|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
10-03-24, 05:27 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
تـراجــم علمـائـنـا
ترجمةُ العلاَّمةِ المفسِّرِ الأصُوليِّ
محمَّدِ الأمينِ الشَّنْقيطيِّ[1] أولًا: اسْمُه ونسبُه: هو محمدُ الأمينُ بنُ محمدِ المختارِ بنِ عبدِ القادرِ بنِ محمدِ بنِ أحمدَ نوحِ بنِ محمدِ بنِ سَيِّدِي أحمدَ بنِ المختارِ. من أولادِ الطالبِ أوبك، الذي هو من أولادِ كريرِ بنِ الموافِي بنِ يعقوبَ بنِ جاكن الأبر، جد القبيلةِ المعروفةِ بالجكنيين، والتي يَرْجِعُ نَسَبُهَا إلى حِمْيَرَ. ثانيًا: مَوْلِدُهُ وَنَشْأَتُهُ: وُلِدَ الشيخُ (رحمه الله) سنةَ (1325هـ) عندَ ماءٍ يُسَمَّى (تَنْبَة) من أعمالِ مديريةِ (كيفا) من موريتانيا. وقد نشأ الشيخُ (رحمه الله) يَتِيمًا؛ إذ تُوُفِّيَ والدُه وهو صبيٌّ صغيرٌ لا زَالَ يقرأُ في جزءِ عمَّ من القرآنِ الكريمِ. فَتَرَعْرَعَ الغلامُ في بيتِ أخوالِه الذين هُمْ من بَنِي عمومته؛ ذلك أن والدتَه كانت ابنةَ عمِّ أبيه، وكان ذلك البيتُ الذي تَرَبَّى فيه الشيخُ (رحمه الله) يزخرُ بمزيدٍ من العلمِ فضلًا عمَّا يكتنفُ تلك البيئةَ من قُطْرِ شنقيطَ عمومًا من انتشارٍ للعلمِ وَذَوِيهِ، والأدبِ وأربابِه، والفروسيةِ ورجالاتها. وكان أبوه قد خَلَّفَ له ثروةً من المالِ والحيوانِ، ولم يُخَلِّفْ وَلَدًا سِوَاهُ. يقول الشيخُ (رحمه الله) متحدثًا عن بعضِ أيامِ الصِّبا: «كنتُ أَمِيلُ إلى اللَّعِبِ أكثرَ من الدراسةِ، حتى حفظتُ الحروفَ الهجائيةَ، وبدؤوا يُقْرِئُونَنِي إياها بالحركاتِ (ب فتحة بَا، ب كسرة بِي، ب ضمة بُو) وهكذا.. فقلتُ لهم: أَوَكُلُّ الحروفِ هكذا؟ قالوا: نَعَمْ، فقلتُ: كفى، إني أستطيعُ قِرَاءَتَهَا كُلَّهَا على هذه الطريقةِ؛ كي يتركوني، فقالوا: اقْرَأْهَا. فقرأتُ بثلاثةِ حروفٍ أو أربعةٍ، وتنقَّلْتُ إلى آخِرِهَا بهذه الطريقةِ، فعرفوا أني فهمتُ قَاعِدَتَها، واكتفوا مني بذلك، وتركوني، ومن ثم حُبِّبَتْ إِلَيَّ القراءةُ» اهـ. ولما أتم العاشرةَ من عمرِه فَرَغَ من حفظِ القرآنِ الكريمِ على خالِه عبدِ اللَّهِ بنِ محمدٍ المختارِ بنِ إبراهيمَ بنِ أحمدَ نوحٍ. ثالثًا: طَلَبَهُ لِلْعِلْمِ: بعدَ أن أَتَمَّ حفظَ القرآنِ في سِنِّ العاشرةِ تَعَلَّمَ رسمَ المصحفِ العثمانيِّ على ابنِ خالِه، وهو سيدي محمدِ بنِ أحمدَ بنِ محمدٍ المختار، كما قرأَ عليه التجويدَ في مَقْرَأِ نافعٍ، بروايةِ وَرْشٍ، من طريقِ أبي يعقوبَ الأزرقِ، وقالون من روايةِ أبي نشيطٍ، وأخذَ عنه سَنَدًا بذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، وكان قد بلغَ من العمرِ ستةَ عشرَ عامًا. كما دَرَسَ أثناءَ تلك القراءةِ بعضَ المختصراتِ في الفقهِ على مذهبِ الإمامِ مالكٍ، كرجزِ ابن عَاشِرٍ، كما درسَ الأدبَ مع شيءٍ من التوسعِ على زوجةِ خالِه، وأخذَ عنها إضافةً إلى الأدبِ: مبادئَ النحوِ كالآجرومية، وبعضِ التمرينات، كما أخذَ عنها بتوسعٍ: أنسابَ العربِ وأيامَهم، والسيرةَ النبويةَ، ونظم الغزوات لأحمد البدوي الشنقيطي- وهو يَرْبُو على خمسمائة بيتٍ مع شَرْحِهِ لابنِ أختِ المؤلفِ المعروفِ بحماد- ودرسَ عليها أيضا نظمَ عمودِ النسبِ للمؤلفِ نفسِه، وهو نظمٌ طويلٌ يُعَدُّ بالآلافِ، بالإضافةِ إلى شرحِه لابنِ أختِ المؤلفِ (القدر المتعلق بالعدنانيين). كُلُّ ذلك حَصَّلَهُ في بيتِ أخوالِه!! وقد أَخَذَ عن غيرِهم الفقهِ المالكيِّ من مختصرِ خليلٍ، والنحوَ من ألفيةِ ابنِ مالكٍ وغيرِها، والصرفَ، والأصولَ، والبلاغةَ، وشيئًا من الحديثِ، والتفسيرِ. أما المنطقُ وآدابُ البحثِ والمناظرةِ فكان تحصيلُه لها عن طريقِ المطالعةِ. يُحَدِّثُنَا الشيخُ (رحمه الله) عن بدايةِ الطلبِ فيقول: «وَلَمَّا حَفِظْتُ القرآنَ، وأخذتُ الرسمَ العثمانيَّ، وتفوَّقْتُ فيه على الأقرانِ، عُنِيَتْ بي والدتي وأخوالي أَشَدَّ عنايةٍ، وعزموا على توجيهي للدراسةِ في بقيةِ الفنونِ، فجهَّزَتْنِي والدتي بِجَمَلَيْنِ، أحدهما عليه مَرْكَبِي وَكُتُبِي، والآخَرُ عليه نَفَقَتِي وَزَادِي، وصحبني خادمٌ ومعه عدةُ بقراتٍ، وقد