حدَّثَني أحدُ طلبَة العلم فقال: دخلتُ ضائقةً ماليَّـةً رهيبةً جداً جداً , وتراكمت عليَّ الالتزَامات والنَّفقاتُ الواجبَـة , وقلَّت ذاتُ يدي , وقد فطَرَني الله تعالى على التعفُّف فما أذكرُ أنِّي سألتُ أحداَ شيئاً في هذه الدُّنيا إلا أمي وأبي (أطلبُهما ما يطلبه الأطفال من آبائهم) , فلما ركبَني من الهمِّ ما ركبَـني داومتُ على بثِّ أشجَاني وأحزَاني إلى ربِّي في أقرب ما أكونُ منهُ ( حال السجود) ودُمتُ على ذلك شُهُوراً , فآتاني الله خيراً ممَّا طلبتُ بأضعاف مضاعفة.
العجيبُ أنَّـهُ قال: وكُنتُ أشترطُ على ربِّـي وأنا بين يديه فأسألهُ الفرجَ الَّذي لا مِنَّـةَ فيه لمَخلُـــوقٍ أبداً , وأقول: اللهم إنِّـي أسألكَ فرجاً لا منَّـةَ فيه لسواكَ , ودُمتُ على هذا الدُّعاء المشروط حتى ألِـفَهُ لساني في كل سجدةِ فريضة أو نافلة.
وقد فتح الله عليه عدَّة أبوابٍ ليس في أحدِها منَّـةٌ لمخلوق , وأدَّى الله عنهُ حمالاتِه والتزاماته وزادت دُخُوله حتى أصبح ينفقُ على غيره من الضعفاء , ولا عجَب فقد قال مولانا الكريمُ الغنيُّ الوهَّابُ عن نفسه وهو أصدقُ القائلينَ قيلاً وحديثاً (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) .
هذا الأخُ يتحسَّرُ الآنَ فيقول ( لا أحدَ يتمنَّـى البلاءَ , ولكنَّ أسعدَ أيَّامي هي تلكَ الأيامُ التي كُنتُ أبكي فيها على ربي وأتوسَّل إليه وأشكو إليه حاجاتي وأشترطُ عليه فينشرح صدري حتى لا تكاد تسعني الأرضُ, وأتمنَّـى أن يهَبَني الله نعمة الشَّكوى إليه ومناجته فلها لذَّةٌ لا يُعادلُها شيءٌ في الدُّنيا).