها- أن هدف صدام حسين، لم يكن هو تحرير الجولان، إنما كان الهدف هو احتلال دمشق.
أبعاد تدخل النظام السوري في لبنان
هكذا ترك النظام النصيري الجولان بيد الصهاينة. لمجرد أنه شك في نية العراق، وبعد ذلك سحب النظام السوري قواته من جبهة الجولان وزج ببعضها، في لبنان لتصفية القضية الفلسطينية، ونقل بعضها الآخر، إلى الحدود مع العراق.
يقول عبد الله الغريب:
(( ولقد شهد العالم أجمع (عربه وعجمه) أن هدف القوات السورية، والقوات الصهيونية من دخول لبنان هو إخراج المقاومة، وكانت هذه القوات تنسق فيما بينها في اجتماعات سرية أو عن طريق وسيط. فقد صرح العقيد القذافي أن: "ليبيا تقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وتعارض التدخل العسكري السوري في لبنان، لقد حذّرنا سورية من تصرفها هذا، وإذا كانت سورية تريد السلام الآن على حساب الفلسطينيين، وتريد تصفية المقاومة الفلسطينية، فلا يمكننا أن نلزم الصمت، ونعتقد أن من الخيانة الوطنية محاولة تصفية المقاومة الفلسطينية، وإننا نأمل أن تعيد سورية النظر في موقفها".
وقال عبد السلام جلود: "هناك مؤامرة عربية ودولية ضد المقاومة الفلسطينية، والحركة الوطنية في لبنان، وقد وقع الاختيار على النظام السوري لتنفيذ هذه المؤامرة".
وهذه الشهادة جاءت من نظام صديق وحليف لسورية في تلك المرحلة، وهناك جهات عربية وإعلامية أخرى هاجمت النظام السوري واتـهمته بتنفيذ مخطط مشبوه ضد القضية الفلسطينية.
وفي 8/9/1976 نشرت التايم اللندنية مقالاً تحت عنوان: إسرائيل تشارك في حرب لبنان سرًا جاء فيه: "إن التفاهم غير المعلن بين إسرائيل والنظام السوري، بسحب قواته العسكرية المتواجدة في الجبهة، ونقلها تدريجياً إلى لبنان وإلى الحدود مع العراق".
وأضافت المجلة: " إن هذه التدابير قد وضعت الإسرائيليين في الجانب الذي يقف فيه النظام السوري بعد تدخله الفعلي إلى جانب قوى اليمين، والذي يتحدد بالأساس، بتصفية الفدائيين الفلسطينيين، تمهيداً لفرض تسوية سلمية لمشكلة الشرق الأوسط، وتقوم إسرائيل بفرض حصار بحري على عدة موانئ لبنانية يسيطر عليها الوطنيون وخاصة مينائي صيدا وصور لمنع وصول الأسلحة إلى الوطنيين والمقاومة. لقد استطاعت إسرائيل بعملها هذا الحصول على سيطرة فعلية، على شريط من الأرض جنوب لبنان يمتد حتى نـهر الليطاني.
"وقالت المجلة: إن عدداً من أركان النظام السوري الحاكم حضروا الاجتماع الموسع الأخير، بين شمعون بيريز والقوى اليمينية في جونية، حيث شجع المباحثات بيريز على إمضاء ليلة على سفينة الشحن التي أقلته إلى لبنان"))