هَيَّأَتْ لي مركبي كأحسنِ ما يكونُ من مركبٍ، وملابسَ كأحسنِ ما تكونُ، فَرَحًا بي، وَتَرْغِيبًا لي في طلبِ العلمِ، وهكذا سَلَكْتُ سبيلَ الطلبِ والتحصيلِ» اهـ. رَابِعًا: هِمَّتُهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ: كان الشيخُ (رحمه الله) يتمتعُ بهمةٍ عاليةٍ في طلبِ العلمِ، فَلَمْ يكن يُفَوِّتُ مسألةً مما دَرَسَ دونَ استيعابٍ وتمحيصٍ، وإن كَلَّفَهُ ذلك جهودًا مضنيةً وأوقاتًا طويلةً، وإليك هذه الواقعةَ التي تُنَادِي بما ذكرتُ، يقولُ الشيخُ (رحمه الله): «جِئْتُ للشيخِ في قراءتِي عليه، فَشَرَحَ لي كما كان يشرحُ، ولكنه لم يَشْفِ ما في نفسي على ما تَعَوَّدْتُ، ولم يَرْوِ لي ظَمَئِي، وقمتُ من عنده وأنا أَجِدُنِي في حاجةٍ إلى إزالةِ بعضِ اللبسِ، وإيضاحِ بعضِ المُشْكِلِ، وكان الوقتُ ظُهْرًا، فأخذتُ الكتبَ والمراجعَ، فَطَالَعْتُ حتى العصرِ، فلم أَفْرَغْ من حاجتِي، فعاودتُ حتى المغربِ، فلم أَنْتَهِ أيضًا، فَأَوْقَدَ لِي خَادِمي أعوادًا من الحطبِ أقرأُ على ضَوْئِهَا، كعادةِ الطلابِ، وواصلتُ المطالعةَ، وأتناولُ الشاي الأخضرَ كُلَّمَا مَلِلْتُ أو كَسِلْتُ، والخادمُ بجواري يوقدُ الضوءَ، حتى انبثقَ الفجرُ وأنا في مجلسي لم أَقُمْ إلا لصلاةِ فرضٍ أو تناولِ طعامٍ، وإلى أن ارتفعَ النهارُ وقد فَرَغْتُ من درسي وزالَ عني لَبْسِي، ووجدتُ هذا المحلَّ من الدرسِ كغيره في الوضوحِ والفَهْمِ» اهـ. هكذا كان يصنعُ (رحمه الله) حينما يعرضُ له إشكالٌ!! بالإضافةِ إلى ما كانَ يكابدُه من سهرٍ في تَتَبُّعِ كلامِ الشُّرَّاحِ للكتابِ الذي يشتغلُ بدراستِه طَلَبًا لاستيفاءِ كُلِّ ما قِيلَ في المسألةِ أو البابِ. خَامِسًا: غَزَارَةُ عِلْمِهِ وَسِعَةُ اطِّلاَعِهِ: حَبَا اللَّهُ الشيخَ (رحمه الله) ذكاءً مُفْرطًا، وحافظةً نادرةً، وهمةً عاليةً، فَسَخَّرَ ذلك كُلَّهُ في تحصيلِ العلمِ وجَمْعِه بمختلفِ فنونِه وصنوفِه، من عقيدةٍ، وتفسيرٍ، وحديثٍ، وأصولٍ، وعربيةٍ وكان كلامُه في العلمِ يَشُدُّ كُلَّ مَنْ سَمِعَهُ، حتى يُخَيَّلَ للسامعِ أن الشيخَ أَفْنَى عمرَه في ذلك الفنِّ ولا يُحْسِنُ غيرَه! وهذه ليست من المبالغةِ في شيءٍ، وَمَنْ قَرَأَ كتابَه: "الرحلة"، أو سَمِعَ شيئًا من محاضراتِه ومناظراتِه، سواءً في المدينةِ النبويةِ، أو ما سُجِّلَ له إبِّانَ زيارتِه لعشرِ دولٍ إفريقيةٍ على رأسِ وَفْدٍ من الجامعةِ عَرَفَ حقيقةَ ما ذَكَرْتُ، كما أن دروسَه الْمُسَجَّلَةَ في التفسيرِ أكبرُ شاهدٍ على ذلك. ولقد صدقَ (رحمه الله) حينما قال: «لاَ توجدُ آيةٌ في القرآنِ إلا دَرَسْتُهَا عَلَى حِدَةٍ» اهـ. وقال: «كُلُّ آيَةٍ قال فيها الأَقْدَمُونَ شيئًا فهو عِنْدِي»!! ولما قال له أحدُ الأشخاصِ: «إن سليمانَ الجَمَلِ- صاحبَ حاشيةِ الجَمَلِ على الجَلاَلَيْنِ- لم يَقُلْ هَذَا». قال: «أَحْلِفُ لكَ باللَّهِ أني أعلمُ بكتابِ اللَّهِ من سليمانَ الجملِ بكذا؛ لأني أخذتُ المصحفَ من أَوَّلِهِ إلى آخِره، ولم تَبْقَ آيةٌ إلا تَتَبَّعْتُ أقوالَ العلماءِ فيها، وعرفتُ ما قالوا». وكان (رحمه الله) يحفظُ من أشعارِ العربِ وشواهدِ العربيةِ الآلافَ المؤلفةَ من الأبياتِ، كما كان يحفظُ أكثرَ أحاديثِ الصحيحين، وألفيةَ ابنِ مالكٍ، وَمَرَاقِي السعودِ، وألفيةَ العراقي، وغيرَ ذلك من المنظوماتِ في السيرةِ النبويةِ، والغزواتِ، والأنسابِ، والمتشابِه من ألفاظِ القرآنِ، وشيئًا من المتونِ في الفقهِ نَثْرًا ورَجَزًا. وَمَنْ سَمِعَ شيئًا من دروسِ التفسيرِ لم يَسْتَكْثِرْ ذلك عليه. سَادِسًا: عَقِيدَتُهُ: إن من الأمورِ البارزةِ التي تَشُدُّ انتباهَ المستمعِ لدروسِ الشيخِ (رحمه الله) أو القارئِ لهذا المكتوبِ منها، كثرةَ تقريرِه لاعتقادِ أهلِ السنةِ والجماعةِ في جميعِ الأبوابِ الاعتقاديةِ- خاصةً ما يتعلقُ بالأسماءِ والصفاتِ- فهو يُقَرِّرُ ذلك كُلَّهُ بعبارةٍ واضحةٍ على قواعدَ راسخةٍ مع حشدٍ من الأدلةِ النقليةِ والعقليةِ، حتى إن المستمعَ لكلامِه أو القارئَ له يُخيَّلُ إليه أن الشيخَ (رحمه الله) لا يُحْسِنُ غيرَ هذا البابِ من العلمِ. وَمَعَ تَوَسُّعِ الشيخِ (رحمه الله) في تقريرِ عَامَّةِ هذه المسائلِ وإفاضتِه في الاحتجاجِ للمعتقَد الحقِّ فيها، كانَ لا يَكِلُّ ولا يَمَلُّ من تَكْرَارِ ذلك عند كُلِّ مُنَاسَبَةٍ، فنجدُ أنه يتكلمُ في بيانِ الأُسُسِ الثلاثةِ التي يُبْنَى عليها المعتقدُ الصحيحُ في الصفاتِ في ثمانيةِ مواضعَ من هذه الدروسِ التي وَصَلَتْ إلينا، وهكذا كلامُه على موضوعِ التشريعِ وَالْحُكْمِ بغيرِ ما أنزل اللَّهُ، وكذا عند بيانِ اختصاصِ اللَّهِ تعالى بعلمِ الغيبِ، كما نجدُ الردَّ على القدريةِ في سبعةِ مواضعَ، وكذا عَرْضُ المناظرةِ بين الإسفرائيني والقاضي عبدِ الجبارِ في الْقَدَرِ، وفي ستةِ مواضعَ يُقَرِّرُ صفةَ الاستواءِ، وفي مِثْلِهَا يذكرُ المحاورةَ التي وَقَعَتْ بين الأعرابيِّ وعمرِو بنِ عُبَيْدٍ في القدرِ، إلى غيرِ ذلك مما يتكررُ في هذه الدروسِ المباركةِ من مسائلِ الاعتقادِ. وهذا التقريرُ لمسائلِ الاعتقادِ لا يقتصرُ على الدروسِ التي كان يُلْقِيهَا في التفسيرِ في مسجدِ رسولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بل نَجِدُهَا مبثوثةً في كُتُبِهِ، لا سيما «أضواء البيان»[2]. ولم يكن تَمَكُّنُ الشيخِ (رحمه الله) مُقْتَصِرًا على اعتقادِ أهلِ السنةِ، بل هو راسخُ المعرفةِ بمذاهبِ المتكلمين ووجوهِ بُطْلاَنِهَا، وهذا ظاهرٌ بجلاءٍ فيما يُقَرِّرُهُ في هذه الدروسِ وفيما ذَكَرَهُ في كُتُبِهِ، وقد قال (رحمه الله) عندَ تفسيرِ الآيةِ رقمِ (54) من سورةِ الأعرافِ، وهي قولُه تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: آية 54] [يونس: 3] بعد تقريرِه للمعتقدِ الصحيحِ في بابِ الصفاتِ وبيانِ بُطْلاَنِ مذهبِ المتكلمين في ذلك: «ونحنُ نقولُ لكم هذا وَنُقَرِّرُ لكم مذهبَ السلفِ على ضوءِ القرآنِ العظيمِ مع أنَّا ما دَرَسْنَا دراسةً شديدةً مثل علومِ الكلامِ والمنطقِ، وما تَنْفِي به كُلُّ طائفةٍ بَعْضًا من صفاتِ اللَّهِ، ونحن مُطَّلِعُونَ على جميعِ الأدلةِ وعلى تَرْكِيبِهَا التي نُفِيَ بها بعضُ الصفاتِ، عارفونَ كيف جاءَ البُطْلاَنُ، ومن الوجهِ الذي جاءَ البُطْلاَنُ، واسمُ الدليلِ الذي تُرِدُ به، ولكن ذلك لا يَلِيقُ في هذا المجلسِ الحافلِ؛ لأنه لا يَعْرِفُهُ إلا خَوَاصُّ الناسِ، فبعدَ النظرِ العامِّ الطويلِ في علمِ الكلامِ وما يستدلُّ به طوائفُ المتكلمين، وما تَرُدُّ به كُلُّ طائفةٍ على الأخرى، والأقيسةِ المنطقيةِ التي رَتَّبُوهَا وَنَفَوْا بها بعضَ الصفاتِ، ومعرفتنا من الوحيِ ومن نَفْسِ الكلامِ والبحوثِ والمناظراتِ كيف يَبْطُلُ ذلك الدليل، ومن أين جاء الخطأُ، وَتَحَقَّقْنَا من هذا كُلِّهِ، بعد ذلك كُلِّهِ تَحَقَّقْنَا كُلَّ التحققِ أن السلامةَ كُلَّ السلامةِ، والخيرَ كُلَّ الخيرِ في اتباعِ نورِ هذا القرآنِ العظيمِ، والاهتداءِ بِهَدْيِ هذا النبيِّ الكريمِ...» إلخ. وبعدَ هذا العرضِ بَقِيَ أن تعلمَ أن الشيخَ (رحمه الله) لم يَحْصُلْ له هذا الرسوخُ في هذا البابِ في أُخْرَيَاتِ حياتِه بل تجدُ ذلك أيضا في بعضِ مؤلفاتِه القديمةِ قبل استقرارِه في هذه البلادِ، ومن ذلك ما كَتَبَهُ في كتابِه: (رِحْلَةُ الْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ) جوابًا على سؤالٍ وُجِّهَ إليه عَنْ مذهبِ أهلِ السنةِ في الصفاتِ فأجابَ بنفسِ الأسلوبِ والمستوى الذي كان يُقَرِّرُ فيه اعتقادَ أهلِ السنةِ في هذا البابِ في أخرياتِ حياتِه. فَرَحِمَهُ اللَّهُ رحمةً واسعةً. سَابِعًا: الْوَظَائِفُ وَالأَعْمَالُ الَّتِي تَقَلَّدَهَا فِي بِلاَدِهِ: تَصَدَّى الشيخُ (رحمه الله) للتدريسِ وَالْفُتْيَا، كما اشْتُهِرَ بالقضاءِ، وكانت طريقتُه فيه أن يَسْتَكْتِبَ الْمُتَقَاضِيَيْنِ رَغْبَتَهُمَا في التقاضِي إليه، وقبولهما ما يَقْضِي به، ثم يستكتبُ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ، ويكتبُ جوابَ الْمُدَّعَى عليه أسفلَ كتابةِ الدَّعْوَى، ثم يكتبُ الحكمَ مع الدعوى والإجابةَ، ثم يُحِيلُهُمَا إلى مَنْ شَاءَا من المشايخِ أو الحكامِ للتصديقِ عليها وتنفيذِها. وكان يقضي في كُلِّ شيءٍ إلا في الدماءِ والحدودِ؛ إِذْ كان