العودة   شبكــة أنصــار آل محمــد > قســم الموسوعة الثقافية > بيت القصـص والعبـــــــر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-03-11, 11:46 AM   المشاركة رقم: 61
المعلومات
الكاتب:
بنت الديره
اللقب:
عضوة مميزة
الرتبة


البيانات
التسجيل: Dec 2010
العضوية: 347
العمر: 33
المشاركات: 1,485 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.29 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 16
نقاط التقييم: 35
بنت الديره على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
بنت الديره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : بنت الديره المنتدى : بيت القصـص والعبـــــــر
افتراضي

الحلقة الواحدة والستون

على ذكر المكتبة اتصل علي شيخنا رحمه الله يوما وقال:
سيأتيك أحد الأكاديميين ويريد تصوير بعض المخطوطات ..
حيث تحتوي المكتبة على خزانة بها عدد بسيط من المخطوطات القديمة وبعضها
كتبت منذ ثمانية قرون..
وقد سبق وقمت بفرزها وترتيبها وفهرستها بأمر شيخنا رحمه الله..
عجيب أمر المخطوطات!!
ما زلت أتذكر أنني كنت أجلس في جوف الليالي الهادئة والناس نيام
والشوارع ساكنة ..
كنت أشعل ضوء المكتبة الخافت وأجلس أتصفح تلك المخطوطات فأشعر بسكينة عجيبة حيث أنني أنتقل لخمسة قرون خلت أو أكثر وأجلس مع ذلك الشيخ أو ذلك الطالب الذي حنى ظهره وكلت يده في شدة الحر والجوع والمخمصة وهو يدون تلك التحفة العظيمة ..
لا أدري لو أن الله تعالى قدر على طلبة علم هذا الزمان المترفين !!
أن يرجعوا لتلك الأزمان الغابرة مدة شهر واحد فقط ماهم فاعلون؟؟؟
جاءني ذلك الأكاديمي المذكور ..
وجهه أبيض مشرب بحمرة يلبس مرآة
نظر الوجه عذب اللسان بسيط أنيس ..
انشرح له قلبي منذ أن رأيته ..
عرفني بنفسي قال : أنا أخوك عمر السبيل !!
والذي صار لا حقا إمام الحرم الشريف ..
وفجعنا بموته رحمه الله بعد سنوات جعل الفردوس الأعلى مثواه..
كان يريد مخطوطة عن الألغاز ..
فتشت له عنها واستخرجتها له ..
أقفل المخطوطة ونسينا أمرها وبقينا في المكتبة نتحدث ولم نشعر حتى انتصف الليل..
أمثال الشيخ عمر جلست معهم ساعات معدودة ولكن كلماتهم الصادقة ولطفهم وسماحة نفوسهم تبقى خالدة في النفس حتى الممات ..
ووالله لو كنت أنظم النثر لرثيته فنعم الرجل عمر ..
رحمة الله عليه وخلف الله على والديه خيرا فيه..
استدعاني الشيخ في تلك الأيام وأدخلني لملحق بيته وقال لي وكان صارما:
أريدك أن تكون صادقا معي فيما أسألك عنه!!
نظرت في عينيه وقلت له : والله سأكون معك صادقا إن شاء الله ..
وانتابتني قشعريرة وخشيت أن يكون أحدهم ( وما أكثرهم) قد لبسني تهمة جديدة!!
قال : هل تجيبني عما أسألك عنه مهما كان ..؟؟
قلت : أفعل إن شاء الله ..
قال : بلغني من أحدهم أن عليك دينا لبعض الأشخاص في الطائف قبل قدومك لعنيزة هل هذا صحيح؟؟
خجلت والله واستحييت أن أكلم الشيخ في مثل هذه الأمور .. وكنت أعلم أن الشخص الذي نقل له الخبر هو الأخ محمد زين العابدين ..
وقد أخبرت محمد منذ مدة عن ذلك حينما كانت الفتنة بيني وبين صاحبنا حامية .. ولا أذكر مناسبة ذكر هذا الموضوع ولكنه الشخص الوحيد الذي أخبرته..
رفعت رأسي وتشجعت وقلت له : نعم علي دين ..
أرخى رأسه وأحنى جفنه وأخفض صوته معاتبا..
قال : لم لم تخبرني ؟؟
ألم اقل لوالدك أنك تحت رعايتي ؟؟
لم أستطع الجواب واحترت !!
استجمعت قواي وقلت له: يا شيخنا تلك أمور حدثت في الماضي قبل قدومي عليك ولم أكن تشرفت بمعرفتك ..
قال مقاطعا: ولكن المال ما زال في ذمتك .. والناس لن تتركك فكيف تريد أن تطلب العلم وأنت مشغول بهم؟؟؟
آمرك بكتابة تلك الديون وسوف أسددها عنك ..
قلت له : أبدا والله !!
قاطعني وقال: يجب أن أسددها حتى تريح بالي وبالك ..
ثم قال:وثق تماما أنني سأوفي دينك من مالي الخاص وليس من أموال الزكاة
أو الصدقة حتى لا أكون مجاملا معك من أموال المسلمين!!
ثم ناولني ورقة وطلب مني تدوين تلك الأسماء ومالهم علي ..
فكتبت ودخل لبيته ولم يطل الغياب
ثم ناولني المبلغ كاملا وزاد عليه وقال لي :هذا هو المبلغ ومعه نفقتك تسافر اليوم وتسدد للناس مالهم..
ثم اتبع ذلك قائلا لي وأشار بيده : أنت في حرج مني إن احتجت ريالا أو مئة
ألف إلا طلبت مني فأنا في مقام والدك فلا تتحرج مني!!
قبلته بين عينيه وقبلت يده ..
وخرجت من عنده وأنا محتار من كرم هذا الرجل ..
كنت أتساءل من قبل ولعلكم أنتم تساءلتم مثلي:
نرى كثيرا من المشائخ وأهل العلم ولكن قليل منهم من لهم قبول في القلوب لماذا؟؟
حينما اختلطت بشيخنا وعاشرته كنت أراه رغم علمه وجلالة قدره بشرا ..
يأكل وينام ويمشي في الطرقات ويتعب ويمرض ويغضب ..الخ
ولكن حينما رأيت أفعاله وتصرفاته معي ومع غيري عرفت أن الله تعالى المطلع على أفعال العباد في السر والشهادة هو الذي يبعث القبول للصالحين في قلوب البشر..وغير البشر!!
لا تتعجبوا من ذلك إخوتي أخواتي ..
ذكر لي الشيخ بنفسه قال لي :
جاءه رجل من قراء عنيزة المعروفين وذكر له أنه قرأ على احد الممسوسين بالجن وأنه تحدث معي الجني ومن حديثه انه قال له ( أي الجني): إن جدي مطوع يحضر درس ابن عثيمين في الجامع!!
مرت الأيام والليالي وانتهى موسم الدراسة وجاءت الإجازة الصيفية..
حيث يتكثف برنامج الدروس ..
وتأتي لعنيزة كوكبة و دماء جديدة ووجوه أخرى من مناطق المملكة وخارجها ..
غالبها تأتي للدراسة في إجازة الصيف ثم ترجع لموطنها..
ومنهم من يحالفه الحظ فيبقى وإنه لذو حظ عظيم !!
وقد كان شيخنا يهتم بهؤلاء الطلبة كون غالبهم لا يستطيع المكوث طويل
فيخصهم بمادة نحو الفرائض أو متن في الأصول أو النحو أو نحو ذلك
بحيث يرجع الواحد منهم وقد درس متنا كاملا بالإضافة للدروس الأخرى
أذكر أنه جاءنا في سنة من السنوات طلاب من دولة روسيا يدرسون في الجامعة الإسلامية ....
وفي سنة من السنوات جاءنا حوالي العشرون شابا اهتدوا للسنة بعد أن كانوا على المذهب الإسماعيلي الضال..
وقد اهتم بهم شيخنا جدا حتى أنه خصهم بدرس في بيته كل صباح في العقيدة..
استمعت مرة لشريط لشيخنا حيث أنه زاره في مسجده في عنيزة عدد من الجنود الأمريكان الذين أسلموا في حرب الخليج يقول لي الشيخ عن تلك الجلسة..
كانوا ضخام الأجسام طوالا وأجلستهم في مكان الدرس المعتاد ..
وحيث أنهم يبدوا لم يعتادوا الجلوس على الأرض فقد تمدد بعضهم واتكئ على يده أمام الشيخ ..!!
يقول الشيخ :ولم أرد أن أعلق على أن ذلك من سؤ الأدب رأفة بهم لحداثة إسلامهم..
يستمر ذلك البرنامج الصيفي حوالي الشهر تقريبا بعده يسافر شيخنا لمدينة الطائف لحضور اجتماع هيئة كبار العلماء كما هو معروف..
وكنت رفيق شيخنا في تلك السفرة للطائف..
توجهنا لجده ومنها توجهنا لمكة لأداء العمرة..
وكان في رفقتنا في تلك العمرة الأستاذ عبد الرحمن العثيمين أخا الشيخ وكذلك ابنه الصغير عبد الرحيم..
بالإضافة للأخ علي السهلي..
انتهينا من أداء المناسك سريعا ثم توجهنا بعد العصر للطائف..
وكان مسيرنا عن طريق المسيال وليس عن طريق جبل الهدى ..
كان الجو ممطرا وكنت فرحا مسرورا للغاية وذلك أن شيخنا سوف يزورن في منزلنا في الطائف..
قلت له: والله بتنور بيتنا ياشيخ بقدومكم ..
فرد علي ابن الشيخ عبد الرحيم : بتنور كل الطائف مو بيتكم فقط!!
فضحكنا من جوابه ونباهته رغم حداثة سنه..
وصلنا فكان الوالد رحمه الله في استقبالنا عند باب البيت..
ولا تسل عن فرحه وابتهاجه بنزول الشيخ محمد عندنا..
كان الوقت عصر تقريبا ..
حينما وضع شيخنا قدمه في البيت ..
قلت في نفسي : ياسبحان الكريم الخالق ..
ابن عثيمين إمام المسلمين وعالمهم وفقهيهم بنفسه يدخل بيتنا ..
كأنني أقول لأبي حينها : قد أغضبتك أنت ووالدتي بهروبي وهاأنذا اثبت لك يا أبي أن الله تعالى تولاني ورحمني ومن علي ..
فهذا الشيخ ابن عثيمين يأتيك زائرا بنفسه إكراما لك ولابنك وأهل بيتك فهل تريد برهانا انصع من هذا البرهان؟؟
ولكأن أبي قال في نفسه : تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين !!
استغفر الله من زلل القلم فعفوا إخوتي ..
إن لطعم ذلك اليوم مذاق خاص ..
تستمر حلاوته كلما استذكرته فاللهم اغفر لأبي وشيخي يا ارحم الراحمين
حينما دخل شيخنا لمجلس المنزل وكان في صدره صورة كبيرة معلقة لأخي الكبير محمد رحمه الله وكنت جهدت من قبل مع أبي أن ينزع تلك الصورة كون تعليقها محرما ويمنع دخول الملائكة كما هو المشهور من كلام أهل العلم.
ولكنه رحمه الله كان يتحجج بحجج كثيرة ويرفض رفعها..
حينما دخل الشيخ لفت نظرة تلك الصورة ..
فقال لأبي : يابو محمد أطمس هذه الصورة ..
فقام أبي من فوره وأخفاها عن نظر الشيخ ولم يرجعها ابدا !!










