مقاومة التغريب تبدأ من الرجل (أكتب هذه الموضوع بعد أن خطا التغريب في عالم المرأة خطوات واسعة جدا، حتى رأينا النساء في مهن وأعمال إما مخالفة للشرع، وإما مخالفة لأنوثتها، وإما مخالفة للفطرة، وحتى رأينا الانحراف في السلوك فوصل إلى الشذوذ!، وكنت طرحت هذه الموضوع أو الفكرة قبل ثلاث سنوات، انظر هنا).
في الساحة الدعوية جهود لمقاومة التغريب تذكر فتشكر، لكن هناك أمر هو رأس القضية، ومربط الفرس، طرحه يقلّ، وخطره أجلّ، ألا وهو الحصن الذي تسكنه المرأة، نعلم أن الحصن إذا انهار أو تصدع كان من بداخله عرضة للفساد والضياع لا محالة. وولي المرأة هو حصنها الذي يحميها، وبيتها الذي يؤويها، فأي فساد فيه حتما سيؤثر عليها، وولي المرأة هو ولي المباشر كالأب والزوج وغيرهما، والولي العام للمسلمين وهو الحاكم.فإعداد الرجل للقوامة الشرعية الصحيحة أهم وسيلة لمواجهة التغريب، وإذا فسد ولي الأمر فسدت المرأة ولابد إلا من شاء الله.
بالنسبة ولي المرأة المباشر: وهو الأب والزوج ومن يحل محلهم، الشرع أناط بالرجل مهاما عظيمة تجاه موليته، وأمر بحسن رعايتها في كل أحوالها، ويشهد لذلك نصوص لا حصر لها، ويكفي أن الرسول جعل من حياته - التي جللتها بركة الله - موردا يستقي منه الرجال أصول التعامل مع النساء، فتارة يأمر وتارة يفعل، وربط الخيرية بحسن التعامل مع الأهل، وشدد في خطبة الوداع على حق المرأة، وأوصى بالأم أكثر من الوصية بالأب، ووعد من أحسن تربية البنات خاصة ما لم يذكر مثله لتربية الذكور، وراعى تقلبات مزاج المرأة لما يعتريها، وراعى عواطفها من حب وبغض وغَيرة، باختصار شديد عامل المرأة على إنها امرأة وليست على أنها ندٌّ أو شيء لا قيمة له، فكّرت أن أسرد أحاديث النبي في تعامله مع النساء لكن رأيت ذلك يطول جدا، ولكن أدعو إلى أن يتصفح كل منا الكتب الستة أو على الأقل الصحيحين، وينطر ما فيهما من قواعد نيّرة في تربية النبي للنساء، لو أخذنا صحيح البخاري الذي ينيف على تسعين كتابا، سنجد بينها كتبا تُعنى بموضوعنا، مثل كتاب النكاح، وكتاب الأدب، ففيهما مئات الأحاديث في التعامل مع المرأة سواء أما أو زوجة أو غير ذلك، ومثلها في سائر كتب الحديث فأين شرح مثل هذه الأحاديث في حياتنا اليومية؟! ولا أقول أين الشرح مطلقا، إنما أعني لماذا لا تنشر هذه الأحاديث ويعتنى بها في سائر المناهج التعليمية أو الدعوية أو الإعلامية؟، فكما أن الصلاة والصيام دين فهذه الأخلاق دين، وبسبب هذا الغياب لا نتعجب إذا وجدنا الرجل يقتدي بالنبي في صلاته ولحيته وثوبه، لكنه شبه عار من الأخلاق، يضرب زوجته، ويعق أمه، ويأكل ميراث أخته، ويعضل ابنته، ثم بعد ذلك نريد من المرأة أن تمشي على الصراط المستقيم!، لا أبرر للمرأة انحرافها ولكن نريد أن نضع أيدينا على المرض الحقيقي ونسد منافذ السموم.
فكل انحراف للمرأة قلّ أو كثر تأكد أن وراءه رجل فرّط في القوامة، أو أفرط فيها، ومحال أن يكون الولي صالحا مصلحا ويحصل خلل في المرأة إلا إذا شاء الله؛ ففطرة المرأة السوية تتوق للحياة في ظل القوامة الشرعية الصحيحة التي تذود عنها المشاق والصعاب. فالتغريب والتغريبيون لم يجبروا المرأة على موافقتهم في تيار الفساد وإنما جاؤوا إليها فوجدوا الباب مفتوحا، ولا نريد الدخول في موضوع أيهما أسبق الدجاجة أم البيضة، فإن الله أول منا خلق من البشر إنما خلق آدم، فدل على أنه الأصل للمرأة في كل شيء، فإن ترك ثغره تسلل العدو إلى حماه فاستباحه. فلو وجدت المرأة الرجل القوي الأمين لكفاها مشقة العمل (قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء...) ثم (إن خير من استأجرت القوي الأمين). ولو وجدت المرأة الرجل الغيور ذا المروءة لمنعها من أخلاق الجاهلية التي طمّت في عصرنا أضعافا مضاعفة، فصار كثير وكثير من النساء تسبح في وحل القذارة، تارة باسم الفن، وتارة باسم الحرية، وتارة باسم التطور (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن...) لو وجدت المرأة الرجل صاحب الكلمة الطيبة، واللفتة الحنونة، والخلق الحسن لما بحثت عنها في دهاليز الظلام (خيركم خيركم لأهله...) باختصار لو وُجِد الرجل ذو القوامة الشرعية الصحيحة المستقاة من معين النبوة لما وجدتَّ امرأة تبحث عن الظلام في وسط النهار.