للدماءِ قضاءٌ خاصٌّ، وكان الحاكمُ الفرنسيُّ في البلادِ يقضي بالقصاصِ في القتلِ بعدَ محاكمةٍ وَمُرَافَعَةٍ، وبعدَ تمحيصِ القضيةِ وإنهاءِ المرافعةِ، وصدورِ الحكمِ يُعْرَضُ على عَالِمَيْنِ من علماءِ البلادِ للمصادقةِ عليه، ويطلقُ على الْعَالِمَيْنِ: لجنةُ الدماءِ، وكان (رحمه الله) أحدَ عُضْوَيْ هذه اللجنةِ. ولم يَخْرُجِ الشيخُ (رحمه الله) من بلادِه حتى عَلاَ قَدْرُهُ، وذاعَ صِيتُهُ، وَعَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُ بين الخاصِّ والعامِّ والقاصِي والدَّانِي، وصارَ عَلَمًا من أعلامِ البلادِ، وموضعًا لثقةِ الجميعِ. ثَامِنًا: سَفَرُهُ إِلَى الْحَجِّ وَاسْتِقْرَارُهُ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَأَثَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْعِلْمِيَّةِ: سَافَرَ الشيخُ (رحمه الله) من بلادِه لسبعٍ مَضَيْنَ من جُمَادَى الآخرةِ، من سنةِ سبعٍ وستين وثلاثِمائةٍ وألفٍ، قاصدًا الحجَّ عن طريقِ البرِّ على نيةِ العودةِ بعدَ ذلك إلى البلادِ، وقد كانت تلك السَّفْرَةُ حافلةً بالفوائدِ والمباحثاتِ العلميةِ القَيِّمَةِ التي تُبَرْهِنُ على رسوخِ الشيخِ في العلمِ، وطولِ بَاعِهِ فيه، يُسلِّمُ بذلك كُلُّ مَنْ قَرَأَ ما دَوَّنَهُ في تلك الرحلةِ بعنوانِ: «الرِّحْلَةُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ». وبعدَ فراغِ الشيخِ من مناسكِ الحجِّ تَوَجَّهَ صوبَ المدينةِ النبويةِ، ثم عزمَ على البقاءِ والاستقرارِ فيها، وكان (رحمه الله) يقول: «لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ أعظمَ من تفسيرِ كتابِ اللَّهِ في مسجدِ رسولِ اللِّهِ- صلى الله عليه وسلم-». وقد كان لاستقرارِه في هذه البلادِ أثرٌ ظاهرٌ في زيادةِ اطِّلاَعِهِ، وتوسيعِ دائرةِ عِلْمِهِ؛ ذلك أن الدراسةَ في بلادِه كانت مُنْصَبَّةً على الفقهِ في مذهبِ الإمامِ مالكٍ خاصةً دونَ غَيْرِهِ من المذاهبِ، إضافةً إلى علومِ العربيةِ، والأصولِ، والسيرةِ، والتفسيرِ، والمنطقِ، ولم تَكُنْ دِرَاسَةُ الحديثِ تَحْظَى بما يَحْظَى به غيرُها؛ لاقتصارِ الناسِ على مذهبِ مَالِكٍ (رحمه الله). فلما بدأ الشيخُ (رحمه الله) يزاولُ التدريسَ في المسجدِ النبويِّ، وخالطَ العامةَ والخاصةَ أَلْفَى مَنْ يُمَثِّلُ المذاهبَ الأربعةَ، وَمَنْ يُنَاقِشُ فيها، ويبحثُ عن الدليلِ ويتطلبُه، كما وجدَ الدراسةَ في المسجدِ النبويِّ لا تَقْتَصِرُ على مذهبٍ مُعَيَّنٍ، فكان من الْمُتَعَيَّنِ على مَنْ تَصَدَّرَ للتدريسِ في مثلِ هذه البيئةِ الاطلاعُ على سائرِ المذاهبِ الْمُعْتَبَرَةِ، والوقوفُ على أقوالِ العلماءِ في المسألةِ، مع التضلعِ بعلومِ الكتابِ والسنةِ، فَدَأَبَ الشيخُ (رحمه الله) في تحصيلِ ذلك، وقد سَاعَدَهُ على هذا التوسعِ تَمَكُّنُهُ من علومِ الآلةِ. وإن هذا الأثرَ المشارَ إليه تَجِدُهُ بارزًا في كتابِه: «أَضْوَاءُ الْبَيَانِ» عندما يتعرضُ للمسائلِ الفقهيةِ. تَاسِعًا: الأَعْمَالُ الَّتِي زَاوَلَهَا (رَحِمَهُ اللَّهُ) بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِي بِلاَدِ الْحَرَمَيْنِ: 1- تفسيرُ القرآنِ الكريمِ في المسجدِ النبويِّ، وقد أَتَمَّ تفسيرَ جميعِ القرآنِ، ثم شَرَعَ في تفسيرِه ثانيةً- كما ذكر ذلك في بعض دروسه- إلا أن المنيةَ وافته، فَمَاتَ (رحمه الله) ولم يُجَاوِزْ سُورَةَ بَرَاءَةٍ. 2- تدريسُ التفسيرِ في (دَارِ الْعُلُومِ) في المدينةِ النبويةِ منذ عامِ (1369 هـ) إلى أن انتقلَ إلى الرياضِ عامَ (1371 هـ). 3- تدريسُ التفسيرِ والأصولِ منذُ سنةِ (1371 هـ) حينما افْتَتَحَتِ الإدارةُ العامةُ للمعاهدِ والكلياتِ بالرياضِ معهدًا عِلْمِيًّا، تَلاَهُ عدةُ معاهدَ، وَكُلِّيَّتَا الشريعةِ واللغةِ العربيةِ، وكان الشيخُ (رحمه الله) ممن اخْتِيرَ للتدريسِ هناك، فانتقلَ إلى الرياضِ، وبقي يُدَرِّسَ هناك حتى انتقلَ إلى المدينةِ كما سيأتي. ♦ تدريسُ بعضِ مؤلفاتِ شيخِ الإسلامِ (رحمه الله) حيثُ خَصَّصَ الشيخُ (رحمه الله)- إضافةً إلى ما سَبَقَ- دَرْسًا لِمُدَرِّسِي المعهدِ في بعضِ كتبِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ (رحمه الله)، وكان ذلك في صَحْنِ المعهدِ بِدَخْنَةَ بين العِشَاءَيْنِ. ♦ تدريسُ الأصولِ، وذلك في مسجدِ الشيخِ محمدِ بنِ إبراهيمَ (رحمه الله) حيث كان الأمينُ (أكرمَ اللَّهُ مَثْوَاهُ) يُدَرِّسُ الأصولَ لكبارِ الطلبةِ. ♦ تدريسُ الأصولِ لخواصِّ تلامذتِه في بَيْتِهِ بعدَ العصرِ، كما أَمْلَى على أَحَدِ تلامذتِه شرحًا لـ «مَرَاقِي السُّعُودِ». 