توقيع : بنت الديره

ask.fm/Nasooora20
اسالني وكذا يعنينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تابعني على تويتر
nsooora20@

عرض البوم صور بنت الديره   رد مع اقتباس
قديم 14-03-11, 11:47 AM   المشاركة رقم: 62
المعلومات
الكاتب:
بنت الديره
اللقب:
عضوة مميزة
الرتبة


البيانات
التسجيل: Dec 2010
العضوية: 347
العمر: 33
المشاركات: 1,485 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.29 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 16
نقاط التقييم: 35
بنت الديره على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
بنت الديره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : بنت الديره المنتدى : بيت القصـص والعبـــــــر
افتراضي


الحلقة الثانية والستون

أذكر مرة أن التاجر المعروف في مكة علوي تونسي دعا شيخنا ابن عثيمين للعشاء في بيته العامر..
وكان الأستاذ علوي قد دعا عددا كبيرا من وجهاء مكة وعلماءها وتجارها احتفاء بشيخنا..
سبقت شيخنا للدخول للمجلس حيث الناس تصافحه وتسلم عليه عند الباب
حينما دخلت رأيت صورة بشرية وتكاد تملأ الجدار من ضخامتها..
توقعت أن ينكر شيخنا ولا يسكت فهو كما عهدته لا تأخذه في الحق لومة لائم..
بقيت أنتظره وتساءلت في نفسي : مالذي سيحصل؟؟
وضعت في خاطري عددا من الاحتمالات ..
قطع صوت سلام الشيخ حبل التفكير وركزت النظر على عينيه ما هو انطباعه وتصرفه..
حينما توسط المجلس الفسيح لا حظ تلك الصورة فتأملها ثم أطرق وهو يمشي واحمر وجهه فهو بين خيارين اثنين : إما أن ينكر ويرضي ربه ومعنى هذا إما أن تنزع الصورة أو أن يخرج من المجلس!!
فالأول متعذر وفيه مشقة هائلة وحرج والثاني أشق وأنكى !!
أو أن يسكت وهذا ما يأباه عليه دينه وخوفه من ربة ثم اقتداء الناس به..
هذا ما تخيلته أنا ..
قال الشيخ : يا أخ علوي تعليق هذه الصورة لا يجوز ويمنع دخول الملائكة فأي بركة في مجلس لا تحضره الملائكة؟؟
رأيت وجه علوي تونسي تلون بألوان لا أميزها من الحرج والحياء..
أسعفه شيخنا وقال له : أحضروا لنا غطاء أو شرشفا وغطوا الصور ..
فتفرجت أساريره وكأن الشيخ أزاح جبلا هائلا عن صدره ..
فأمر أحد خدامه فغطى الصورة واسترحنا وانتهى الحال على ذلك ..
أذكر مرة أن شيخنا دخل بيت أحد أقرباءه وكان رجلا موسرا وفيه تعال وإسراف على نفسه ..فأراد شيخنا تأليف قلبه ودعوته ..
زرناه في منزله في جده وكان مجلسه مليئا بالتماثيل والمجسمات الحيوانية وغيرها ..
لم يتكلم شيخنا معه حول هذا الموضوع فيما بدا لي ..بل أنه ركز معه على الأمر الأهم والذي له الأولوية وهو هداية هذا الرجل وإنقاذه من براثن الضياع والضلال..
ولقد رأيت شيخنا يتألفه في الكلام ويتبسط معه ولكأنه يتكلم مع أعلى الناس منزلة وسلطة ..
فكسب بذلك قلبه وأحب الرجل ذاك شيخنا من ذلك المجلس مع أنه استقبلنا في أول الأمر بفتور وتعال..
وما خرجنا من بيته بعد ساعات إلا وقد امتلأت أسارير وجهه بشرا وحبا وإجلالا للشيخ ..
ولقد زرناه في المرة التالية بعد شهور فلم أر تلك التماثيل والمجسمات أبدا ..
وهكذا هي الدعوة ياعباد الله !!
أكسبوا الناس وتألفوا قلوبهم دون أن تتنازلوا مثقال ذرة عن دينكم !!
فالحمد لله الأمر فيه سعة لمن هداه الله ووفقه ..
جعلني الله وإياكم منهم..
كنا مرة في دعوة من الدعوات في جده وحضرها عدد كبير من المثقفين ومنهم وزير الإعلام الحالي إياد مدني وكان حينها مديرا لتحرير جريدة عكاظ..
و كذلك حضر عدد من التغريبيين من كتاب الصحف المشهورين والمحسوبين على تيار العلمنة ..
دار بينهم وبين شيخنا نقاش طويل وعميق ..
كان شيخنا يلقمهم بكل حجة من حججهم عشرا ..
كان مستند شيخنا قال الله قال رسوله وهم يستندون للواقع وقال فلان وفلان..
قال إياد مدني لشيخنا بكل فظاظة : لماذا تحتكر العلم في شخصكم هل الدين ما تراه أنت أو ابن باز فقط؟؟
فرد عليه شيخنا وأفحمه بكلام كثير وطويل ستملون من ذكره ..
وكنت أستغرب كيف مثله ومن هو في منصبه وحاله يقول مثل هذا الكلام الساقط عن مشائخنا ؟؟
إن أصغر مثقف يستطيع الرد على مثل هذا الكلام البائس والذي خرج من واهم أو صاحب هوى .. كما قال ربنا ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم )
أشفقت على شيخنا بسبب كثرتهم وكثرة لجاجهم وهم كما قال الأول:
حجج تساقط كالزجاج تخالها ذهبا وكل كاسر مكسور
ولم يكن من الأدب أن يشارك احد بحضور الشيخ فقد كنا جميعا تلاميذ له وليسوغ لنا المشاركة معه فبقينا صامتين ..
ولكن حينما انتهى النقاش وقدم العشاء وفض المجلس لحقت بإياد مدني عند المغاسل ..
فأسمعته كلاما شديدا فوقف ينظر إلي وقد اتسعت حدقة عينه حتى كادت تسقط من وجهه ..!!
فلم يكن يتوقع أن يتلقى هذه الصفعة مني فقد كنت موتورا ولا أدرك حينها التصرف الأمثل في مثل هذه المواطن ..
نرجع لتسلسل رحلتنا !!
عرض الوالد على شيخنا أن نستضيفه في بيتنا طوال بقاءه في الطائف..
فقال الشيخ : والله إنني أعتبر نفسي في بيتي ولكن يمنعني من ذلك بعد المسافة فمنزلكم يا أبا محمد في الضواحي وهذا فيه مشقة علي فأنا أبحث عن مكان قريب من مكان دروسي ودوامي اليومي في الهيئة ..
ألحيت على الشيخ وألح الوالد ولكنه أصر على ذلك..
وكانت غايتنا أن نتشرف بوجوده في بيتنا فأي شرف مثل هذا الشرف!!
ملاحظة: هذا آخر حلقة أنزلها وأنا مضطر للتوقف عن الكتابة لأمر طارئ وأعدكم بحول الله أن أعود لإكمال الحلقات لا حقا إن كتب الله في العمر بقية ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تكملة ...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الطاهرين وبعد..
تشاجرت في هذا الصباح مع قلمي ودار بيني وبينه الحوار التالي:
قال لي وهو غضبان أسفا ..
قلي يا مالك في رحلتك إلى النور متى ستلج النور ياهذا ؟؟
أما زلت تسير ولم تصل إليه بعد ؟؟
ثم ما هو النور الذي تبحث عنه ؟؟
أهو شيء محسوس أم هو هوس بالمغامرات واقتحام لدروب ومجاهل في الحياة عجيبة ؟؟
متى ستنتهي حكاياتك ؟؟
متى ستتوقف روايتك..
قلت لقلمي: أليست الحياة مواقف ..؟؟
قال: بلى ولكن كل شيء له نهاية..
قلت : ما دام في العمر بقية فستبقى الحياة دروسا وعبر..
قال : أليس للناس شغل إلا بك وبحياتك ؟؟
قلت : بالتأكيد أن لدى الآخرين مثل ما لدي وقد لا تجتمع لهم بعض ما عندي ولكن يبقى لكل قصته..
ولكن أعاهدك يا قلمي أن لا اكتب سوى ما أراه مفيدا لي وللآخرين ..
أحس قلمي بالملل فهو يدرك أنه لن يخرج بفائدة من المراء معي..
و قال هات ما لديك فإني أوشك أن أنعس ..
قلت له : أكتب يا صديقي ..
اتكأت على الأريكة ..ووضعت يدي على موضع جرح العملية الجديدة ..
فأحسست بوخزة الألم ..
وأغمضت عيني فعادت بي الذكرى ..
فسبحت في عالم بعيد ..
عاد بي لعشر سنوات تقريبا
ثم بدأت أملي عليه
يقول لي خالد وهو جندي بوسني يبلغ من العمر خمسة وخمسون سنة
بالله عليك يا مالك اقرأ لي تلك الورقة ..
قلت له أنا لا أفهم حروف قومك ..
زم شفتيه التي لا أسنان تحتها حيث لم يعد في حلقه ريق من العطش؟؟
عطش في سراييفو؟؟
حيث الأنهار تجري من حولنا ؟؟
لا تعجبوا يا أخوتي ..
فخالد روى لي في تلك الليلة عجبا..
قال لي خالد : تصدق يا مالك ..
أنني حوصرت ومعي مائة وخمسون من أبناء قريتنا من كتيبة صربية لمدة ثمانية أيام وما معنا سلاح سوى بنادق الصيد وشيئا من الفؤوس والسلاح الأبيض..
وكنا نسمع خلفنا في القرية بكاء الصبية وصراخ النساء من الجوع والخوف..
والقائد المسلم الذي يقودنا يقول :لو غادرنا القرية فسوف يستبيح الصرب ما تبقى لنا من كرامة ..
ستغتصب النساء وسيذبح الأطفال وسيذبح الشيوخ ..
صبرنا يا مالك والصرب من حولنا يصرخون ويزمرون ..
أين إخوانكم المسلمين ؟؟
سنبيدكم ونبيد الإسلام من سراييفو إلى مكة ..
ثمانية ليال لم نذق النوم ولم نطعم فيه لقمة ولم نشرب فيه شربة بلى شربنا ..
شربنا البول يامالك..
..
ثم هز رأسه كأنه لا يريد إكمال الحكاية .
قال لي خالد..
أرجوك إقرا الورقة..
قلت هات ..
أخرج الورقة من جيبه وكانت ملفوفة بعناية ففتحتها وأضأت نورا خافتا من ساعتي
خوفا أن يرقبني القناصة الصرب الذين لا يبعدون عنا سوى عشرات الأمتار..
حينها دوى في الوادي صوت المدفع الصربي..
حيث يقصفنا الأصراب كل نصف ساعة ..
ليتأكدوا أننا ما زلنا مستيقظين؟؟
لم نعبا بالصوت فقد اعتدنا عليه ..
فالقذائف تمر من حولنا وترتطم في البيوت الهالكة خلفنا فتتشظى ولا تكاد تصيب أحدا..
الورقة مكتوبة بالعربية ..!!
يا خالد؟؟
خرجت من وجهه الكئيب ابتسامة أضاءت ما تبقى من شحوبة وجهه الكهل..
قال : أعلم ذلك..اقرأها لي أرجوك..
فقرأت..
الحاج عثمان هوتشش 1123 هـ الفاتحة آمين!!
لم افهم منها شيء..
سحب خالد مني الورقة ونظر في وجهي نظرة افتخار وهز الورقة ثم طواها وأدخلها في جيبه..
وقال لي حينما لم يجد الصرب شيئا في قريتنا قصفوا القبور فوجدت على قبر جدي جصا حفرت عليه تلك العبارات فنسخت ما كتب عليه حتى أعيده بعد ننتقم من هؤلاء الأوغاد..
قلت له يا خالد ..ألا تحكي لي قصة حصار تلك الليالي المرعبة ..
نظر في وجهي نظرة غريبة وأرخى رأسه وتدحرجت من عينه الغائرة دمعة أكاد اشعر أن الأرض اهتزت لها حينما ارتطمت بها..
قال : يا مالك يابني ..
بما ذا أحدثك والله ما عاد لي عقل يذكر شيئا ..
ثم مسح رأسه بكفه التي ترجف ورفع حاجبه للقمر المحاط بكومة من السحب كأنه يستلهمه شيئا ..
وقال غدا سأرويها لك إن شاء الله..
قال لي خالد وكأنه يريد تغيير الحديث ..
بالأمس يا مالك حدث موقف غريب ..
قلت : وهو؟
كنت جالسا في مكاني هذا أراقب الجبهة أمامي وأتبادل السباب مع الصربي الذي يسمعني واسمعه ..
وفجأة سمعت جلبة خفيفة خلفي ..
فرأيت رجلا عجوزا يسير راكعا في الخنادق المحفورة ..
ويحيط به رجلان جلدان تكاد تظنهما أسدان من استواء اجسامهما !!
متأهبان بالسلاح
تساءلت في نفسي من هذا الرجل؟؟
رأيته يتقدم ببطيء في الخنادق يمر على العسكر ويتكلم معهم ويهمس في آذانهم ويربت على ظهورهم..
قال لي خالد ..
من تظن الرجل..؟؟
قلت وما يدريني؟؟
قال خالد:
اقترب مني ذلك الكهل ..
فقال : السلام عليكم..
فرددت نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة..
حاولت أن أميز وجهه ولكنه أدرك خطورة الموقف فجلس بجواري وأشار لي حرسه بالجلوس والصمت ..
وخلع قبعته العسكرية ...
وتجلت لي صورته ..
إنه علي عزة بيخوفيتش ؟؟
رئيس جمهورية البوسنة والهرسك؟؟
حدثنا يا مالك ..
ارجع بنا للخلف لماذا قفزت بنا بعيدا ..
ارو لنا عن شيخك فأنت لم تنهي القصة بعد..
يقول لي القلم ذلك بعد أن أخذته الحماسة هيا أكمل ياهذا ..
حدثنا عن فوزي عسيري ؟؟
ذلك الشاب الصالح المؤمن الذي يقيم في مستشفى القوات المسلحة في الهدى في الطائف من عشرات السنين ؟؟
والذي كنت في زياراتك له تستمع إليه يقول:
أمنيتي في الحياة أن أرى الشيخ ابن عثيمين..
أرو لهم كيف كانت مشاعر فوزي عسيري حينما يرى نفسه في غرفته الصغيرة في المستشفى أنا وهو والشيخ ابن عثيمين ..
وبعد أيها القراء الأفاضل ..
يتجدد بكم اللقاء ويعود بنا القلم لأكمل الحكاية سائلا المولى سبحانه أن يلهمني الحق والصواب وان يجنبني الزلل ويصلح النية ويجعلها خالصة لوجهه الكريم ..
كم تزدحم الذكريات في رأسي..
والله من يومين لم أذق للنوم طعما حيرة ترددا. بما ذا أبدأ ؟؟
مع ما في القلب من شواغل وما في الجسد من آلام بسبب الأدوية الكثيرة فالعذر يتقدم لكل قاريء عزيز أن يدرك الحال ويتفهم الوضع وعلى الله التكلان سبحانه وأخيرا عزمت على الكتابة كيفما يكون وكيفما يرد ..
أيها الأخوة الكرام
قبل عدة أيام وهو الخامس عشر من شوال وافق ذلك التاريخ يوم رحيل شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
وذلك في الساعة الخامسة وربع عصر يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال سنة 1421 للهجرة في مدينة جده ..
وستأتي تلك القصة مفصلة في حينها إن شاء الله تعالى ..
فاللهم اغفر لشيخنا وارض عنه واجعل قبره روضة من رياض الجنة واجمعنا به ووالدينا وذرياتنا وأهلنا في فردوسك الأعلى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
أخوكم
مالك الرحبي










