عاشت الأمة الإسلامية أوج عزتها وكرامتها وحضارتها في مختلف الجوانب، ورأى المسلمون والعالم أجمع المجتمع الإسلامي الذي بناه الرسول – – مجتمعاً مبنياً على القوة والتقدم وكان سبّاقاً في الكثير من الإنجازات البشرية، حتى تأثرت الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية في النهضة الأوروبية، وكان لقواعد علومها الباع الطويل في بناء هذه الحضارة الحالية. لقد بلغت الحضارة الإسلامية ما جعلها تكون أستاذة الحضارات، وساهمت في بناء حضارات أخرى في فترات من التاريخ، حيث كان علماء المسلمين الذين نبغوا في مختلف فروع المعرفة هم الذين أشرقوا بنوى العلم على ظلام أوروبا والغرب كله، ولولا ما نقل عن علماء المسلمين ما كان للنهضة الأوروبية أن تقوم.
نحن أمة فرض الله عليها أن تقود البشرية من الظلمات إلى النور، ولكن يا ترى لماذا تخلف المسلمون عن ركب الحضارات والعلم والتكنولوجيا بعد أن كانوا في المقدمة، وتوالت علينا الأزمات والنكبات في كل مناحي الحياة وانعكست مضاعفاتها على حياتنا الثقافية والاجتماعية فشكلت بذلك حاجزاً ضيقاً يحجب عنا الرؤية الحقيقية لمعرفة أسباب النكسة التي تواجه المسلمين وتحول بينهم وبين معرفة أسباب تخلفهم وتقدم الغرب، أو حتى مسايرة هذا التقدم؟!
لا يختلف اثنان اليوم في أن الشعوب الإسلامية تأتي ضمن قائمة التخلف والجهل والفقر والأمية بين دول العالم، فلقد تخلفنا عن ركب الحضارة حين تخلينا عما كلفنا به، وأصبحنا أمة ذات حضارة طُمست معالمها حتى استطال علينا الأعداء ووصفونا بالتخلف وبالعالم الثالث وبالعالم النامي وبغيرها من الألفاظ المقيتة، فما الذي أدى إلى هذا التخلف والتراجع عن ركب الحضارة وتفكك الأمة وانحسارها، بالرغم من أن الإسلام هو الدين الصحيح الذي يقاوم التخلف ويدعو إلى التطور والتقدم ويشير إلى أهمية العقل ومواكبة الحضارة والعلم ومحاربة التخلف والجهل؟!
السبب فيما وصلنا إليه هو تمكن أعداء الأمة من النفاذ إلى عقول وقلوب المسلمين، والدعوة إلى بعض الشعارات البراقة التي تحمل بين خفاياها المآسي لهذه العقول، لقد وهبنا الله عقلاً لنستخدمه كما استخدمه الغرب في التقدم والتطور، وليس للتواكل على الغير والتقاعس والتخاذل عن ركب الحضارة، إن تخلف المسلمين سببه ابتعادهم عن دين الله الذي أعزهم به، ولم يقيموا أي وزن للعلم الذي دعا إليه دينهم، فالعيب ليس في المنهج ولكن في المسلمين الذين ابتعدوا عن المنهج الرباني وقاموا بالتطبيق المعكوس للأفكار وابتعدوا عن منهجية الإسلام وحقيقة دعوته، فتخلفوا وتلاشت حضارتهم وانحسرت، ما أدى إلى تداعي الأمم عليهم وأصبحوا يعيشون واقعاً مزرياً ويمرون بالمحن والذل والهوان، وحالهم لم يعد يثير سوى الرثاء والبكاء على ما آل إليه.
لقد أنجب الإسلام أكبر العلماء وأعظمهم، وأضخم عدد من القادة، ولكن في الوقت الراهن والعصر المليء بالطفرة والعلم والثقافة أصاب هذه الأمة العقم عن إنجاب الأبطال العباقرة والعلماء المخترعين، ولم يعد هناك في حياة أفرادها وزن للإبداع والتميز والاختراع، فقد غابت القدوة العلمية من حياتهم، وتحولت المثل العليا إلى أنماط أخرى في المجتمع لا علاقة لها غالباً بالعلم والعلماء، ولم يعد للمعلمين والأساتذة في العلوم الدور القيادي، ولم يعد المجتمع يعيرهم الاهتمام الكافي أو يدعمهم، وأصبحت المجتمعات العربية بيئات طاردة للكفاءات والمخترعين والمبدعين وليست جاذبة أو حاضنة لهم، الأمر الذي أدى إلى استفحال هجرة العقول والأدمغة المتميزة إلى الخارج، كما يتم استنزاف الأكفاء وتتم هجرة العقول المبدعة المتميزة نظراً للعروض المغرية التي تقدمها المراكز في الغرب لكل متميز مبدع.
أين تلك الحضارة التي نشرت شمسها على ربوع الأرض قاطبة في عهد الدولة الإسلامية والخلفاء الراشدين في وقت كان يغط فيه العالم في سُبات عميق؟ لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟ ولماذا تعثرت أقدامنا وعجزت عن مواكبة التقدم والتطور؟
إن نهضة المسلمين لن تكون إلا بالرجوع إلى هذا الدين العظيم والاستعانة بمبادئه العظيمة في الدعوة إلى العلم والتقدم والتمسك بكل منجزات العصر العلمية التي تتفق مع مبادئ الدين، والرجوع إلى العمل الجاد الصحيح، واستخدام العقل استخداماً صحيحاً، ونبذ الفساد والجهل، والأخذ بما وصل إليه الغرب من تقدم علمي وتكنولوجي والاستفادة منه والتسلح بالعلم، فالعلم هو سلاح العصر وبه ترتقي الشعوب إلى أعلى المراتب ولا يمكن لأمة لا يحتل العلم فيها مكانة مرموقة أن ترنو إلى مقام مقبول من التحضر أو تعرف طريقاً إلى الانعتاق من التخلف والجهل.