4- التدريسُ في الجامعةِ الإسلاميةِ منذ سنةِ (1381 هـ) حينما افْتُتِحَتِ الجامعةُ الإسلاميةُ بالمدينةِ النبويةِ، فانتقلَ الشيخُ (رحمه الله) للتدريسِ فيها، إضافةً إلى كَوْنِهِ عضوًا في مَجْلِسِهَا، وقد اسْتَمَرَّ على ذلك يُدَرِّسُ التفسيرَ والأصولَ حتى وَافَاهُ الأَجَلُ، كما دَرَّسَ فيها آدابَ البحثِ والمناظرةِ. 5- السَّفَرُ في الدعوةِ إلى اللَّهِ (تعالى) وذلك في عامِ (1385 هـ) حيث سَافَرَ الشيخُ (رحمه الله) على رأسِ بعثةٍ من الجامعةِ الإسلاميةِ إلى عشرِ دولٍ إفريقيةٍ، بَدَأَتْ بالسودانِ، وانتهت بموريتانيا، وكانت سفرتُه هذه حافلةً بالدروسِ والمحاضراتِ، واللقاءاتِ العلميةِ، والمباحثاتِ النافعةِ، وقد كانت مدةُ تلك السفرةِ تزيدُ على الشهرين، وقد سُجِّلَتْ هذه المحاضراتُ في عدةِ أشرطةٍ، وفُرِّغَتْ واعْتُنِيَ بها وَطُبِعَتْ بعنوانِ: "الرِّحْلَةُ إِلَى أَفْرِيقْيَا". 6- التدريسُ في المعهدِ العاليِ للقضاءِ منذُ افتتاحِه سنةَ (1386 هـ) في مدينةِ الرياضِ، وكانت الدراسةُ فيه آنذَاك على نظامِ استقدامِ الأساتذةِ الزائرين، فكان (رحمه الله) يذهبُ هناك لإلقاءِ المحاضراتِ المطلوبةِ في التفسيرِ والأصولِ. 7- في (8/ 7/1391 هـ) تم تَشْكِيلُ هيئةِ كبارِ العلماءِ من سبعةَ عشرَ عضوًا، وكان الشيخُ (رحمه الله) واحدًا من هؤلاء الأعضاءِ. 8- كان الشيخُ (رحمه الله) أحدَ أعضاءِ المجلسِ التأسيسيِّ لرابطةِ العالمِ الإسلاميِّ. عَاشِرًا: زُهْدُهُ وَوَرَعُهُ: إن الْعَالِمَ بِحَقٍّ مَنْ حَمَلهُ عِلْمُهُ على خشيةِ اللَّهِ (عز وجل) وَمُرَاقَبَتِهِ، مع مجانبةِ أعمالِ السفهاءِ من التكالبِ على الدنيا، والتهارشِ عليها، والتشاغلِ بها عن اللَّهِ والدارِ الآخرةِ. وإن المرءَ ليشتدُّ عَجَبُهُ حينما يقفُ على حالِ الشيخِ (رحمه الله) في هذا البابِ، حتى يُخَيَّلَ إليكَ أن المترجمَ واحدٌ من أولئك السلفِ الصالحِ الْمُقْتَدَى بهم في العلمِ والعملِ والزهدِ والورعِ. كان الشيخُ (رحمه الله) يقول: «الَّذِي يُفْرِحُنَا أنه لو كانت الدنيا مَيْتَةً لأباحَ اللَّهُ منها سَدَّ الخَلَّةِ» «ويُحَذِّرُ ابنَه مِنْ جَمْعِهَا والحرصِ عليها بحجةِ التصدقِ، وبناءِ المدارسِ والأربطةِ؛ لأنها كالماءِ الملحِ، وَاللَّهُ عز وجل لم يُوجِبْ على العبدِ جمعَ المالِ من أجلِ التصدقِ به، مع أن الواقعَ في الغالبِ أن العبدَ إذا جَمَعَ المالَ لا يُعْطِيهِ للناسِ»[3]. وقال الشيخُ (رحمه الله): «وأنا أَقْدَرُ الناسِ على أن أكونَ أَغْنَى الناسِ، وَتَرَكْتُ الدنيا لأني أعلمُ أنه إذا تلطخَ بها العبدُ لا يَنْجُو منها، إلا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ». وكان الشيخُ (رحمه الله) لا يُبْقِي عندَه من المالِ إلا ما يَكْفِيهِ في الشهرِ، ويوزعُ ما زَادَ على ذلك على فقراءِ الطلبةِ والعجزةِ والأراملِ من قرابتِه، وكان يقول: «وَاللَّهِ لو عندي قوتُ يَوْمِي ما أخذتُ رَاتِبًا من الجامعةِ، ولكنني مُضْطَرٌّ، لا أعرفُ أشتغلُ بيدي، وأنا شايبٌ ضعيفٌ». ولم يكن الشيخُ (رحمه الله) يبيعُ كُتُبَهُ التي أَلَّفَهَا، وكان يقول: «عِلْمٌ نَتْعَبُ عليه ويباعُ وأنا حَيٌّ؟ لا يمكنُ هذا، ولكن أنا أَدْفَعُ العلمَ، وواحدٌ يدفعُ الفلوسَ، وَيُوَزِّعُ للناسِ مجانًا، وأنا أعلمُ أنه سيصلُ إلى مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّهُ، ولكن سيصلُ أيضا إلى مَنْ لاَ يستطيعُ الحصولَ عليه بالفلوسِ»[4]. بل كان الشيخُ (رحمه الله) لا يميزُ بَيْنَ فئاتِ العملةِ الورقيةِ، وكان يقول: «لقد جئتُ من البلادِ ومعي كَنْزٌ قَلَّ أن يوجدَ عند أحدٍ، وهو القناعةُ، ولو أردتُ المناصبَ لَعَرَفْتُ الطريقَ إليها، فإني لا أُوثِرُ الدنيا على الآخرةِ، ولا أبذلُ العلمَ لنيلِ المآربِ الدنيويةِ». والشيخُ (رحمه الله) مِنْ أَبْعَدِ الناسِ عنايةً بالمظهرِ، وربما خَرَجَ بِنَعْلَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ أَحَدُهُمَا أحمرُ والآخرُ أخضرُ. يقول الشيخُ محمدُ العثيمين (رحمه الله): «كُنَّا طُلاَّبًا في المعهدِ العلميِّ في الرياضِ، وكنا جَالِسِينَ في الفصلِ، فإذا بشيخٍ يدخلُ علينا إذا رأيتَه قلتَ: هذا بَدَوِيٌّ من الأعرابِ، ليس عندَه بضاعةٌ مِنْ عِلْمٍ!! رَثُّ الثيابِ، ليس عليه آثارُ الهيبةِ، لا يهتمُّ بمظهرِه، فَسَقَطَ مِنْ أَعْيُنِنَا، فتذكرتُ الشيخَ عبدَ الرحمنِ السعديَّ، وقلتُ في نفسي: أتركُ الشيخَ عبدَ الرحمنِ السعديَّ وأجلسُ أمامَ هذا البدويِّ؟! فلما ابْتَدَأَ الشنقيطيُّ دَرْسَهُ انْهَالَتْ علينا الدُّرَرُ من الفوائدِ العلميةِ من بحرِ عِلْمِهِ الزَّاخِرِ، فَعَلِمْنَا أننا أمامَ جَهْبَذٍ من العلماءِ، وَفَحْلٍ من فحولها، فَاسْتَفَدْنَا من عِلْمِهِ وَسَمْتِهِ وَخُلُقِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ»[5] اهـ. وَقَدِمَ إلى الرياضِ في بعضِ زياراتِه لمعهدِ القضاءِ، وعليه ثوبٌ مبتذلٌ، فَلَمَّا كَلَّمَهُ أحدُ تلامذتِه في ذلك أجابه بقوله: «يَا فُلاَنُ، القضيةُ ليست بالثيابِ، وإنما ما تحتَ الثيابِ من العلمِ» وقد صَوَّرَ الشافعيُّ (رحمه الله) هذا المعنَى بقوله: عَلَيَّ ثَيِابٌ لَوْ تُبَاعُ جَمِيعُهَا بِفِلْسٍ لَكَانَ الفِلْسُ مِنْهُنَّ أَكْثَرَا وَفِيهِنَّ نَفْسٌ لَوْ تُقَاسُ بِبَعْضِهَا نُفُوسُ الْوَرَى كَانَتْ أَجَلَّ وَأَكْبَرَا وَمَا ضَرَّ نَصْلَ السَّيْفِ إِخْلاَقُ غِمْدِهِ إِذَا كَانَ عَضْبًا حَيْثُ وَجَّهْتَهُ فَرَى فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ أَزْرَتْ بِبَزَّتِي فَكَمْ مِنْ حُسَامٍ فِي غِلاَفٍ تَكَسَّرَا[6] الْحَادِي عَشَرَ: مُؤَلَّفَاتُهُ: ترك لنا الشيخُ (رحمه الله) مجموعةً من المؤلفاتِ، وهي من جهةِ التعلقِ بزمنِ التأليفِ على ثلاثةِ أقسامٍ: القسمُ الأولُ: ما أَلَّفَهُ في بلادِه وهي: 1- نَظْمٌ فِي أنسابِ العربِ، سَمَاهُ: (خَالِصُ الْجُمَانِ فِي ذِكْرِ أَنْسَابِ بَنِي عَدْنَانَ). وقد أَلَّفَهُ قبلِ البلوغِ، ثم دَفَنَهُ بعدَ ذلك، مُعَلِّلًا هذا الصنيعَ بأنه كَتَبَهُ على نيةِ التفوقِ على الأقرانِ. وقد قال فيه: سَمَّيْتُهُ بِخَالِصِ الْجُمَانِ فِي ذِكْرِ أَنْسَابِ بَنِي عَدْنَانِ. 2- رَجَزٌ فِي فُرُوعِ مَذْهَبِ مَالِكٍ (رحمه الله)، يختصُّ بالعقودِ من البيوعِ والرهونِ، وهو يُعَدُّ بِالآلاَفِ. (مَخْطُوطٌ). 3- أَلْفِيَّةٌ فِي الْمَنْطِقِ (مَخْطُوطٌ). 4- نَظْمٌ فِي الْفَرَائِضِ (مَخْطُوطٌ). الْقِسْمُ الثَّانِي: ما كَتَبَهُ أو أَمْلاَهُ في طريقِه إلى الحجِّ وهو قادمٌ من بلادِه: 1- شَرْحٌ عَلَى سُلَّمِ الأَخْضَرِيِّ في المنطقِ (مخطوطٌ). 2- رحلةُ الحجِّ إلى بيتِ اللَّهِ الحرامِ (طُبِعَ بعدَ وفاتِه بعشرِ سنواتٍ). الْقِسْمُ الثَّالِثُ: ما كَتَبَهُ في هذه البلادِ: 1- مَنْعُ جَوَازِ الْمَجَازِ في الْمُنَزَّلِ لِلتَّعَبُّدِ وَالإِعْجَازِ (مَطْبُوعٌ). 2- دَفْعُ إِيهَامِ الاِضْطِرَابِ عَنْ آيِ الْكِتَابِ (مَطْبُوعٌ). وقد كَتَبَهُ الشيخُ (رحمه الله) في خمسَ عشرةَ ليلةً، وهي إجازةُ الامتحاناتِ عامَ (1373 هـ). 3- مذكرةُ أصولِ الفقهِ على روضةِ الناظرِ (مَطْبُوعٌ). وقد أَمْلاَهَا على طلابِه في كُلِّيَّةِ الشريعةِ التي افْتُتِحَتْ في الرياضِ عامَ (1374 هـ) فَأَمْلاَهَا في السنواتِ الأُولَى من تدريسِه في الرياضِ. 4- آدَابُ البَحْثِ والمناظرةِ (مَطْبُوعٌ). وقد فَرَغَ من الجزءِ الأولِ بتاريخِ (28/ 03/1388 هـ) كما فَرَغَ من الجزءِ الثانِي بتاريخِ (14/ 05/1388 هـ). 5- أَضْوَاءُ الْبَيَانِ في إيضاحِ القرآنِ بالقرآنِ (بلغَ فيه سورةَ: قَدْ سَمِعَ) وهو أكبرُ كُتُبِهِ وأعظمُها (مَطْبُوعٌ). 