توقيع : بنت الديره

ask.fm/Nasooora20
اسالني وكذا يعنينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تابعني على تويتر
nsooora20@

عرض البوم صور بنت الديره   رد مع اقتباس
قديم 14-03-11, 11:47 AM   المشاركة رقم: 63
المعلومات
الكاتب:
بنت الديره
اللقب:
عضوة مميزة
الرتبة


البيانات
التسجيل: Dec 2010
العضوية: 347
العمر: 33
المشاركات: 1,485 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.29 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 16
نقاط التقييم: 35
بنت الديره على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
بنت الديره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : بنت الديره المنتدى : بيت القصـص والعبـــــــر
افتراضي

الحلقة الثالثة والستون

كان منزلنا في ذلك العام قريبا من منطقة البلد ..
في وسط الطائف وأظن أن المنزل كان مستأجرا من عائلة نسيب الشيخ
الشيخ خالد المصلح ..
مكث الأخ علي معنا طوال الأيام تلك وغادرنا ابنه وأخوه الأستاذ عبد الرحمن....
كنت في الغالب أنا من يتولى قيادة الشيخ في مشاويره..
فأنا ابن الطائف..
تعجب الناس والأصحاب من هذه الإنتقالة الهائلة في وضعي من الشيخ..
ومن قرأ منهم ما سطرته هنا سيفهم تماما ما الذي حدث !!
فالحمد لله الذي كفاني مئونة تفسير ذلك؟؟
على كل تقبل الناس سريعا هذه الوضعية الجديدة..
أذكر أنه في إحدى زيارات الشيخ لبيتنا حضر حوالي الخمسين شخصا..
تلون وجه أبي وتلبدت على وجهه غيمة حياء فمن سيضيف هؤلاء ..
وأين سيجمعهم..
أصعدناهم للمجلس ولا تسل عن عناءنا وحرجنا ..
ويعلم المولى سبحانه أننا ما ضقنا بعددهم ولا بوجودهم فهذه ضريبة صحبة العلماء ولكن لم نكن مقدرين لتلك الزيارة المفاجئة..
ولذلك فهمت ما لذي كان يعنيه شيخنا من إصراره على عدم السكنى في منزلنا أو غيره وفضل المكوث قريبا من أحد الجوامع الكبيرة ..
ليتمكن مريدوه من إيجاده والاستفادة من علمه ..
وأفضل مكان لا شك هو الجامع..
كنا نصلي في الجامع الواقع شمال مواقف التكاسي المسماة مواقف مكة..
ويلقي شيخنا هناك دروسه بعد العصر..
وكان إمام الجامع من إخواننا اليمنيين ويظهر أن شيخنا يعرفه حيث اعتاد إلقاء الدروس في مسجده في السنوات الماضية..
لم يكن بالجامع الفسيح واقترحت على شيخنا أن يجعل درسه في جامع آخر..
قال الشيخ : بعد العصر سأستمر بالتدريس في هذا الجامع للعامة ..
أما الدروس اليومية بين العشاوين ( أي المغرب والعشاء)
فقال لي وللأخ علي أنتما اختارا الجامع المناسب وعجلا علي..
ذكر لي الأخ علي جامع ابن سند ..
قلت له إن طلبة العلم في الطائف اعتادوا على الدروس لكبار المشائخ في جامعين معروفين بكثرة مرتاديه الأول جامع ابن عباس الكبير والثاني جامع الأمير احمد..
والأخير فيه دروس شيخنا احمد السهلي ويحضر فيه عدد كبير من طلبة العلم ..
أستقر رأينا أخيرا ذلك العام أن تكون دروس شيخنا في جامع الأمير احمد وحينما رأى الشيخ كثرة الحضور وامتلاؤه بالحضور فرح بذلك وأثنى على رأيي فالحمد لله ..
تساءل الناس عن ذلك الشاب الصغير والذي هو مالك!!
يجلس بين يدي شيخنا
ويقرأ عليه أسئلة المستفتين !!
يا للعجب!!
لا تسل عن حيائي وعن ضعفي أمام نظرات الناس التي لم اعتد عليها إلا بعد حين..
قائل يقول : هذا من أبناء الشيخ!!
وقائل يقول : هو نسيبه!!
وقائل يقول : هو من اليمن !!
ولم يصل للحقيقة سوى من قرأ كلامي هذا كله !!
كلمات سمعتها من هنا وهناك ولكن مع الزمن لم اعد أعيرها أي انتباه..
في تلك السنة انتشرت حمى الدشوش أو ما يسمى الأجهزة اللاقطة..
والتي تكلم عنها الشيخ ناصر العمر بارك الله فيها قبل سنوات في شريطة المشهور البث المباشر والذي طبع لاحقا في كتاب وانتشر..
حذر شيخنا منها كما حذر غيره وناصح الناس والمسئولين وراسلهم ولقد رايته مهموما بهذا الشأن وكأنه رحمه الله ثكل من كثرة ما يتكلم وينصح من هذا الشر المستطير..
استأذنته مرة ونحن في السيارة لأسمعه مقطعا من شريط للشيخ عبد الوهاب الطريري حول موضوع الدشوش..
فقال اسمعني: كان اجتماعا بين الطريري وعدد من المثقفين أو الأكاديميين
قال أحد المتفيقهين !!
يا إخوان أنتم كبرتم المسالة وأعطيتموها اكبر من حجمها !!
إن مجتمعنا متماسك وعقيدتنا صلبه ولا يمكن أن تهتز بمثل هذه اللواقط وثوابتنا راسخة الخ كلامه ..
فرد عليه الطريري بكلام معناه : إذا ليكن الانفتاح شاملا !!
قال كيف ؟؟
قال ليشمل الانفتاح في الأمور التي تهدم الدين وتهدم سياسات الدول فأنت تعرف أن المتربصين بالدولة والحكومة وخاصة حكومتنا كثير فهل ستسمح لك انفتاحك بفتح المجال في كل شيء؟؟
فأسقط في يد الرجل وصمت ..
وأعجب شيخنا بجواب الطريري وفي اليوم التالي حث الناس على سماع شريطه ذاك وأثنى عليه!!
لا شك أن الأمور تغيرت الآن وبعد دخول الانترنت وامتلاء فضائنا بمئات القنوات الفضائية قد لا يتصور بعضكم وقع المصيبة حينما بدأت بما يقارنه الآن من حال..
في تلك الليالي حصل لنا موقف طريف..
حيث نسينا مفتاح شقتنا في داخل المنزل ..
ولم يكن سوى شيخنا للأسف يحمل مفتاحا للباب رغم حرصه الشديد وتيقظه في مثل هذه الأمور..
فهو يحمل در زانة من المفاتيح ويضعها في جيبه ومرتبة بنسق عجيب
قلت لعلي لا بد أن نحضر شخصا ليفتح الباب..
رافقنا الشيخ بالطبع !!
توجهنا بسيارتنا الكراسيدا وتوقفنا أمام محلات المفاتيح ..
توسمت في وجوه الناس..
فرأيت شابا قصيرا عليه مرآه يظهر عليه أنه هادئ الطباع ..
فوقفت بين يديه ولم يكن عنده أحد وقلت له الحاصل ..
فقال لي : وما يدريني أن هذا منزلكم؟؟
نظرت للأخ علي وقلت له: يا أخي نحن ثلاثة أشخاص نقيم في منزل مضيفنا ..
قال : دع مضيفكم يأتي !!
لاطفناه بالعبارة وقلنا سنصور لك هوياتنا إن شئت ..
وبعد تردد حمل حقيبته وركب في سيارتنا ..
حينما رأى ذلك الشاب شيخنا كأنه ارتاح واطمأنت نفسه ..!!
ولكنه لم يعرف من يرافق على كل حال..
أخذ شيخنا يسأله عن نفسه ..
ويسأله عن أحواله ..
أذكر انه قال أنه من قبيلة بني مالك وأظن اسمه نايف أو شيئا من هذا القبيل..
وصلنا للشقة ثم نظر إلي كأنه يريد مني شيئا فوضعت بطاقة أحوالي في يده فنظر فيها ..
ثم أرجعها لي ..
كان اختياره موفقا فما عن وضع يده على الباب حتى فتحه باحترافية عجيبة ..
أرجعته لدكانه فسألني من هذا الرجل الذي وجهه يشع نورا ؟؟
قلت له هذا الشيخ ابن عثيمين!!
قال لي : حرام عليك يارجل هلا أخبرتني من قبل والله لن آخذ منك ريالا مقابل ذلك!!
كانت للشيخ محاضرات ودروس في الأقاليم المحيطة بالطائف ..
في الحوية والهدى والشفا وجمعيات التحفيظ والمراكز الصيفية والمعاهد ويجتمع في مدينة الطائف سنويا في تلك الفترة كوكبة كبيرة من العلماء والمشائخ ممن لا يكاد يحصرهم عاد..
كنا في الجمع ننزل للصلاة في الحرم وكان شيخنا يتعجب من الناس ويقول
لو كنت مقيما في جده أو الطائف لما فاتت علي مائة ألف جمعة في الحرم!!
نسقنا مرة محاضرة للشيخ في جامع الملك فهد في الهدى وكان يوم جمعة ..
وانطلقنا من مكة بعد صلاة العصر حيث لا يستغرق وصولنا للهدى سوى ساعة وربع تقريبا ..
ولكن حدث مالم يكن في الحسبان ..
حيث نزلت الأمطار على الهدى وحين وصولنا لجبل الكر..
أوقفت الدوريات السيارات وإمرتها بالرجوع لمكة والذهاب للطائف من طريق المسيل..
وقال الطريق خطر ولا يمكن السماح للسيارات بالعبور..
فاسقط في يد الشيخ وتحرج وكان من أصعب الأمور على نفسه أن يفوت وعدا وخاصة أنها محاضرة عامة ..
ولم يكن لدينا وسيلة اتصال..
قال لي : لا ترجع ودعنا نمكث لعل وعسى الطريق يفتح..
هممت أن انزل للجندي واستأذنه واشرح له الوضع ..
ولكن هيهات فلو سمح لنا بالعبور لثارت عليه مئات السيارة من حولنا فدوني نجوم السماء !!
بقيت والشيخ حتى قريبا من العشاء..
حتى اطمأنت نفسه وعرف انه لا حيلة لنا ..
وبعد وقت يسير سمح لنا بالعبور..
فلم يكن هم الشيخ إلا أن نذهب للجامع ونبلغ الناس بما حصل..
وصلنا للجامع وقد خرج الناس من الصلاة ..
توجهنا للإمام ..
فلما رأى الشيخ انكب عليه واحتضنه وقال والله لقد قلقنا عليك والناس تساءلت ما لذي حصل لكم ..
وبعضهم ذهب للشيخ ابن باز يسأل عنك..
وأجرينا اتصالات عديدة بالمسئولين !!
بلغه الشيخ بما حصل ..
وكان الرجل نبيها!!
قال يا شيخ محمد: لا يعوضنا منك سوى أن تشرف أهل المنطقة بعشاء!!
فقال يا ولدي : أنا متعب لو تعفيني!!
أصر الرجل ورتب عشاء في إحدى مزارع منطقة الهدى الجميلة
وحضرها جمع كبير من الناس يكادون يبلغون المئة!!
ولا تسل عن فرح الشيخ باجتماعهم حيث شعر انه عوضهم بتلك المحاضرة لتطيب نفوسهم بتلك الجلسة التي لم تخل من فوائد وتوجيهات..
يتبع إن شاء الله










توقيع : بنت الديره

ask.fm/Nasooora20
اسالني وكذا يعنينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تابعني على تويتر
nsooora20@

عرض البوم صور بنت الديره   رد مع اقتباس
قديم 14-03-11, 11:48 AM   المشاركة رقم: 64
المعلومات
الكاتب:
بنت الديره
اللقب:
عضوة مميزة
الرتبة


البيانات
التسجيل: Dec 2010
العضوية: 347
العمر: 33
المشاركات: 1,485 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.29 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 16
نقاط التقييم: 35
بنت الديره على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
بنت الديره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : بنت الديره المنتدى : بيت القصـص والعبـــــــر
افتراضي


