سئل الامام ابن باديس رحمه الله : من هم الوهابيون ؟
فأجاب بقوله :
" قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوة دينية ، فتبعه عليها قوم فلقبوا بالوهابيين ، لم يدع إلى مذهب مستقل في الفقه ، فإن أتباع النجديين كانوا قبله و لا زالوا إلى الآن بعده حنبليين ، يدرسون الفقه في كتب الحنابلة (1) ، ولم يدع إلى مذهب مستقل في العقائد ، فإن أتباعه كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن سنيين سلفيين ، أهل إثبات و تنزيه ، يؤمنون بالقدر و يثبتون الكسب و الاختيار ، و يصدقون بالرؤية ، ويثبتون الشفاعة ، و يرضون عن جميع السلف ، و لا يكفرون بالكبيرة ، و يثبتون الكرامة .
إنما كانت غاية دعوة ابن عبد الوهاب تطهير الدين من كل ما أحدث فيه المحدثون من البدع ، في الأقوال و الأعمال و العقائد ، و الرجوع بالمسلمين إلى الصراط السوي من دينهم القويم بعد انحرافهم الكثير و زيغهم المبين.
لم تكن هذه الغاية التي رمى إليها بالقريبة المنال ، ولا السهلة السبل ، فإن البدع و الخرافات باضت و فرخت في العقول ، وانتشرت في سائر الطوائف وجميع الطبقات على تعاقب الأجيال في العصور الطوال ، يشب عليها الصغير ، و يشيب عليها الكبير ، أقام لها إبليس من جنده من الجن و الإنس أعوانا و أنصارا وحراسا كبارا من زنادقة منافقين ، ومعممين جامدين محرفين ، ومتصوفة جاهلين ، وخطباء وضاعين.
فما كانت - وهذا الرسوخ رسوخها ، وهذه المنعة منعتها - لتقوى على فعلها طائفة واحدة كالوهابيين في مدة قليلة ، ولو أعدت ما شاءت من العدة ، وارتكبت ما استطاعت من الشدة...
بان بهذا أن الوهابيين ليسوا بمبتدعين ، لا في الفقه ولا في العقائد ن ولا فيما دعوا إليه من الإصلاح..."
من " آثار الإمام عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين " ( 5 / 32-34).
هذا رأيه - رحمه الله - فيهم ، وهو دال على أن الدعوة واحدة في جملتها ، و إنما ذكر في جملة ما ذكر مما ينتقد عليهم شدة بعض الأتباع في الدعوة ، وهذا أمر إذا لم يوافق عليه ، فإنه مما يسع فيه النظر ، ويتسع له الصدر ، وقد استحسنت رأي من أشرت إليه أعلاه ، لأنه إن قيل ظلما : إنه لا يؤيد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا ذو طمع في دنيا دولته ، فلن يمكن أن يقال هذا في الشيخ ابن باديس ، لأنه مدحها في وقت لم يكن أحد يطمع فيها لشدة المؤنة يومئذ و شظف العيش ، ولم يكن الرخاء قد وضع رحاله في ربوعها بعد ، والله يطهر قلوبنا من غش المسلمين.
وقد قصدت إلى هؤلاء الثلاثة الفضلاء : الألباني ومقبل وابن باديس ، لأنهم من غير البلاد السعودية ، فالأول من شمال المشرق ، والثاني من جنوبه ، والثالث من المغرب ، و بمثل هذه النظرة الواسعة يحصل للمسلمين الائتلاف ، و بمثل تركيز هؤلاء الأفاضل على التوحيد يحصل للمسلمين القوة و العز ، لأن الله الذي أمر بالاعتصام ، شرط أن يكون ذلك بحبل الله لا بغيره ، إذ كل اجتماع لا يكون بالكتاب و السنة فلا خير فيه ، ولا ديمومة له و إن خدع في الظاهر ، قال الله عز وجل : { واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته غخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } (آل عمران).
وبعد هذا العرض ، فليس الغرض منه مدح هذه البلاد ، و إنما الغرض بيان أن بث عقيدة السلف أمر ندر وجوده في هذا الزمان ، فليس من الحكمة في شيء التعرض للأخطاء و الترصد للمثالب ، لأن ذلك لا يعتبر علاجا لها ، بل يقع على مسرة القبوريين و سائر الحاقدين على عقيدة أهل السنة و الجماعة ، وهذا هو الذي يوافق الولاء و البراء الصحيحين ، و الله ولي التوفيق.
الحواشي :
(1) لا بد من التنبيه على أنهم - رحمهم الله - لم يكونوا يتعصبون للمذهب ، و إنما يعرفون المذهب ، فإذا رأوا الدليل في غيره لم يجدوا أي عقدة في المصير إليه ، و إذا وجد عند بعضهم دعوة صريحة إلى التمذهب الجامد فلن يكون هؤلاء من ذوي الرسوخ فيهم ، وانظر كتاب أخينا الفاضل الشيخ محمد بن هادي المدخلي " الإقناع بما جاء عن أئمة الدعوة من الأقوال في الاتباع " فإنه نفيس جدا.
- انتهى -
نقلا من كتاب " تخليص العباد من وحشية أبي القتاد الداعي إلى قتل النسوان و فلذات الأكباد " للشيخ عبد المالك رمضاني حفظه الله صفحة (461 - 463).