6- بَيَانُ الناسخِ والمنسوخِ في آيِ الذكرِ الحكيمِ (مَطْبُوعٌ فِي آخِرِ أَضْوَاءِ الْبَيَانِ). وهي رسالةٌ صغيرةٌ تقعُ في نحوِ أربعِ صفحاتٍ وَنِصْفٍ، وهي عبارةٌ عن شرحٍ للأبياتِ العشرةِ التي ذَكَرَهَا السيوطيُّ في "الإتقانِ" في الآياتِ المنسوخةِ. 7- شَرْحٌ على مَرَاقِي السعودِ (مَطْبُوعٌ). أَمْلاَهُ على أحدِ تلامذتِه، وهو الشيخُ أحمدُ بنُ محمد الأمين الشنقيطيُّ، وقد فَرَغَ منه بتاريخِ (22/ 07 /1375 هـ) وكان قد شَرَحَ جميعَ الْمَرَاقِي، لَكِنَّ قِطْعَةً من النظمِ تقربُ من أربعةٍ وستين ومائةِ بيتٍ لم يُدَوَّنْ شَرْحُهَا. وقد طُبِعَ هذا الكتابُ بعنوانِ: «نَثْرُ الْوُرُودِ عَلَى مَرَاقِي السُّعُودِ» وهذه التسميةُ من مُحَقِّقِهِ لأَنَّ المؤلفَ لم يُسَمِّهِ. وللشيخِ (رحمه الله) عددٌ من الفتاوى والأجوبةِ على أسئلةٍ وُجِّهَتْ إليه، فَمِمَّا عُرِفَ منها: 8- فتوى في التعليلِ بالحكمةِ والسائلُ هو الشيخُ عبدُ الله بنُ منيع. 9- وجهةُ نظرٍ في حُكْمِ السَّعْيِ فوقَ سقفِ الْمَسْعَى. 10- رسالةٌ فِي حُكْمِ الصلاةِ في الطائرةِ (مَخْطُوطٌ). وهي رسالةٌ صغيرةٌ تقعُ في سِتِّ صفحاتٍ، كَتَبَهَا عَامَ (1385 هـ). 11- رسالةٌ في جوابِ سؤالٍ وَرَدَ إليه مِنْ أَحَدِ أمراءِ بلادِ شنقيطَ، يسألُه عن العَالَمِ هل هو مخلوقٌ ومرزوقٌ من بركةِ النبيِّ- صلى الله عليه وسلم-، أو ذلك بأسبابٍ أُخْرَى؟ ويقعُ الجوابُ في سِتَّ عشرةَ صفحةً. 12- رسالةٌ في جوابِ سؤالاتٍ ثلاثةٍ، مُقَدَّمَةٌ من الشيخِ محمدِ الأمينِ ابن الشيخِ محمد الخضر، والسؤالاتُ هي: أ- أَيْنَ مَقَرُّ العقلِ في الإنسانِ؟ ب- هَلْ يشملُ لفظُ (المشركين) أهلَ الكتابِ؟ ج- هَلْ يجوزُ للكافرِ أن يدخلَ مساجدَ اللَّهِ غيرَ المسجدِ الحرامِ. ويقعُ الجوابُ في إحدى عشرةَ صفحةً. وللشيخِ (رحمه الله) العديدُ من المحاضراتِ، وقد طُبِعَ بعضُها، ومن ذلك: 13- مَنْهَجُ التشريعِ الإسلاميِ وَحِكْمَتُهُ. أَلْقَاهَا عامَ (1384). 14- الْمُثُلُ الْعُلْيَا. 15- الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ. 16- الإسلامُ دينٌ كاملٌ، وهي شرحٌ لقوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ﴾ الآيةَ، وكانت بالمسجدِ النبويِّ عامَ (1378)، بحضورِ محمدٍ الخامسِ مَلِكِ المغربِ. 17- مَنْهَجٌ ودراساتٌ لآياتِ الأسماءِ والصفاتِ. وقد أَلْقَاهَا (رحمه الله) في الجامعةِ الإسلاميةِ بتاريخِ (13/ 09/1382هـ). 18- محاضرةٌ حولَ شبهةِ الرقيقِ، ألقاها نيابةً عنه تلميذُه الشيخُ عطيةُ سالم في الموسمِ الثقافيِّ بالجامعةِ الإسلاميةِ. الثَّانِيَ عَشَرَ: تَجَافِيهِ عَنِ الْفُتْيَا فِي أُخْرَيَاتِ حَيَاتِهِ: غَلَبَ على الشيخِ (رحمه الله) في السنواتِ الأخيرةِ من حياتِه التحرزُ الشديدُ من الْفُتْيَا والتباعدُ عنها، وكان إذا اضْطَرَّهُ أحدٌ إلى الجوابِ يقولُ: «لاَ أَتَحَمَّلُ فِي ذِمَّتِي شَيْئًا، العلماءُ يقولونَ كَذَا وَكَذَا». وَلَمَّا سُئِلَ عن ذلك أجابَ بقولِه: «إن الإنسانَ في عافيةٍ ما لم يُبْتَلَ، والسؤالُ ابْتِلاَءٌ؛ لأنكَ تقولُ عن اللَّهِ ولا تدري أتصيبُ حُكْمَ اللَّهِ أم لا؟ فما لم يكن عليه نَصٌّ قَاطِعٌ من كتابِ اللَّهِ أو سنةِ رسولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَجَبَ التحفظُ فيه». وكان يتمثلُ بقولِ الشاعرِ [7]: إِذَا مَا قَتَلْتَ الشَّيْءَ عِلْمًا فَقُلْ بِهِ وَلاَ تَقُلِ الشَّيْءَ الَّذِي أَنْتَ جَاهِلُهْ فَمَنْ كَانَ يَهْوَى أَنْ يُرَى مُتَصَدِّرًا وَيَكْرَهُ «لاَ أَدْرِي» أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهْ ولاَ يَخْفَى أن هذا الصنيعَ- أَعْنِي التحرزَ من الفُتْيَا- هو حالُ السلفِ الصالحِ، والمنقولُ عنهم في هذا المجالِ كثيرٌ لا يسعُ المقامُ نقلَه، فَلْيُرَاجَعْ فِي مَظَانِّهِ [8]. الثَّالِثَ عَشَرَ: رُجُوعُهُ لِلْحَقِّ إِذَا ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ: لم يكن الشيخُ (رحمه الله) مِمَّنْ يأنفُ من إعلانِ رجوعِه إلى الحقِّ إذا تَبَيَّنَ له ولو كان القولُ الذي رَجَعَ عنه قد أَذَاعَهُ وَنَشَرَهُ وانتصرَ له سنينَ متطاولةً، وهذا نَجِدُهُ جَلِيًّا عندَ كلامِ الشيخِ (رحمه الله) على الآيةِ رقمِ (5) من سورةِ براءةٍ حين تَعَرَّضَ للكلامِ على القتالِ في الأشهرِ الْحُرُمِ حيث يقولُ: «وكنا نَرَى هذا القولَ - وهو نسخُ تحريمِ القتالِ فيها - مَكَثْنَا كثيرًا من الزمنِ ونحنُ نَنْصُرُ هذا القولَ ونقررُ أنه الأصوبُ، ثم ظَهَرَ لنا بعدَ ذلك أن أصوبَ القولين وَأَوْلاَهُمَا بالصوابِ أن تحريمَ الأشهرِ الْحُرُمِ بَاقٍ لم يُنْسَخْ» اهـ. وقال عندَ تفسيرِ الآيةِ رقم (34) من السورةِ نفسِها: «وَقَدْ ذَكَرْنَا أن الذي كانَ يظهرُ لنا وننصرُه أن تحريمَ الأشهرِ الحرمِ قد نُسِخَ، وأن الذي تَحَقَّقْنَاهُ بعدَ ذلك وَصِرْنَا نجزمُ به أنها باقيةُ التحريمِ إلى الآن...» اهـ. ومن ذلك عدةُ مسائلَ كان يُقَرِّرُهَا في "شرحِ مَرَاقِي السعودِ" ثم يُخَالِفُهَا ويتراجعُ عنها في "أَضْواءِ الْبَيَانِ". الرَّابِعَ عَشَرَ: وَفَاتُهُ: تُوُفِّيَ الشيخُ (رحمه الله) ضُحَى يومِ الخميسِ، السابعَ عشرَ من شهرِ ذِي الحجةِ، عامَ ثلاثٍ وتسعينَ وثلاثِمائةٍ وألفٍ، في منزلِه في مكةَ المكرمةِ، وقد صَلَّى عليه سماحةُ الشيخِ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ بعدَ صلاةِ الظهرِ من ذلكَ اليومِ، ودُفِنَ بمقبرةِ المَعْلاَة برِيْعِ الحَجُونِ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً. المصدر: مقدمة كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير للشنقيطي، ط دار عالم الفوائد مكة المكرمة، الطبعة الثانية 1426 هـ [1] مصادر الترجمة: ترجمة تلميذه الشيخ عطية سالم، وهي مطبوعة في آخر أضواء البيان، «علماء ومفكرون عرفتهم» للمجذوب (1/ 171)، «ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي» للسديس، «جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف» للطويان (رسالة ماجستير مقدمة في الجامعة الإسلامية عام 1412هـ ثم طُبِعت في مجلدين عن مكتبة العبيكان) وغيرها. [2] وقد جُمع في ذلك رسالة علمية مقدمة إلى الجامعة الإسلامية. [3] هذا الكلام خلاصة لبعض كلام الشيخ (رحمه الله) رواية ابنه الشيخ عبد الله. [4] قال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه "فقه النوازل- رسالة حق التأليف": (2/ 183): "قلت له- أي للشيخ الشنقيطي- لو طُبع أضواء البيان طبعة تجارية لكان أكثر لانتشاره, فقال: "لا أُتاجر في البيان لكتاب الله تعالى, وما أظن أحدًا يجترئ على كتابي فيبيعه فأدعو عليه إلا أن تصيبه الدعوة. هكذا شافهني وأنا بجانبه في المسجد النبوي الشريف- رحمه الله تعالى- " اهـ. [5] مجلة الحكمة، العدد الثاني، ص22. [6] الأبيات في ديوانه ص43- 44 سوى الأخير، وهو في الحلية (9/ 131). [7] البيت الأول في جامع بيان العلم (2/ 842)، بلا نسبة. [8] انظر: الفقيه والمتفقه (2/ 165 - 175)، جامع بيان العلم (2/ 826 - 843). وَلَمَّا حاولَ أحدُ تلامذتِه- وهو أحمدُ بنُ محمد الأمين الذي شَرَحَ له مَرَاقِيَ السعودِ- ثَنْيَهُ عن الحجِّ في العامِ الذي تُوُفِّيَ فيه لِضَعْفِ صِحَّتِهِ أَجَابَهُ بقوله: «دَعْ عَنْكَ المحاولةَ، سَفَرِي إلى لَنْدَنَ أريدُ الشفاءَ بها لا بدَّ أن أُكَفِّرَ عنه بِحَجٍّ». وماتَ الشيخُ (رحمه الله) ولم يُخَلِّفْ شيئًا من حُطَامِ الدنيا، فَرَحِمَهُ اللَّهُ رحمةً واسعةً. منقول من شبكة الألوكة
jv[lmE hgugh~QlmA hglts~AvA hgHwE,gd~A lpl~Q]A hgHldkA hga~QkXrd'd~A vpli hggi >>> hgHldkA hgHwE,gd~A hglts~AvA hggi hga~QkXrd'd~A hgugh~QlmA jv[lmE
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
16-08-24, 03:10 AM | المشاركة رقم: 2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
السليماني
المنتدى :
تـراجــم علمـائـنـا
جزاك الله خيراً وجعل ما قدمت في موازين حسناتك
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
27-08-24, 02:05 PM | المشاركة رقم: 3 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
السليماني
المنتدى :
تـراجــم علمـائـنـا
بارك الله فيك ...
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 2 : | |
السليماني, الشـــامـــــخ |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|