الحلقة الرابعة والستون

أذكر مرة بعد سنوات من موقفي مع الشيخ حينما أغلق جبل الهدى بسبب الأمطار..
موقفا لن أنساه حيث تجرعت فيه مرارة اسمحوا لي بروايتها لكم ولو طالت..
فقد يكون فيها شيء من الطرافة ..
كنت عائدا من جده وكنت في ضيافة أحد الزملاء ..
وقد حملت في جيبي مبلغا بسيطا من المال..
أظنه لا يتجاوز المئة وخمسون ريالا..
ولم تكن تلك الأيام قد شاعت في الناس بطاقات الصراف الآلي بل اظنها معدومة..
والمال وفير والحمد لله ولكن لم يكن يدر بخلدي أن احتاج للقليل منه فلا أجده..
في الطريق من بيت صاحبي ..
أشار لي رجل مسن بالتوقف ..
وكانت حالته مرثية ويظهر عليه البؤس والإعياء بل كان يمشي بثقل على عكازين.. فتوقفت بجواره ..وقلت له : نعم ياعم..
فقال : لو قدمتني معك يا ولدي لأطراف المدينة..
ففتحت له الباب وجلس بجواري..
أخذ يدعو لي ويشكرني فقلت له: لا داعي أنا لم افعل شيئا يستاهل الشكر ومقصدك على طريقي..
قال لي: وددت أنك كنت معي في جيزان فأكرمك كما فعلت معي فانا من ساعة أشير للناس فلم يتوقف لي احد يظنني الناس أتسول..
سكت قليلا ثم تنهد وكأنه يريد أن يروي لي معاناته ..
يقول من أي المناطق أنت ؟؟
قلت له :أنا حاليا أقيم في منطقة القصيم
قال :من أي القبائل ..
ثم قال: أنا من قبيلة كذا من جيزان وأحترف الزراعة وعندي بستان فيه ما لذ وطاب من الفواكه والأشجار الظليلة ..ياليتك إن جئت لجيزان تعرج علي فأكرمك ..
قلت له : وهل عندك أحد تقيم عنده في جده ..
قال : أبدا أنا كما ترى رجل كبير ومريض جئت هنا لأحد الأمراء لكي احصل منه على توصية للعلاج في إحدى مستشفيات جده ..
ولكن للأسف لم أتمكن من الوصول للأمير مباشرة لكثرة الناس فوضعت مظروفا مع الناس وسأرجع أدراجي لجيزان الآن..
قلت : ولماذا لا تمكث في جده حتى تنتهي معاملتك؟
قال : أبنائي صغار ولا يقوم عليهم احد سواي ومزرعتي تحتاج لرعاية
فلا بد أن ارجع لهم وبعد أسبوع سأعود لمكتب الأمير لأرى النتيجة!!
قلت له :ولماذا لا ترجع بالطائرة إلى جيزان فأنت مثقل وطريق العودة طويل..
قال : لم اركب الطائرة في حياتي ولست اقدر على قيمتها..
والحمد لله سأقف على الطريق العام وسوف أجد من يتجه على جيزان وسأركب معه !!
تأسفت في نفسي لحال هذا المسكين وتمنيت في تلك اللحظات لو كنت احمل مالا أتوجه به للمطار فلا أغادره حتى يرجع لأولاده وينام معهم تلك الليلة ولكن هيهات..
حينما وصلنا لمقصده قال لي : يابني كم تطلبني؟؟
قلت له : لا شيء..
ثم أخرجت محفظة نقودي فسحبت منها مبلغا دون أن أراه وقلت له خذ هذا المال استعن به في طريقك..
فدعا لي وشكرني حتى كدت أذوب من الخجل منه ..
ما إن غادر ذلك المسكين حتى أضاءت إشارة نفاذ الوقود في سيارتي..
وجدت محطة وقود قريبة فأشرت للعامل وقلت له أملأه!!
تفقدت محفظتي فوجدت فيها مبلغا لا يتجاوز الخمسة عشر ريالا!!
فقفزت خارج السيارة وأطفئت مكينة البنزين وقلت للعامل يكفي فقط خمسة عشر ريالا!!
وسيارتي من نوع المرسيدس و بالتأكيد لن توصلني إلى مكة بهذه الكمية فكيف إلى الطائف!!
وهنا تبدأ الحكاية !!
خرجت من جده وأنا أراقب عداد البنزين وسرعتي متوسطة وأطفأت جهاز
التكييف وبقيت استغفر واهلل وأقول في نفسي ما الذي سأفعله لو انتهى بي الوقود؟؟
لاحظت أن البرق يضيء على جبال الهدى والتي ترى للداخل إلى مكة فتوجست خيفة ..
وقلت في نفسي ماذا لو أغلقوا الطريق؟؟
قبل أن ادخل لمكة أضاء العداد بقرب نفاذ الوقود!!
مررت على مكة وأخذت أبحث في رأسي عن حل لهذه الورطة فلم أشعر إلا وأنا في أطراف مكة على طريق الطائف السريع..
لاحظت من بعيد دورية مرور تقف في وسط الطريق ..ورأيت كثيرا من السيارات تعود أدراجها على مكة!!
وقفت أمام الجندي ففتل شواربه وقال : وين رايح؟؟
قلت : الطائف ..
قال الطريق مغلق رح من المسيال!!
قلت له : ومتى سيفتح ؟
قال : والله ما أدري يمكن ساعة يمكن يوم يمكن يومين؟؟
قلت له : وهل يمنع الذهاب للجبل ؟؟
قال : أفضل لك تروح من المسيال ، وإذا تبغى تروح على مسئوليتك تفضل..
شكرته وتوجهت للجبل..
وليتني سمعت نصيحته وبقيت في مكة حتى يفرجها المولى سبحانه..
بقيت أسير بهدوء وأراقب العداد وأقول في نفسي ماذا لو توقفت بي في منتصف الطريق الموحشة المظلمة ؟؟
ما لذي سأفعله ؟؟
بمن سأتصل ؟؟
وبالتأكيد سوف يقلق علي أولادي ولا وسيلة اتصال لدي !!
وصلت للجبل وفي ذات الموقع الذي توقفت أنا وشيخنا بجواره قبل سنوات
ولكنني هذه المرة وحيدا فريدا وبلا مال!!
وجدت عشرات السيارات متوقفة وكلهم مثلي يأمل أن يفتح الطريق في ساعة أو بضع ساعات أما أنا فكنت احمل هما اكبر هو هم الوقود!!
نزلت من سيارتي وتوجهت للعسكر لعلي أجد عندهم حلا لمشكلتي التافهة!!
كانوا في جدال وجلبة مع الناس وكل يروي
مأساته يقول أحدهم دوامي والآخر يقول أنا مواصل للجنوب وثالث يقول:
أريد أن أوصل أبنائي للمدرسة..
فيرد عليهم الجنود عودوا للمسيال !!
والمسيال لمن لا يعرف المنطقة هو الطريق الآخر للطائف وهو أبعد قليلا من طريق الهدى ..
يقول الجنود:
الطريق خطير والسيول قد جرفت الصخور والأوامر تقضي بمنع التحرك حتى تصلح الإعطاب ويزول الخطر..
عدت لسيارتي وأطرقت أفكر في حل لهذه المشكلة ..
ومرت حوالي الساعتين وكانت كعشر ساعات على نفسي..
شعرت بالهدوء من حولي وخفت جلبة الناس وعاد كثير منهم لطريق المسيال ..
رفعت رأسي فرأيت الجنود قد جلسوا على بسط في وسط الطريق وأخذوا
يتبادلون الحديث وشرب القهوة والشاي وكان الجو عليلا ونسيم الرياح بعد منتصف الليل أضفى على المكان الأنس..
تشجعت وقلت في نفسي: لما لا أذهب إليهم فأحكي لهم حالي!!
فالناس لبعضها والخطب يسير وهونت الأمر على نفسي ..
نزلت من السيارة وقصدتهم ..
فلما اقتربت منهم أطفأ احدهم سيجارته وصافحته وقال : ليش ما تنام يا مطوع؟؟
ولم يدعني للجلوس ..
قلت له : هل من جديد ؟؟
التفت وراءه للجبل فلمعت في السماء أضواء البرق ..
وقال : شوفت عينك ما اظنك بتمر الليلة !!
قلت له : لعله بكره الصباح بدري !!
قال : لين تجي الشركة في الصباح وتنظف الطرق لعله الظهر بكره!!
وأفضل لك تروح من المسيال !!
هممت أن أقول للعسكري سبب تأخري ولكنني استحييت وخجلت فرجعت من عنده وأنا في هم لا يعلمه إلا الله..
قلت في نفسي كيف يجرأ الناس على السؤال ؟؟
أعوذ بالله من الذل..
رغم أني محتاج ومستحق ولكن لا أدري !!
الحمد لله على المعافاة..
رجعت لسيارتي وفتحت نوافذها وتوسدت يدي ونمت نوم المتوجس والمهموم..
أذن علينا الصبح ..
فتوجهت للمسجد الواقع بجوار محطة البنزين ..
وقدمني المؤذن البنجلاديشي للصلاة ..
وصليت بالناس الفجر..
بعد الصلاة بقيت في المسجد والعامل ينتظر خروجي حتى يغلق المسجد .. وكنت أتكلم معه وألاطفه واسأله عن بلده وكل ذلك أنني هممت والله أن اطلب منه أن يقرظني أو يهبني عشرين ريالا !!
لكي أملأ السيارة بوقود يرجعني لمكة ولكن هيهات كيف لهذا المسكين أن يثق بشاب عليه اثر الترف وسيارته فارهة يطلب منه عشرون ريالا ..
أو حتى عشرة ريالات..
ومرة أخرى منعتني كرامتي وصون وجهي عن السؤال ..
فالحمد لله على المعافاة..
تكاثرت السيارات بعد صلاة الفجر وجاءت من كل حدب وصوب
وصار المكان غاصا بالخلق وطلبة المدراس والمعلمون وتدافع الناس على العسكر ..
وزاد الأمر سوءا انه مر موكب رسمي فلم يتردد الجنود بالسماح لهم
بالمرور فضج الناس وارتفعت الأصوات وقالوا : ونحن أليس لدينا مصالح ؟؟
فقالوا هذا موكب رسمي ..
فقال الناس ونحن نذهب على مسئوليتنا دعونا نمر..
فلم يفلح ذلك في إقناع الجنود..
بقيت ارقب الموقف وبدأ الجوع يدب في بطني ..
كنت أسير وأهيم بين السيارات وأتفرس وجوه الناس لعلي أجد أحدا اعرفه
لم يحفل بي احد فكل بهمه اشتغل..
توجهت لمحطة الوقود..
وهممت أن اكلم العامل أن يضع لي وقودا على أن أرجع له بعد يوم بماله ..
فتوسمت في وجهه فعلمت أن كواكب السماء اقرب لي من ذلك!!
رجعت للسيارة وحميت الشمس حتى صار الجو خانقا ..
في الضحى توجهت للعسكر مرة أخرى وكانت الوجوه جديدة فقد تغير فريق العمل..
ولم يكن الجو مشجعا وعلامات الإعياء بادية عليهم..
اقتربت منهم فلما انتصفت الطريق عدت أدراجي!!
حيرة وحياء من ذل سؤالهم..
وما عساني سأقول لهم : أعطني بالله عشرة ريالات ؟؟
أو أنني محتاج أو جائع ؟؟
كيف سيكون وجهي حينما يسحب ذلك المتعجرف من جيبه عشرة ريالات
فيلقيها في يدي فوالله لباطن الأرض خير من ظاهرها ..
توجهت للمسجد وتوضأت وبقيت في ركنه ورفعت رأسي للسماء ودعوت الله بالفرج ..
وصليت الظهر مع الجماعة ثم عزمت على العودة لمكة وقلت وليكن ما يكن!!
جلست على المقعد وذكرت الله تعالى ..
أدرت السيارة فعملت ..
وانطلقت بها وسرت بها سيرا خفيفا..
وبقيت أسبح الله تعالى ..
وطلبت من المولى سبحانه اللطف ..
قطعت ربع المسافة ونصفها وفي كل مرة أقول هاهي ستتوقف..!!
ولكنها لم تخذلني..
في الطريق ..
تذكرت احد زملاء الدراسة في عنيزة وهو مقيم في مكة ..
وما أكثر من اعرفهم في مكة من المشائخ والعلماء وطلبة العلم ولكن
كوني اسألهم في مثل هذا الحال وفي مثل هذه القضية فهذا حرج لا يقدره سوى من يفهم واقع الحال..والله المستعان..
الذي حصل يا إخوتي الكرام أنني بفضل المولى سبحانه وصلت لمكة!!
ولم يكن لي هم سوى أن أصل لمكان صاحبي ذاك..
توجهت من فوري فوجدته واقفا أمام محله فشده لرؤيتي فهو من سنوات لم يرني!!
فلما رآني ابتسم لي ابتسامة أنستني كل الهم الذي كنت فيه ..
سحبته من محله وطرت به لمحطة الوقود وقلت له :أملأ لي السيارة بالوقود وكنت عليه جريئا !!
فاخرج بوكه فنثر كنانته جزاه الله خيرا ولم يسألني وملئها فودعته وقال لي انتظر !!
أين ستذهب..
ما هي قصتك يا رجل تغد معي!!
قلت له : قصتي طويلة سأحكيها لك لاحقا ..
فغادرته وهو حائر !!
وعدت له بعد أيام بوجه غير وجهي فحكيت له القصة فغص بالضحك حتى سقط على وجهه..
وصلت لأولادي عصر ذلك اليوم ..
وكانوا في غاية القلق ومع ذلك حتى هذا اليوم لم ارو لهم ما حصل فليقرؤها هنا ..
وليت شيخنا كان حيا فيقرأها رحمة الله عليه
يتبع إن شاء الله..










