قال عليه الصلاة والسلام : (( لن يفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة )) ، بعض المتأخرين الذين يهوون أن يعبثوا بالنصوص قالوا : إن قوله : (( لن يفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة )) خاصٌ بالفرس ، يعني أنه يقصد به الفرس ، فكأنه يقول : لن يفلح الفرس الذين ولوا أمرهم امرأة ، ولا شك أن هذا باطلٌ كل البطلان لأمور منها :
أولا : أن قوله (( لن يفلح قومٌ )) (( قومٌ )) نكرةٌ في سياق النفي وهي تعم ، وهذه قاعدة معروفة في الأصول ، أن النكرة في سياق النفي تعم ، ولهذا قال الله تعالى : (( وما الله يريد ظلما للعباد )) ، (( ظلما )) نكرة منفية ، لا يظلم عز وجل أي شيء ، ولهذا قال : (( إن الله لا يظلم مثقال ذرة )) لأن قوله : (( وما الله يريد ظلماً )) تعمّ جميع أنواع الظلم ، فالنكرة في سياق النفي تعم .
الأمر الثاني : ما قرره أهل العلم من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فتكون النبي يقول كلمة عامة في مناسبة خاصة لا يربط الكلام العام بالمناسبة الخاصة .
الدليل على هذا : يا رسول الله ، طهرني ، أقم حد الله عليّ ، لأنه ندم على ما تصرف من فعله مع هذه المرأة الأجنبية ، وهذا أمر لا يجوز قطعا ، فكانت صلاة العصر حاضرة ، فصلى الرجل مع النبي ، ونزل قول الله تعالى : (( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات )) ، فسأله النبي : (( أصليت معنا ؟ )) قال نعم ، فتلا عليه الآية : (( إن الحسنات )) كصلاة العصر (( يذهبن السيئات )) كفعلته تلك ، قال ألهذا خاصة يا رسول الله ؟ قال في رواية : (( بل لأمتي أجمع )) ، هو يسأل : هل هذه الآية خاصة بي لأنها نزلت فيّ أنا ، أم عامة ؟ قال : (( بل لأمتي أجمع )) هذا الدليل على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
قال أهل العلم أيضا : ويدل عليه من القياس أن الرجل لو غضب على نسائه بسبب واحدة منهن أغضبته وقالت له ما لا ينبغي ، فقال لنسائه كلهن : أنتن طوالق ، أنهن يطلقن جميعا ، ولا يقال : لا يطلق إلا التي أغضبته لأن العبرة بماذا ؟ بعموم لفظه لا بخصوص السبب الذي هيّجه على هذا ، وهذا أمر واضح .
فالحاصل : أن قول النبي : (( لن يفلح قومٌ )) هذا دال على عمومها في كل قوم إلى قيام الساعة ، وكذلك كان ، فإن أ؛دا إذا ولّى النساء فإنه لا يفلح ولا ينجح ، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أيضا حديث ليس بالمشهور عند كثير من الناس ، وهو قوله حين بلغه أن قوما ولّوا امرأة قال : (( الآن هلكت الرجال )) يعني : حين ولوا النساء .
------
من شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري للشيخ عبد الله العنقري حفظه الله .