نأتي للولي العام وهو حاكم المسلمين: فالشرع أوجب على الحاكم رعاية النساء وتتمثل في عدة مناحٍ منها:
1- كفاية المرأة التي فقدت معيلها بإعطائها من بيت مال المسلمين. 2- منع وسائل وأماكن الفساد. 3- تسهيل أمور الزواج لتتمكن المرأة من إحصان نفسها، وتعيش مع من يقوم بحاجتها بدل أن تسلك سبلا شاقة. 4- الحرص على كل ما يمكن أن يكون سببا في تعلم المرأة لأمور دينها ودنياها في بيئة آمنة. فقد كان النبي خير راعٍ للأنوثة بكل معانيها في دينها ودنياها ثم قام أصحابه من بعده بذلك بما أوتوا من استطاعة.
الآن لماذا غابت قوامة الرجل الصحيحة؟ ولماذا تحرّف مفهومها؟
سأذكر بعض أهم الأسباب من وجهة نظري القاصرة وأجزم أن هناك أسبابا أخرى غابت عني: 1- ضعف المناهج التعليمية في إعداد الرجل المسلم وذلك بتغييب سيرة الرسول أعني سيرته في تعامله مع النساء بل لا نكاد نجد متنا في ذلك فأغلب المتون التي تدرس تخلو من الأحاديث التي في جانب التعامل مع النساء. بينما كتب الأحاديث قد أفردت في بطونها كتبا وأبوابا عن هدي النبوة مع النساء لكن أين هي في جانب التعليم والطرح؟! تكثر الدورات العلمية لدينا في الصيف وفي الإجازات ولا يكاد تطرح هذه الأحاديث للشرح ونضع استفهاما كبيرا هنا. (؟) 2- تغريب الرجل وغزو عالمه بما يمسخ رجولته ومروءته، ويغيب عقله، ويهدر ماله، فانظروا إلى ما يسمى بالفن والتمثيل وكيف يقدم شخصية الرجل؟! وانظروا لكرة القدم والمسابقات العالمية التي أخذت بلبّ الشباب فصارت كالمعشوقة لعاشقها بل أشد، وانظروا إلى عالم النت والمواقع التي لا تخاطب من الرجل إلا ما يُستحيا من ذكره، وانظروا إلى أماكن اللهو التي تجذب الشباب وما فيها من تدمير للأخلاق والعقول، ثم الناتج بعد ذلك شباب ورجال راقصون لاهون لا يعرفون حق الله في مساجده فضلا أن يعرفوا حق المخلوق الضعيف!. ولا شك أن الأسباب كثيرة وإنما قصدي الإشارة ولفت النظر، فإلى متى يُغيّب دورُ الرجل؟ وإلى متى توؤد الرجولة؟ فهل أيقنا أن التغريب لم يدخل عالم المرأة إلا من باب الرجل المخلوع؟.
اقتراحات:
- تسليط الضوء على تغريب الرجل. - جمع أحاديث النبوة في جانب التعامل مع النساء كمتن ويشرح في المساجد والدورات العلمية بل ويقرر في المناهج التعليمية لبناء الرجال بناء نبويا. - نشر هذا المقال.
توافق عجيب:
انتهيت من مراجعة حروفي السابقة هذا اليوم الأحد 30/7/1434 ، وقدر الله الحكيم في تدبيره أن أستمع لدرسي الأسبوعي مع شيخ البلاغة في العصر الحديث: محمد محمد أبو موسى يشرح كتاب دلائل الإعجاز لشيخ البلاغة عبدالقاهر الجرجاني وإذ به يتحدث عن إعداد الرجال، وذلك أن الجرجاني استشهد بأبيات تبيّن مَنْ الرجال؟ وكيف تكوت الرجولة؟ منها: هم يُفرِشون اللبْد كلَّ طِمِرَّة / وأجردَ سبّاحٍ يبُذُّ المغالبا هم يضربون الكبش يبرُق بيضه / على وجهه من الدماء سبائب هما يلبسان المجد أحسن لِبسة / شحيحيان ما استطاعا عليه كلاهما وقال الشيخ محمد: هذا البيت – أي الأخير- لا أشبع من قرآته، وذكر كيف تكون الرجولة وليس كما نرآها اليوم!.
خاتمة المقال وبداية المشوار:
قال تعالى: (الرجال قوّامون على النساء) قوّامون جمع قوّام وهي صيغة مبالغة "والقوام: الذي يقوم على شأن شيء ويليه ويصلحه، يقال: قوّام وقيّام وقيّوم، لأن شأن الذي يهتم بالأمر ويعتني به أن يقف ليدير أمره ... وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع ، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي". التحرير والتنوير. والموضوع يحتاج إلى طرح أعمق وأوسع لكن حسبي أن أقرع الجرس. والله تعالى أعلم
للأسف الشديد القوامه ذهبت والمرجله والحمية والغيرة والعفة قلت إلا من رحم الله
أعجبتني مقولة تقول ( إذا غابت الغيرة من الرجال مات الحياء في نسائهم )
مقالك يأخية مقال علمي ينادي من له عقل وبقايا مسؤلية أن يأخذها بعين الإعتبار والتدبر لستفيد ويفيد
بارك الله فيك ونفعنا بعلمك وقلمك المميز وجعل ماكتبتي حجة لك لا عليك وفي ميزان حسناتك