توقيع : بنت الديره

ask.fm/Nasooora20
اسالني وكذا يعنينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تابعني على تويتر
nsooora20@

عرض البوم صور بنت الديره   رد مع اقتباس
قديم 14-03-11, 11:49 AM   المشاركة رقم: 65
المعلومات
الكاتب:
بنت الديره
اللقب:
عضوة مميزة
الرتبة


البيانات
التسجيل: Dec 2010
العضوية: 347
العمر: 33
المشاركات: 1,485 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.29 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 16
نقاط التقييم: 35
بنت الديره على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
بنت الديره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : بنت الديره المنتدى : بيت القصـص والعبـــــــر
افتراضي

الحلقة الخامسة والستون

نعود لحكايتنا ..
سمعت عن شاب مصاب بمرض عضال ..
وذلك قبل ذهابي للقصيم ومعرفتي بشيخنا رحمة الله عليه..
وقالوا لي أنه منذ سنوات يعيش وحيدا فريدا في مستشفى القوات المسلحة في الطائف..
وحثني أصحابي على زيارته حتى قال لي أحدهم : والله إن رؤية هذا الشاب سترفع همتك وستزيد إيمانك!!
طمعت بذلك ومن ذا لا يريد زيادة إيمانه ورفع همته؟؟
تحدثت مع احد جيراننا في الحي في الطائف عن ذلك الشاب ..
فرق له وقال سوف أرافقك ..
وذهبنا بعد أيام للمستشفى المذكور..
وصلنا للاستقبال..
فسألنا عن الشاب..
قلت لهم اسمه فواز العسيري)..
فقال : لعلك تقصد فوزي العسيري!!
فقلت : نعم هو ..
فابتسم في وجهي وقال ..ستجده في غرفته أو سيكون الآن في الحديقة يتنزه !!
ثم ناولني بطاقة الزيارة وأعطاني رقم غرفته ..
صعدت للغرفة وكنت أتعجب في نفسي لماذا ابتسم الرجل من سؤالي!!
لما وصلت الغرفة وجدتها خالية سوى من ممرضة ترتب السرير ..
قلت لها : وين فوزي ؟؟
قالت : سيأتي بعد قليل هو يتنزه في الخارج..
قلت لها : ممكن نجلس؟؟
قالت : نعم ..
جلست أنا وصاحبي وقلبت نظري في غرفة فوزي..
لم تكن غرفة مريض !!
كأنني في غرفتي في عنيزة بعد سنوات!!
رفوف كتب آلاف الأشرطة ..
مجلات إسلامية كل شيء يدل على العلم ..
قال لي صاحبي: هل أنت متأكد أن هذا صاحبك؟؟
قطع علينا صوت عربية تقترب من الغرفة ..
فكان نظرنا على الداخل..
قالت الممرضة وابتسمت ابتسامة عريضة هذا فوزي وصل..
دعوني اصف لكم فوزي..
مقعد على العربية جسمه كأنه عمرة ست سنوات أو عشر!!
ورأسه مكتمل النمو يزيد على العشرين سنة!!
وجهه كأنه كوكب دري..
جميل وأنت تعجز أن تقول انه جميل..
ابتسم في وجهنا ابتسامة اعجز عن وصفها ..
رقيقة عذبة و جميلة ..
كان يلبس ثوبا ازرق وعلى رأسه طاقية بيضاء ناصعة البياض نبتت على وجهه لحية صفراء جميلة ..
ووجهه مستدير وصاف كالعسل..
لما رأيناه قمنا له ..
فسلم علينا فدنوت منه لأصافحه..
فأرخى رأسه حياء لأنه يعجز عن مصافحتي فربت على يده وقبلت جبينه..
وفعل صاحبي مثل ما فعلت..
عرفناه بأنفسنا فرحب بنا وشكرنا على زيارته ..
وقال : أنا افرح بزيارة الناس لي ..
كان يتكلم و كنت أفكر في كلام الفقهاء أن من أدب الزيارة للمريض عدم الإطالة عنده حتى لا تشق عليه ولكن فوزي هذا من طراز مختلف ..
يأسرك بمنطقه وأدبه حتى لا تريد مغادرته والله ..
لم نجرأ عن سؤاله عن مرضه وعن مدة بقائه وما لذي حدث له ..
ولكنه بادرنا بذلك من خلال كلامه ..
قال : مرضي غريب وسماه لنا وهو مرض يتوقف فيه نمو الجسم ماعدا الرأس والعقل ..
حيث تبقى الأعضاء كما هي دون الرأس فينمو مع السنين..
وقال لنا : أنا منذ ست سنوات مقيم هنا !!
وعائلتي في منطقة عسير ونظرا لحاجتي الماسة للمستشفى فقد أصريت على المكوث هنا حتى لا اشق عليهم بإحضاري دوما ..
وكان هذا هو رأي الأطباء..
روى لنا تفاصيل حياته وبرنامجه وقراءته وانه حفظ جزءا كبيرا من القرءان وأنه يستمع للدروس والمحاضرات ويقرأ في الكتب ..
وأنه لا يمل من القراءة ولا تضيع عليه دقيقة في فراغ..
وقال : أن الناس تزوره دوما وأغلبهم لا يعرفهم..
وأحيانا تتوقف الزيارات فتمر عليه الأسابيع ولا يرى أحدا ..
ولم يتأفف من مرضه وحاله ولم يشك من صحته بل كان يحمد الله تعالى
ويشكره على أن أبقى له عقله ليتمكن من الاستفادة والدراسة وطلب العلم..
كان فوزي يتحدث وكنت أتأمل وجهه وكلامه وعباراته وأقول في نفسي..
كم نحن محرومون؟؟
لله دره ..
كم نحن ضعفاء أمام بهارج الحياة ومشاغلها ..
كان صاحبي يستمع لفوزي فأرى في عينيه الدموع محتبسة مما يسمع ..
خرجنا من عند فوزي ونحن واجمون ..
أصر على مرافقتنا للخارج ..
فخرج معنا حتى وصلنا للمصعد ..
وكان الجميع بلا استثناء يسلم على فوزي من ممرضات وأطباء وعمال
كلهم يعرفه ويضحك ويبش في وجهه ..
ماهي أخبارك يا فوزي اليوم..
أهلا يا فوزي..
وكأنه ليس بمريض..
قال لنا ونحن نغادره ..
لعلكم تزوروني مرة أخرى !!
قلت له : بكل سرور والله ..
فابتسم ابتسامة جميلة أسرت قلبي ولا أنساها ما حييت ..
بقيت أنا وصاحبي نتحدث في الطريق عن ذلك الشاب فقال لي:
لم أفرح بزيارة احد كما فرحت اليوم..
رجعت للبيت فحكيت للوالدة عما رأيت ..
وحكيت لكل من اعرف ما رأيت ..
لأساتذتي وأصحابي قلت لهم :
أذهبوا وزورا هذا الرجل ..
فوالله ليس من رأى كمن سمع..
لم أنقطع عن زيارة فوزي ..
كنت كلما شعرت بضعف في همتي وحاجتي للأنيس ذهبت لزيارته بأي وسيلة ممكنة..
بالسيارة بالتاكسي مع زميل كيفما يتيسر لي..
في إحدى زياراتي له وقد أصبحت كالتلميذ له..
قال لي : تصدق يا مالك لي أمنية ؟؟
قلت وما هي ؟
قال : أحب رجلا حبا عظيما ..
وليتني أستطيع رؤيته رؤيا العين ..
قلت : ومن هو..
قال : الشيخ ابن عثيمين ..!!
قلت له : يا فوزي هداك الله وكيف تريد أن نجر لك ابن عثيمين في المستشفى؟؟؟
دع أمنياتك معقولة يارجل!!
وجم ثم ضحك وقال : على كل هذه أمنيتي..
ثم اخذ يحدثني بشغف عن الشيخ وعن سعة علمه ودروسه وانه يستمع لأشرطته يوميا
وكأنه حاضر معه في الدرس وقال : هل رأيت الشيخ ؟؟
قلت نعم رأيته في دروس الحرم..
فقال لي : صفه لي يا مالك ..
وصفت له الشيخ كما رأيته ..
فقال : هنيئا لك هذه النعمة ..
مرت الأيام والليالي وحدث لمالك ما حدث وطارت به الدنيا جنوبا وشمالا
واستقر في القصيم وصار من سكان عنيزة وانقطعت عني أخبار فوزي
مدة من الزمن وشغل مالك بنفسه وحياته الجديدة ..
وفي تلك السنة أو التي تليها ..
يقدر الله تعالى أن يحصل للشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء حادث في مدينة الطائف حيث ارتطمت به سيارة وهو خارج من صلاة العصر..
فسقط الشيخ وكاد أن يهلك ..
وكانت في تلك اللحظات سيارة إسعاف مرت بغير ميعاد فحملت الشيخ وهم
لا يعرفونه إلى مستشفى الملك فيصل في الطائف..
فلما رأى الأطباء الشيخ وجدوا أن وسط جسمه وخاصة منطقة الحوض قد تكسرت وان حالته حرجة ..
تسامع أبناء الشيخ بالحادث وتسامع المسئولون بالأمر..
فنقل على الفور إلى مستشفى القوات المسلحة في الهدى ..
فأجريت له العمليات تلو العمليات وعانى من ذلك اشد المعاناة ..
ومكث شهورا هناك حتى عافاه الله وهو الآن بحمد الله في نشاط وعافية سمع شيخنا بالحادث ..
وكان ذلك قبل وصولنا للطائف..
وكان الشيخ ابن منيع زميل شيخنا في هيئة كبار العلماء وكانت علاقتهما
وثيقة ولعلي في حلقات قادمة احكي مواقف جرت بينهما يصلح المقام لذكرها..
وصلنا للطائف بعد أسابيع ..
وكان الحادث قد حصل في أول إجازة الصيف ..
لم اسمع بخبر الحادث سوى من الشيخ حينما قال لي:
غدا سنذهب لرؤية الشيخ ابن منيع في المستشفى..
قلت له : أي مستشفى ياشيخنا !!
فأخرج ورقة من جيبه فقال:هذا اسمه وعنوانه ورقم غرفة الشيخ ..
في اليوم التالي انطلقنا للمستشفى ..
وكان شيخنا مرهقا بعد يوم عناء واجتماعات ..
نام قليلا وأنا صامت ..
والصمت يفتح باب التفكير والهواجس !!
وأنا في صمتي ذاك تذكرت فوزي عسيري!!
لا أدري والله كيف خطر على بالي ..
بعد سنوات تذكرته ..
تذكرت الزيارة الأولى ..وعشرات الزيارات التي تمت بيني وبينه..
نظرت لوجه الشيخ فكان نائما فلم أرد إزعاجه..
تنحنحت وما أخف نومه فاستيقظ..
قال : هل وصلنا ؟؟
قلت : تقريبا ..
وما زلنا في منتصف الطريق ولكنني فرحت باستيقاظه !!
فتوسط في جلسته ومسح وجهه وتمطى قليلا ..
ثم أخذ يتحدث معي..
انتظرته حتى ينهي حديثه ثم بادرته بقصة فوزي..
لم يعر الموضوع كثيرا في البداية نظرا لأن هموم المسلمين كثيرة والشيخ
يسمع يوميا آلاف القصص الشبيهة فكان يدعو له بالعافية ..
غيرت أسلوبي وطرحت الموضوع بصيغة جديدة ..
فأنصت الشيخ وأخذ يتعجب من كلامي عن ذلك الشاب..
وعلو همته وجده رغم حاله الغريبة ..
فزاد اهتمام شيخنا به ..
حتى قال لي : لم لا نحضره عنيزة ليدرس عندنا !!
أسوة بسامي العقيل!!
وهو احد طلبة الشيخ المجدين وسيأتي ذكره لاحقا عن شاء الله..
قلت له يا شيخنا : الرجل وضعه مختلف تماما ..
قلت له : حتى أن الرجل له أمنية في الحياة كم مرة سمعتها يتمناها..
قال : وهي؟؟
قلت : أن يراك!!
فقال الشيخ: وأين هو ؟
قلت له : هو مقيم في المستشفى دائما ..
فسكت الشيخ ثم قال : ومتى أجد الوقت لزيارته أنت تعرف أشغالي..
قلت : هو الآن في نفس المستشفى الذي نقصده..
فقال: خلاص رتب لي بعد زيارة الشيخ عبد الله ..
طرت فرحا بهذا الخبر وانتشيت وقلت في نفسي ..
يا فوزي لعل مناك سيتحقق وأنت غافل لا تدري..
وصلنا للمستشفى وتوجهنا لغرفة الشيخ عبد الله ..
فوجدناه على حال جيدة وهو ممدد على سريره
وعنده جمع من الزوار ومنهم التاجر المعروف عبد العزيز الجميح ..
قبل شيخنا رأس الشيخ ابن منيع فأمسك الشيخ ابن منيع رأس شيخنا فقبله ..
وتركتهما في حالهما وانطلقت ابحث عن فوزي.. لا الوي على شيء
سألت عنه فقيل لي موجود!!
ففرحت فقلبت المستشفى رأسا على عقب..
ووجهت له نداء بالسماعات حتى بلغوه ..
فوجدته وبالكاد عرفني فقد تغيرت ملامحي وسمنت قليلا ..
فقال لي اينك..؟؟
فقلت له : دعك من خبري الان ..
ألزم غرفتك سآتي لك بشيء بعد قليل..
وخرجت من عنده وتوجهت لغرفة الشيخ ابن منيع ..
فوجدت شيخنا واقفا يريد المغادرة ..
والناس تصافحه ..
نظر شيخنا في وجهي واخرج ساعته من جيبه ونظر فيها كأنه ينتظر موعدا..
فتجاهلت ذلك وقلت له : الرجل في انتظاركم..
قال : هل وجدته ؟؟
قلت : نعم..
ما شاء الله عليك جزاك الله خير..
دخلت على فوزي
فوجدته على سريره
فدخل الشيخ وسلم عليه ..
فلما وقعت عين فوزي على الشيخ كادت عينه تخرج من رأسه ..
لا تسألوني إخوتي عن مشاعره ..
لا أستطيع وصفها والله ..
قلت له:
هذه أمنيتك يا فوزي تحققت ..
ابن عثيمين بلحمه ودمه بين يديك!!
اقترب شيخنا منه وجلس على سريره ..
ودنا من رأسه ومسح عليه ودعا له ..
وقال له وهو مبتسم : كيف حالك يافوزي؟؟
لقد حدثني عنك مالك ..
بقي فوزي صامتا لا يدري ما يقول..
ينظر للشيخ وينظر في وجهي..
كأنه يقول : هل هذا هو!!
والشيخ صامت ويبتسم من مشاعر فوزي المتضاربة..
هززت رأسي لفوزي حتى يتكلم ..
فقال : هذه اسعد لحظة في حياتي والله أن تزورني ياشيخنا في هذه المكان ..
كنت أراك في التلفزيون والجرائد وأتمنى أن ألقاك..
وكنت أدع الله أن يحقق لي ذلك ..
ولكنني توقعت أن يحصل لي ذلك بأن أزورك أنا ولقد رجوت الناس أن أزور درسك في الحرم أو في دروسك في المحاضرات فلم يتحصل لي ذلك..
قال له شيخنا : ها انذا أمامك وجزى الله الابن مالك على أن دعاني لزيارتك..
دار بينهما حديث وبقيت استمتع بهذه اللحظات دون أن أتكلم بحرف واحد..
وأقول في نفسي : دع فوزي يستمتع فربما لن يتمكن من تكرار ذلك أبدا..
مكث الشيخ عنده لعشر دقائق ثم طلب منه الأذن فخرجنا ..
وودعت فوزي
ومنذ ذلك التاريخ انقطعت أخباره عني للأسف
فاللهم إن كان حيا فوفقه وارض عنه واجمعنا به على خير..
وإن كان ميتا فاغفر له وادخله فردوسك الأعلى واجمعه بشيخنا في جنات النعيم..
يتبع إ ن شاء الله ..










توقيع : بنت الديره

ask.fm/Nasooora20
اسالني وكذا يعنينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تابعني على تويتر
nsooora20@

عرض البوم صور بنت الديره   رد مع اقتباس
قديم 14-03-11, 11:49 AM   المشاركة رقم: 66
المعلومات
الكاتب:
بنت الديره
اللقب:
عضوة مميزة
الرتبة


البيانات
التسجيل: Dec 2010
العضوية: 347
العمر: 33
المشاركات: 1,485 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.29 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 16
نقاط التقييم: 35
بنت الديره على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
بنت الديره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : بنت الديره المنتدى : بيت القصـص والعبـــــــر
افتراضي


الحلقة السادسة والستون

انتهى برنامج شيخنا في الطائف ..
وعدنا لعنيزة ..
وكما العادة لم يتغير من برنامجي المعتاد شيء
فقد كنت طوال فترة بقائي هناك أستزيد بفضل المولى سبحانه من علم شيخنا كما هو حال الزملاء جميعا..
غير أن الله خصني بفضل الله بشيخنا فكان يزيدني عناية ويرفع همتي
ويتابعني في تفاصيل الأمور ومجملها، فلله الحمد سبحانه على فضله ومنته..
التحق بحلقة شيخنا أحد أقاربي وهو ابن عمتي أحمد ..
وسكن عندي في غرفتي مدة .
ثم انتقل لرفيق له في ذات السكن..
وأقبل على العلم وفقه الله وحصل خيرا كثيرا
وتعرفت في تلك المدة عن طريق أحمد بعدد لا بأس له من الطلبة ..
وكلهم من خيرة الطلبة جدا واجتهادا ..
وكانت أعمارنا متقاربة ..
ويجمع بيننا حب العلم والحرص عليه ..
ومنهم الأخ سعود الحربي ..وهو من أهل جده ..
توثقت علاقتنا نحن الثلاثة حتى جاءت لنا فكرة السكنى سويا خارج سكن الطلاب!!!
لم يكن شيخنا رغم مشاغله العظيمة لتخفى عليه هواجسي ..
فهو يدركها من فلتات لساني وارتباكي..
ولم يكن ابغض شيء لديه عندي من ذلك!!
فكان يقول لي دوما : الثبات الثبات يابني !!
عليك بالاستقرار على رأي واحد إن بورك لك فيه فالزمه ولا تحيد عنه..
قال لي مرة أحد كبار طلبته : والله ما خالفت شيخنا في أمر رآه إلا ندمت
عليه ولا سمعت توصيته ولزمتها إلا ووجدت التوفيق حليفي..
هذا ماقاله الأخ عن نفسه وواقع حاله ..
كان شيخنا يراني غضا قليل الخبرة ضعيف وما زلت في أول الطريق ..
وهذا هو الواقع لا شك!!
ولذلك كان القرار في مثل هذه الأمور راجعا إليه هو الذي يحكم فيه بما يتناسب مع وضعي..
حينما فاتحته في الموضوع ولمحت له فيه ..
رفض واستهجن وغضب..
وقال : ألحين توك واصل تدرس وقلنا فلان ماشي ومجتهد وتريد تطلع !!
خلك في العلم ولا يشغلك عنه شيء..
غيرت الموضوع وتناسيت القصة ..
ومرت شهور بعد ذلك ..
وأنا بحمد لله في خير حال ونسينا موضوع الخروج من السكن..
إلى أن جاء موقف لا أنساه وفتح الموضوع من جديد..
ولكن قبل ذلك سأحكي قصة ..
في إحدى الاجتماعات الشهرية مع الشيخ ..
اقترح أحد الطلاب أن نعد رحلة شهرية لطلاب السكن ..
لمدة يوم واحد للاستجمام ..
وأيده جميع الطلبة وفرحوا بهذا الاقتراح ..
وافق شيخنا على ذلك..
بل قال : سأكون رفيقكم في رحلتكم..!!
وافق ذلك هوى في النفوس وشعرنا بنشوة عجيبة أن يرافقنا هذا الحبر رغم أشغاله العظيمة..
فجزاه الله عنا خير الجزاء..
في اليوم الموعود وكان يوم خميس..
رتب المشرفون ذلك البرنامج وحدد الموقع ..
وكان ذلك لاستراحة التاجر المعروف الهويش..
والواقعة على طريق المذنب على ما أعتقد !!
شمال عنيزة..
بخصوص تنقلات الشيخ في عنيزة ففي الغالب ليس لي بها علاقة..
ولكنني طلبت منه ذلك وقلت له : أنا تحت تصرفك شيخنا ..
غير أن الوضع في عنيزة يختلف ..
فأبناؤه موجودون وهم تحت تصرف والدهم فحاجته لي غير واردة ..
قال لي شيخنا قبل موعد الرحلة بأيام
: نسق مع شخص حتى يوصلنا للاستراحة..
نسقت مع صديقنا القديم الأخ محمد زين العابدين..
انطلق الطلبة باكرا في الصباح ..
أما شيخنا فلم يتحصل له سوى أن يحضر بعد صلاة الظهر..
مكثت أنا في غرفتي حتى أرافق شيخنا..
استغرب الطلبة من عدم حضوري ..
وقال لي بعضهم معاتبا : تواضع يارجل !!
ابتسمت في وجه معاتبي ولم اجبه..
بعد الصلاة توجهنا مع شيخنا والأخ محمد للاستراحة المذكورة..
قال الشيخ : ايش البرنامج ..؟؟
قال له محمد : هناك غداء ثم أنت تقرر ماذا يكون بعد ذلك ..
وصلنا بعد حوالي عشرين دقيقة ..
دخلنا من البوابة الرئيسية ..
وصعدنا بالسيارة على طريق مرصوف للإيوان الكبير ..
فلما علونا ظهرت لنا الاستراحة كاملة ..
كان ترتيبها ومنظرها ساحرا ..
أشجارها منسقه قد رصت على الطرق وانتشر ظلالها
وتحيط بها الألوف من شجر النخيل ..
وزاد المنظر جمالا تلك البساتين المحيطة الغاصة بكل ما يبهر ..
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
توقفنا أمام الإيوان وكان طلبة الشيخ في انتظاره..
نزل فاجتمعوا حوله وسلموا عليه ولا تسل عن فرحهم وابتهاجهم بوجود الشيخ معهم..
دخلنا للإيوان الفسيح ..
فشممنا رائحة الطعام ..
وجلس الشيخ وتحلق حوله طلبته ..
ثم بدأ في الحديث معهم وقال : كيف كان يومكم ؟؟
فكان الحديث حديثا غير متكلف كما يتحدث الولد مع أبيه ..
وهذا ما كان يريده شيخنا رحمه الله ..
قدمت القهوة والعصيرات الباردة .. تسابق الطلبة في خدمة شيخهم والتحدث معه ..
فكل يدلي بدلوه وكان الحديث عاما بكل تكلف ولا شطط وبأدب مع الشيخ..
من فوائد تلك الرحلات هو اكتشاف المواهب كما يقولون !!
اكتشفنا أن بيننا طالبا مغمورا ولكنه موهوب !!
موهوب في مجال الطرافة ..
رغم جده واجتهاده في العلم..
في البداية استحى من شيخنا ولكن إصرار الطلبة عليه وكأنهم خبروه ذلك
النهار كله أجبره على الحديث ..
الأخ عبد الله باطرفي !!
وهو من سكان جده واصله من بلاد اليمن..
كان جاري في الغرفة المجاورة في السكن ..
ولكن الجو العلمي وانشغالنا بالطلب يقلل لقاءاتنا سوى في المطعم أو في الدرس ..
فنادرا ما نتواصل!!
استلم عبد الله الشيخ !!
فكان يسمع تعليقاته من خلف الصفوف ولا يراه فيضحك الطلبة ويضحك شيخنا له ولا يراه!!
وكان نظر شيخنا ضعيفا ..
ولكنه يعرف هذا الصوت !!
فنادى على هذا الطالب وقال : من هذا خلوه يتقدم عندي..
أذكر جيدا وكأنني أرى ذلك المنظر أمامي الساعة..
حينما وقف عبد الله من خلف الصفوف وتقدم خجلا حتى جلس بين يدي شيخنا ..
فلما رآه الشيخ عرفه وقال له:
إيه ياعبدالله ايش عندك ؟؟
أتحفنا عبد الله وأسرنا بسواليفه مع الشيخ حتى قدم طعام الغداء..
قدم الطعام والذي طبخه الطلبة مع العمال ..
فكان جوا عائليا بين الطلبة وشيخهم..
نزع الشيخ بشته ورمى عمامته فوق رأسه ..
وقام من بين الصفوف وتوجه للمغاسل ..
ثم جلس بين الجميع وأكل معهم ..
وكان عبد الله باطرفي يسأله في مسائل علمية فيقول له الشيخ :
ياعبد الله أنت الآن تسألني وأنا أجيب أسألتك فتلتهم الطعام وأنا أجيبك !!
فضحكنا على عبد الله لأن الشيخ ألجمه قليلا !!
ولكن شيخنا كان يتحدث بكل بساطة فيضاحك هذا ويرد على كلام هذا
ذكر أحدهم السباحة وقالوا المسبح ..
فقال شيخنا : هل سبحتم ؟؟
قالوا : يوجد مسبح في الخارج ..
قال الشيخ : كنا في أيام الطلب نخرج مع شيخنا ابن سعدي رحمه الله فنسبح في البرك والوديان ..
فقال عبد الله : هذا في أيام الطلب!!
فقال الشيخ : كأنك تقول أنني كبرت ولم اقدر على ذلك الآن!!
فقال : ما أظنك تقدر يا شيخنا !!
فلمعت في وجه الشيخ ابتسامة وقال : سنرى!!
تغدينا ثم قدم الشاي ..
وجلسنا حول الشيخ لننظر ما هو فاعل ..
جاء عبد الله وكان الشيخ ينتظره ..
وقال : هاه ياعبد الله فيك حيل..
وكان عبد الله رجلا سمينا ..ويسير بتثاقل..
قال : على أي شيء ؟؟
قال : السباحة !!
قال : بالتحدي ياشيخ ..
فقام الشيخ من فوره ..وتوجه لخارج الإيوان ..
خرجنا معهم فلحقت بالشيخ ..وهمست في أذنه ..
وقلت له : هل ستسبح بثوبك ..
فقال لي : هل عندك ملابس سباحة ..؟؟؟
قلت : نعم سأحضرها من السيارة ..
دخل الشيخ لغرفة التغيير وخلع ثيابه ولبس ذلك اللباس ولم يخلع فلينته ..
خرج الشيخ بغير ما دخل .. دخل بثوبه وغترته ..
وخرج حاسر الرأس لحيته بيضاء ناصعة ووجهه أبيض تلمع فيه وجهه ابتسامة أضاءت المكان..
لما رأى الطلبة الشيخ وخصوصا عبد الله ..
اجتمعوا حول المسبح ..
فقال شيخنا : طب ياعبد الله ..
فقال : أنت أولا !!
حتى إذا غرقت أنقذناك !!
فضحكنا ..
فقفز شيخنا في الماء وسبح وكان عمره حينها حوالي الأربعة وستون سنة..
ثم لحقه عبد الله ..
ونزلت أنا وغيرنا ..
سبح الشيخ مع تلاميذه ودار في المسبح ..
وتوسط الماء ووقف فيه بحيث يثبت في وسط الماء ولا يتحرك
وقال : هكذا كنا نفعل مع شيخنا ..
حاولت أنا ولكنني لم اقدر ..
أما عبد الله المطرفي فاكتشفنا انه لا يسبح !!
استمتعنا في تلك الرحلة مع شيخنا وتواضعه وسماحته رحمه الله ..
لقد كانت تلك الرحلة مؤثرة في نفوس الطلبة مع شيخهم ..
فقد عمقت الصلة وقوت الرابطة وزادت المحبة ..
فجزاه الله عنا خير الجزاء..
استأذن الشيخ وخرجت معه برفقة محمد وكان العصر قريبا ..
فقال الشيخ في طريقنا : أريد أن أقيل ولو عشر دقائق قبل العصر ..
فعرضت عليه أن يأتي غرفتي المتواضعة في السكن!!
فقال : لا بأس..
توجهنا للسكن وكان شبه فارغ..
وصعدنا لغرفتي ..
والحمد لله أنها كانت مرتبة ونظيفة!!
وضعت له الفراش فنام حتى أذن العصر ..
حينما سمع النداء استيقظ ..
وتوضئ في مواضئ السكن ..
ثم دخل الغرفة وتسنن أربع ركعات ..
ثم جلس ينتظر موعد الإقامة ..
قلب نظره في غرفتي فرآها ضيقة جدا !!
وقال : ما شاء الله عليك هذا وأنت الحالك!!
حيث تكومت الكتب في الرفوف وغصت فوضعتها في أطراف الغرفة
بطريقة مبعثرة ولا يمكن الاستفادة منها إلا بصعوبة ..
هذا غير كتب الأخ محبوب..
فقال شيخنا : تبي نغير لك غرفة أوسع ؟؟
قلت له : الغرف كلها متقاربة ..
قال : صحيح حنا يوم بنينا السكن ما كنا نتوقع هذا الإقبال من الطلبة ..
ولكن سنجد حل لك إن شاء الله ..
يتبع إن شاء الله ..










توقيع : بنت الديره

ask.fm/Nasooora20
اسالني وكذا يعنينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تابعني على تويتر
nsooora20@

عرض البوم صور بنت الديره   رد مع اقتباس
قديم 14-03-11, 11:50 AM   المشاركة رقم: 67
المعلومات
الكاتب:
بنت الديره
اللقب:
عضوة مميزة
الرتبة


البيانات
التسجيل: Dec 2010
العضوية: 347
العمر: 33
المشاركات: 1,485 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.29 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 16
نقاط التقييم: 35
بنت الديره على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
بنت الديره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : بنت الديره المنتدى : بيت القصـص والعبـــــــر
افتراضي


الحلقة السابعة والستون

لم يستنكف شيخنا رغم مشاغله أن ينظر في أمري سريعا..
ولكنه رجل متزن وهادي ويأخذ الأمور بتؤدة حتى ولو رآها الآخرون هينة..
وهكذا العلماء في أمورهم وشئونهم كلها ..
رأى الشيخ أنه ليس من الإنصاف مع طلبته أن اسكن وحيدا يخصني من دونهم وهذا غير وارد على الإطلاق في قاموس الشيخ رحمه الله..
والخيار الآخر هو الخروج من السكن وهذه كان الشيخ يستريب منها ..
وذلك أن الشيخ لاحظ أن كثيرا من طلبته حينما يخرجون من السكن يقل مستواهم في الحرص على التحصيل و بعضهم يتغيب عن بعض الدروس وبعضهم يلتحق بحلقات أخرى لعلماء آخرين فيكون في ذلك تشتيتا لمصادر التلقي..
هذا لا شك لا ينطبق على الجميع ..
فهناك مجموعة كبيرة من خارج السكن هم أحلاس الحلقة ونجومها فلا يعم ذلك الجميع ولكنني أتكلم على الطلبة المستجدين أو الذين لم يمر على وجودهم فترة طويلة كحالي ..
كل هذه الأسباب قد جعلت شيخنا يتردد بالسماح لي بالخروج من السكن ..
كان شيخنا يعرف ابن العمة أحمد ويرى منه الجد والاجتهاد..
وكذلك الأخ سعود الحربي ذو الأخلاق العالية والسماحة..
فكنت أذكره أنهما سيكونان رفيقاي خارج السكن ..
وأنني برفقتهما وحرصهما على العلم سنكون خير فريق وسنتعاون فيما بيننا على التحصيل..
اتصل علي الشيخ يوما وقال : اذهب وقابل فلان في شارع السلسلة بجوار منزلي القديم..
وصلت فوجدت الرجل المذكور فسلم علي ..
وبادر ..
وأدخلني عمارة متهالكة وقديمة تصدر من جنباتها روائح العزاب !!
صعدت معه للطابق الثاني في درج مكسر ووقف أمام باب شقة متهالك
ثم فتحة بعد معاناة وما إن رأيت المكان حتى أصابتني قشعريرة من اتساخه والروائح الهائلة والغبار ...
كل ذلك وأنا لا ادري عن الحاصل !!
قلت للأخ : طيب !!
قال : أظن هذي بتكون شقتك !!
تلبد وجهي وقلت له : ومن يقوله ؟؟
قال : الشيخ هو اللي كلفني بالبحث لك عن سكن!!
بقيت انظر في وجهه وأنا صامت ..
وبقي ينظر إلي محتارا لا يدري ما يقول!!
تذكرت غرفتي في السكن في نفسي فحمدت الله على العافية ..
شكرت الرجل وقلت له جزاك الله خير وما قصرت ..
ناولني المفتاح!!
وقال : هذا مفتاحك استودعك الله !!
وغادر!!
تجولت في شقتي الجديدة !!
غرفة صغيرة عن يمين الداخل ثم حمام أجلكم الله .. تنبعث منه روائح .. ظن شرا ولا تسأل عن الخبر!!
ثم بجوارها غرفة أخرى واسعة قليلا قد نبتت في جنباتها خيوط العناكب فحولتها إلى غرفة أشباح ..
في زاويتها نافذة متهالكة حاولت فتحها فغمرني منها غبار لم أرى قط مثله في حياتي ..
انتثر على ثيابي وشماغي ورأيت أثر ذلك حينما خرجت في وجوه الناس وهي تضحك من منظري!!
هذا كل شيء ..
ولا يوجد مطبخ !!
جدرانها صفراء ..
أما الجيران فهم مجموعة من العمالة العربية والآسيوية ..
تفوح في جنبات العمارة روائح البهارات والطبخ منذ أن تمر بجوارها..
قابلت شيخنا ظهرا ..
وبادرني قائلا : هه!!
كيف رأيت السكن الجديد!!
قلت له : والله يا شيخ ودي تشوفه أنت أيش رأيك ؟
وصلنا بجوار العمارة وكانت على طريق منزل الشيخ ..
ثم استأذن من الناس ودخل معي ..
كان الشيخ وهو يصعد الدرج يقول : ما شاء الله .. ما شاء الله!!
فكنت أقول في نفسي : اصبر وسترى العجب!!
فتحت الباب ..وكنت أراقب تقاسيم وجه الشيخ !!
فرأيته معجبا مما يرى !!
تجول فيها ونظر هنا وهناك .. وتجول في غرفها ..
قال : أبد استعن بالله وانزل فيها !!
قلت له : هل أعجبتك يا شيخنا ؟؟
قال : ممتازة !!
شكرت شيخنا وقلت له : جزاك الله عني خير الجزاء ..
ونزلنا وشيعته حتى بيته ..
عدت للسكن وأنا حائر ..
أفكر كيف سأنتقل لهذه المرحلة الجديدة ..
دخلت غرفة سكني ..
تذكرت مراحل وصولي لعنيزة ..
آه كيف سيكون حالي في السكن الجديد..؟؟
لا شك أن الإنسان يرغب أن يكون الجو المحيط به مثاليا ..
أنا اعتدت على حياة كما هم أبناء بلدي ..
صحيح أنني عانيت حتى وصلت على ما وصلت إليه ..
ولكن العيش في مثل ذلك المكان شيء صعب للغاية لم أجربه من قبل..
هل تريدون أكمل مالذي حصل ؟؟
كانت نفقتي ليست بالكبيرة ..
وقلت للشيخ رحمه الله ..
المكان يحتاج لتنظيف وشراء أثاث ووو..
فقال لي : صاحب العمارة سوف يفعل لها صيانة!!
كان خبرا سعيدا ..
وقلت متى سينتهي !!
قال :خلال أيام ..
مررت على السكن بعد أيام لكي أرى الصيانة الجديدة ..
فلما وصلت باب الشقة شممت رائحة الطلاء من الخارج..
فاستأنست وأملت شيئا كبيرا ..
فتحت الباب فوجدتها قد طليت ولكن أي طلاء!!
ترقيع !!
هنا وهناك وغالبها بالمعجون وليس بالطلاء..
هذا كل ما فعل!!
اتصلت على صاحب العمارة وقلت له : هل انتهيتم؟؟
قال : خلاص انتهينا ويمكنك النزول الآن!!
استحييت أن ابلغ الشيخ بالحاصل ..
واعتبرت الموضوع انتهى..
سأفتقد جو العمارة والمكتبة والبحوث والطلبة الأفاضل لأنزل في مكان مختلف الله اعلم كيف سيكون الحال فيه ..
أرجو أن لا أكون أثقلت على إخوتي بمثل هذه التفاصيل ولكنني أريد أن اشعر إخوتي القراء بالجو الذي يعيشه طلبة العلم ..
أنا اعلم أن هناك من طلبة الشيخ ممن اعرفهم أو لا أعرفهم ..
وقد يكون بعضهم يقرأ كلامي هذا ..
قد وجدوا من العنت والظنك والمعاناة شيئا تعجز عن تصديقه ..
أعرف من ينام طاويا كل ليلة ..
اعرف من نام أسابيع في الجامع ولا يجد مأوى يأوي إليه ..
رأيت احدهم لا يجد مقصا يقص به أظافره ..
منعهم الحياء والعفاف عن سؤال الناس ..
يحضرون الدرس ويخرجون لا يعلم عنهم احد إلا الله سبحانه ..
ولكنهم يحملون في نفوسهم همة ورغبة في العلم تفوق الجبال ..
أولئك حصلوا خيرا عظيما وأعرف عددا منهم الآن في بلدانهم هم شامة قد أحيا الله على يديهم قلوب الآلاف ..
اتصلت على سعود واحمد ودعوتهما لرؤية السكن الجديد..
اتفقنا جميعا على أن المكان يحتاج لإعداد وتجهيز !!
جمعنا ما لدينا من مال يسير ..
وأخذنا في تنظيفها وترقيعها كيفما تيسر .. اخترت أنا الغرفة الأولى على الباب مباشرة ..
وسيكون الأخ سعود واحمد سويا في الغرفة الكبيرة ..
وهذا ما تم بيننا ..
نقلت مكتبتي..
ونقل سعود واحمد ما لديهم من كتب وكانت قليلة فيما اذكر..
اظننا وضعناها في مكان واحد لا أذكر والله..
كانت مشكلة الطعام ..!!
ولا أظن واحدا منا يطبخ !!
وأين سنطبخ؟؟
قال شيخنا : تأكلون في السكن مع الطلاب!!
وهذا ما حصل ..
كان التأقلم مع الحياة الجديدة صعبا للغاية ..
تعودنا على أذان الجامع ..
وعلى الجو العلمي المحيط بنا
كانت النقلة هائلة على النفس والله ..
وأظن الأخوان شعرا بما شعرت به..
أما أنا فقد صرت يوميا انزل لباب العمارة ..
وانتظر قدوم الشيخ فأرافقه للمسجد ..
وهذه ميزة جديدة حصلت عليها ..!!
ولم أكن اشغله عن حزبه حيث يقرأ القرءان في الطريق..
ولكنني كنت أرافقه على كل حال ..
يتبع إن شاء الله ..










توقيع : بنت الديره

ask.fm/Nasooora20
اسالني وكذا يعنينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تابعني على تويتر
nsooora20@

عرض البوم صور بنت الديره   رد مع اقتباس
قديم 14-03-11, 11:50 AM   المشاركة رقم: 68
المعلومات
الكاتب:
بنت الديره
اللقب:
عضوة مميزة
الرتبة


البيانات
التسجيل: Dec 2010
العضوية: 347
العمر: 33
المشاركات: 1,485 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.29 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 16
نقاط التقييم: 35
بنت الديره على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
بنت الديره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : بنت الديره المنتدى : بيت القصـص والعبـــــــر
افتراضي


الحلقة الثامنة والستون

كان لي في تلك البناية ذكريات لا تنسى ..
خاصة برفقة الأخوين الكريمين أحمد وسعود..
مرت علينا فيها ساعات ألذ من الشهد..
ومرت علينا فيها مواقف عصيبة كما هي الحياة.. دوما لكن ذكرياتها العطرة أكثر وعبيرها في النفس أبقى
إن التأقلم مع الحياة الجديدة وفي جو جديد يحتاج لصبر ومثابرة..
حاولنا جميعا أن نتناسى ما مضى ونبدأ حياتنا الجديدة وبهمة ونشاط
أذكر أن أول شيء عانينا منه هو الاستيقاظ لصلاة الفجر!!
هذا هو الواقع!!
حينما كان يؤذن الريس وهو لقب مؤذن الجامع الكبير..
كانت سماعات المسجد ترن في آذاننا فيقوم الطلاب جميعا..
حيث أوصلت لمنائر السكن سماعات أمر شيخنا بوضعها ..
فلا يبقى لأحد حجة على فوات الصبح..
بل كان الشيخ رحمه الله إن رأى وهو في طريقة للمسجد .. نافذة مضاءة وظن أن أحدا غرفته ولم ينزل للصلاة
يصعد إليه فيضرب عليه الباب ليوقظه للصلاة ..
وكم مرة فوجئت بقرع الباب فأجد الشيخ أمامي!!
فلا تهاون عند الشيخ في ذلك..
أما هنا فالوضع مختلف!!
يؤذن مؤذننا بارك الله فيه بصوت لا تكاد تسمعه..
وكان رجلا مسنا ..
ونحن غالبا نسهر للمذاكرة كعادة الطلبة..
ومن المعيب أمام الله ثم عباده أن يظهر طلبة العلم أمام الناس
بأنهم أكسل الناس عن صلاة الفجر ..
اسمحوا لي أن اروي لكم إحدى معاناتي مع المنبهات..
اشتريت لسكني الجديد منبها فكسرته مرارا وأنا نائم لا أشعر!!
كانت تصيبني كآبة حينما استيقظ بعد خروج الناس من المسجد..
وتزيد كآبتي حينما أرى شيخنا في الظهر فيقول لم أرك فجر اليوم!!
فأرخي رأسي حياء وأخبره أنني نمت عن الصلاة!!
فيعرض الشيخ عني معاتبا لتكرر ذلك مني!!
كان الأخ سعود في أول الأمر أخفنا نوما ولكنه رجل حيي يطرق الباب بأدب ثم ينصرف.
فلا يغني ذلك عني شيئا..
وليته خلع الباب وأيقظني فلا ألومه..
حينما تكررت الحال ..
ذهبت لمحل الساعات فقلت للعامل..
أعطني منبها قويا يصدر صوتا مزعجا !!
كان رجلا لبيبا فيما يظهر..
قال : أكيد عندك مشكلة في النوم !!
عندي لك ساعة ممتازة تصدر صوت مزعج وإغلاق المنبه يحتاج لشخص مستيقظ!!
يعني ماذا ؟؟
قال : جرب وسترى!!
نقدته 120 ريالا!!
وأخذت ذلك المنبه السحري..
حينما رن فجرا قبل الأذان أصدر صوتا مهولا يذكرك بجرس المدارس ..
قفزت من فراشي وبحثت عن مكان الإغلاق في المنبه فلم أجده !!
بقي المنبه يصم أذني وظننت أن الجدار سيسقط من صوته حتى هممت أن أرطمها به لتلحق صاحباتها!!
ولكنني استيقظت وهذا هو القصد!!
ذهبت للعامل ضحى وقلت له : كيف أغلق هذه الساعة يا رجل؟؟
ضحك وقال: هنا وأشار لموضع الإغلاق حيث صنعت الشركة موضعا تحتاج لمعاناة ومشقة بضغط عدة أزرار وعلى كل فقد انتشرت ويعرفها من يعاني مثل معاناتي حينها!!
يقولون إذا كثر المساس قل الإحساس ..
بعد مدة اعتدت على صوت جرس تلك الساعة بحيث أنني لم أعد استيقظ على صوتها المروع !!
فمن أين لي بساعة أخرى!!
جلست مع سعود وأحمد وقلت لهما أنا عجزت في أمري رجاء ابحثوا لي عن حل ..؟؟
فاشتكيا أنهما صارا يعانيان مثل معاناتي وبأنهما بسبب السهر والبرد تفوت عليهما الصلاة مرارا ..
قررنا في تلك الليلة أن نربط الساعة بحبل فوق مروحة الغرفة!!
ونجرب ذلك فمن يستيقظ أولا يوقظ الآخرين !!
في اليوم التالي سمعت جلبة في الغرفة المجاورة
فدخلت على جيراني
فرأيت سعود وأحمد يقفزان كالمجانين كل يريد الوصول لتلك الساعة
الرهيبة ليغلق صوتها الذي يصم الآذآن!!
لا أنسى أبدا منظرهما المضحك وهما يصرخان ويولولان ..
حتى انزلاها ..
وقالا لي :خذ ساعتك هذه لا نريد أن نراها مرة أخرى ..!!
سامحوني إخوتي فقصة الساعة والاستيقاظ تلك وجدتها ملقاة بالذاكرة أحببت
ذكرها ليقرأها أبنائي ومن قد يهتم ..!!
أذكر مرة أنني في الطائف قبل أن انتقل للقصيم أنني طلبت من إحدى
أخواتي أن تربط يدي بالطاولة حتى لا أغلق المنبه الذي بجواري ..
ظنتني جننت ولكنها أذعنت لطلبي..
فنجحت تلك الفكرة لأيام قبل أن اكسر الطاولة!!
وهذه حيلتي تلك الأيام والله المستعان على زمن الطاعة والتعبد!!
وضعنا لنا سعود وأحمد وأنا
برنامجا صارما في الدراسة ..
كل بحسب رغبته وتوجهه وطريقته في التعلم ..
أخونا احمد كان يجلس وقتا طويلا بمسجد الجعيفيري المجاور..
يراجع محفوظاته وهو محب للعزلة من طبعه..
وحصل محفوظات جيده ..
وسعود انشغل بدراسته وكتبه وجامعته حيث كان طالبا بجامعة الإمام..
وأنا أكملت برامجي التي اعتدت عليها وبحوثي
كان اللقاء بيننا تقريبا على الطعام وجلسات بسيطة غير منظمة..
لكن نبتت بيننا لحمة ومودة كبيرة نمت مع الأيام..
ولا تخلوا أبدا من الخلاف والنزاع والهجر أحيانا !!
وقد كنا جميعا في مقتبل العمر والحياة تجارب ولكن يعلم الله أنني أكن
للأخوين سعود واحمد من المحبة والمودة مالا يمحوه الدهر ..
وأحن لتلك الساعات والأيام كما تحن الأم على ولدها ..
فسقى الله تلك الليالي والأيام..
ومصدر الخلاف إن وجد فهو تافه ولا يذكر بوزن الآن..
كانت تدور بيننا نقاشات علمية ومحاورات قد تتطور حتى تصل حد الخصومة..!!
وهكذا هو جو طلبة العلم المستجدين حوار ونقاشات ..
فيعود أحدنا لمراجعه وينقب عما يؤيد رأيه وفي اليوم التالي يلقي كل بما عنده فلا نصل لنتيجة ..
فيبقى الواحد مخاصما لصاحبه لماذا لم يتبع رأيي!!
كنا أغرارا وقليلو الخبرة وهكذا الحياة لا تتعلم منها سوى بعد فوات الأوان!!
أذكر مرة أنه زار الأخ سعود أحد طلبة العلم في شقتنا ولم أكن اعرف الرجل من قبل وفي تلك الأيام انتشر في الأسواق كتاب للشيخ الألباني أثار ضجة هائلة بين طلبة العلم ..
حول حكم تارك الصلاة..
و كنت قد دونت بحثا أتعصب فيه لرأي شيخنا المشهور في المسألة وهو الحق الذي لا شك فيه عندي
وتتبعت فيه أدلة الشيخ الألباني رحمه الله..
ودونت تعليقات عليها وملاحظات ..
فكنت مستوعبا للمسألة ومدركا لكثيرا من تفصيلاتها ..
وكأني لمحت من الطالب ذلك انه يميل لرأي الألباني..
وكان سعود محتفيا به فهو ضيفه ويعرف حدتي فلا يريد أن يفتح بابا للنقاش والذي يعرف حق المعرفة خاتمته..
ولكنني اندفعت عليه وأخذت أسرد عليه من النصوص والشواهد والحجج ما جعله بتلجلج ويخرج من المجلس مغضبا ..
فأخذ سعود في نفسه علي وقال لي: يا أخي ليس هذا وقته!!
ومع ذلك فلم تكن تلك المواقف البسيطة والتافهة لتؤثر في حياتنا فلدينا
من الذكريات والجلسات المفيدة والمواقف الحميدة ما لا يكاد يحصر
لم يكن الأخ سعود وأحمد معتادان على الخلطة بالشيخ ..
ولقد كنت خير سبيل لهما في ذلك ..
كان شيخنا رحمه الله يدخل شقتنا في الشهر مرارا..
وكان يدعونا دوما لبيته إن جاءه ضيف ..
وكم عادنا إن مرض أحدنا وبعث لنا من طعامه وهداياه وصلاته التي لم تنقطع فقد عدنا جيرانه من وجهين ..
جيرانه في بيته القديم والذي عاش فيه اغلب عمره ..
وجيرانه في بيته الحديث والواقع في نهاية الشارع ..
في إحدى زيارت الشيخ للشقة قلت له :ارغب يا شيخ في شراء وسائد
لكي نتكيء عليها من برد الجدران وإن جاءنا ضيف تجملنا معه!!
فقال : ليس هذا بضرورة !!
ويكفيك أن تضع قماشا أو شيئا خلف ظهرك وبذلك تتكيء عليه!!
رحمه الله ما أبسطه وأزهده بزخارف الحياة..
ولكنه في النهاية سمح لي بشرائها !!
ولم تمر شهور بعد ذلك حتى بدلنا المكان فصار يأتينا الزوار ويقولون لنا..
كأنكم لستم بعزاب !!
يتبع إن شاء الله










توقيع : بنت الديره

ask.fm/Nasooora20
اسالني وكذا يعنينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تابعني على تويتر
nsooora20@

عرض البوم صور بنت الديره   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(مشاهدة الكل عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 :
لا يوجد أعضاء

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Bookmark and Share


الساعة الآن 06:55 PM

أقسام المنتدى

قســم إسلامنا تاريخٌ ومنهاج | بيت الكتاب والسنة | قســم موسوعة الصوتيات والمرئيات والبرامج | بيت الشكـاوي والإقتراحــات | بيت الآل والأصحاب من منظور أهل السنة والجماعة | قســم الموسوعـة الحواريـة | بيت الحــوار العقـائــدي | بيت الطـب البـديـل وطـب العـائلـة | بيت الأسـرة السعيــدة | قســم الدعم الخاص لقناة وصــال | بيت شبهات وردود | بيت التـاريـخ الإسلامي | بيت المهتدون إلى الإسلام ومنهج الحق | قســم موسوعة الأسرة المسلمـــة | وحــدة الرصــد والمتـابعــة | بيت الصوتيـات والمرئيـات العــام | بيت الصــــور | بيت الأرشيــف والمواضيــع المكــررة | بيت الترحيب بالأعضاء الجدد والمناسبات | بيت الجـوال والحـاسـب والبـرامـج المعـربـة | بيت المكتبـة الإسلاميـة | بيت الأحبـة فــي اللــه الطاقــم الإشـرافــي | بيت موسوعة طالب العلم | قســم الموسوعة الثقافية | البيــت العـــام | قســم دليل وتوثيق | بيت وثائق وبراهين | بيت القصـص والعبـــــــر | بيت الإدارة | بيت الصوتيـات والمرئيـات الخــاص | بيت المعتقد الإسماعيلي الباطني | بيت مختارات من غرف البالتوك لأهل السنة والجماعة | بيت الأحبـة فــي اللــه المراقبيـــــــن | بيت أهل السنه في إيران وفضح النشاط الصفوي | بيت المحــذوفــات | بيت ســؤال وجــواب | بيت أحداث العالم الإسلامي والحوار السياسـي | بيت فـرق وأديـان | باب علــم الحــديـث وشرحــه | بيت الحـــوار الحــــــــّر | وصــال للتواصل | بيت الشعـــر وأصنافـــه | باب أبـداعـات أعضـاء أنصـار الشعـريـة | باب المطبــخ | بيت الداعيـــات | بيت لمســــــــــــات | بيت الفـلاش وعـالـم التصميــم | قســم التـواصـي والتـواصـل | قســم الطــاقــــــــم الإداري | العضويات | بـاب الحــــج | بيـت المــواســم | بـاب التعليمـي | أخبــار قناة وصــال المعتمدة | بيت فـريـق الإنتـاج الإعـلامـي | بيت الـلـغـة العــربـيـة | مطبخ عمل شامل يخص سورية الحبيبة | باب تصاميم من إبداع أعضاء أنصـار آل محمد | بـاب البـرودكــاسـت | بيت تفسير وتعبير الرؤى والأحلام | ســؤال وجــواب بمــا يخــص شبهات الحديث وأهله | كلية اللغة العربية | باب نصح الإسماعيلية | باب غرفـة أبنـاء عائشـة أنصـار آل محمـد | بـيــت المـؤسـســيـــن | بـاب السيـرة النبـويـة | بـاب شهـــر رمضــان | تـراجــم علمـائـنـا |



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant