البيــت العـــام للمواضيع التي ليس لها قسم محدد |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
29-03-11, 04:39 AM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
البيــت العـــام
الكاتب د. ناصر العمر من الأمور التي تستحق التأمل في واقع الأمة، ما نراه من إحجام كثير من الناس عن القيام بأنواع بعينها من أعمال الخير؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الانخراط في مشاريع دعوية، أو القيام بأنشطة تربوية وما أشبه ذلك. ولا يرجع هذا الإحجام لانعدام الخير أو قلته، فالقلوب والحمد لله مليئة بالخير عامرة بالإيمان، لا أدل على ذلك من إقدام الناس على حفظ القرآن والإنفاق على الفقراء أو كفالة الأيتام أو عمارة المساجد وما أشبه ذلك، لكن السر يكمن في أوهام منتشرة بين الناس تحول بينهم وبين هذه الأبواب من الخير. بعض الناس يحجم عن القيام بهذه الأعمال خشية وقوع أشياء يكرهونها؛ من سجن، أو فصل من وظيفة، أو إخراج من الأوطان، وهي خشية لا تكون في كثير من الأحيان في محلها، حيث نجد العاملين يعملون وتمر الأيام والسنوات دون أن يتعرضوا لشيء من ذلك، بل يحصل العكس، فيكرمهم الله بعلو القدر والمكانة، ورفعة المنزلة والكرامة. وهذا لا يعني أن أحدًا ممن يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وغير ذلك من المشاريع النافعة لا يتعرض للأذى، بل قد يقع شيء من المحذور لبعض الناس، لكن هذا لا ينبغي أن يكون مانعًا لغيرهم من سلوك طريقهم، فضلاً عن أن يكون قاطعًا لهم عن مواصلة طريقهم. إن ما يحول بين بعض الأخيار، ومنهم طلاب علم بل علماء، وبين بعض الأعمال النافعة هو ظنهم أن السجن أو الفصل من الوظيفة أو الإخراج من الأوطان يمثل نهاية الدنيا، بحيث لا يمكن للمرء أن يعيش بعده أبدًا، وهذا وهم كبير، فكم رأينا وسمعنا عن أناسٍ ابتلوا وامتحنوا لكنهم صبروا واحتسبوا ومر الزمان واستدار فرفع الله عنهم البلاء، ورفع قدرهم ومنزلتهم، وعوضهم في الدنيا خيرًا. وفي قصة أهل الكهف ما يبدِّد هذا الوهم الذي عشش في بعض القلوب، فإنهم لما خرجوا من ديارهم، وفارقوا أهلهم وأحبتهم ومساكنهم التي ألفوها إلى كهف منعزل لا يوجد فيه شيء من أسباب الرفاهية، بل لا يوجد فيه ما يكفل لهم البقاء على قيد الحياة، فلا طعام فيه ولا شراب، لم يقولوا: فأووا إلى الكهف واستعدوا للضيق والتحمل والصبر في ذات الله، بل قالوا: {فَأْوُوا إلى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} [الكهف: 16]، وما ذاك إلا ليقينهم أن من سار في طريق الله يبتغي مرضاة الله، آخذًا بالأسباب متوكلاً على رب الأسباب، سيجعل له الله من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا. وهذا نظر دقيق وفهم عميق رزقه الله هؤلاء الفتية صغار السن، وحرمه كثيرًا من طلاب العلم. وقد كان من أمر الفتية ما قالوه وزيادة؛ فنشر لهم ربهم من رحمته، وهيأ لهم من أمرهم مرفقًا، ثم جعلهم للناس آية ورفع ذكرهم في العالمين. إن مما ينبغي أن يكون معلومًا للجميع أن هذه الدار دار ابتلاء وتعب ونصب، وأن الابتلاء سنة الله الماضية في خلقه. وقد ابتلي الأنبياء، وابتلي الصالحون، وابتلي الدعاة إلى الله منذ القدم، فما صدهم ما لاقوه من أذى عن دعوتهم، ولو أن كل من خشي على نفسه الأذى قعد عن الدعوة إلى الله، بل لو أن كل من أوذي في ذات الله قعد عن الدعوة إليه، لما وصلنا من دين الله شيء البتة. فمن كان يظن أن طريق الجنة مفروش بالورود فهو واهم، ومن كان يظن أن الابتلاء بالسجن أو الطرد من الوظيفة أو الإخراج من الديار -بل حتى القتل- شر محض أو مفسدة راجحة فهو واهم، وها هو شيخ الإسلام -رحمه الله- ينافح عن الحق فيؤذى ويحارب ويبتلى ويسجن مرات بل يموت في السجن، وبرغم ذلك فقد أعلى الله ذكره وأخمل ذكر أعدائه، وقد كان -رحمه الله- يقول: "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني؛ إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة"[1]!! لكن هذا ليس لكل أحد، بل هو خالص لمن أخلص النية لله U، ثم أخذ بالأسباب، ورجع إلى أهل العلم فيما يأتي ويذر واستشار واستخار، ولم يتمن البلاء ولا حرص عليه لكن أتاه: وإذا لم يكن إلاّ الأسنة مركبًا *** فما حيلة المضطـر إلاّ ركوبهـا والمهم أن يصدر المرء في دعوته عن علم، وأن يصدر عن أقوال العلماء ولا سيما في المسائل ذات الخطر، وأن يخلص لله في عمله ويتحرى الصواب، فمن فعل ذلك وعرف طريقه وحدد منهجه، فلا يلتفت بعد ذلك لشيء، بل ليمض في طريقه وإن أصابه ما أصابه، كما قال تعالى: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [الحجر: 65]. إن هذه الكلمات ليست دعوة كي يلقي الإنسان نفسه أمام المحنة، ويعرضها للابتلاء، فإن العافية لا يعدلها شيء، وقد صح عن النبي r أنه قال: "لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية"[2]. والفرار من مواطن الفتن مطلب شرعي، وكم رأينا من رجل كان يقول إنه لو ابتلي فسيصبر ويفعل ويفعل، فلما وقع البلاء لم يصبر، بل انتكس ورجع عما كان عليه من حمل همِّ هذا الدين، والعياذ بالله. إن المقصود هو أن يقوم المرء بما يجب عليه قيامًا منضبطًا بالمنهج الشرعي، بلا إفراط ولا تفريط، فلا تهور يفضي إلى ما لا تحمد عقباه، ولا قعود وانكفاء عن القيام بما يجب القيام به لأوهام لا حقيقة لها، أو حقيقتها لا تعدل مفسدة ما قعد عنه، وكم ممن يمنعه توهم ضرر محتمل أداء ما وجب عليه بيقين. وإذا أخذ المرء بالأسباب ثم وقع الابتلاء فعليه بالصبر على قدر الله، فإنه إن صبر على أذى ساعة يوشك أن يبدل الله عسره يسرًا، ويوشك أن يجد عاقبة ذلك خيرًا في الدنيا والآخرة. إن كثيرًا من معاناة الأمة اليوم ترجع إلى أفعال بعض أبنائها ممن غاب عنهم المنهج الشرعي، فاندفعوا بوازع من الحماسة غير المنضبطة إلى أعمال خاطئة جرَّت عليهم وعلى مجتمعاتهم الويلات، وعلى الطرف الآخر تعاني الأمة من إحجام كثير من أهل الخير عن ما ينبغي لهم فعله، وكلا الفريقين فَقَد النظرة المعتدلة للأمور، وأجاب داعي الحماسة أو الخوف دون الرجوع إلى أهل العلم الربانيين المعتبرين ليصدر عن رأيهم. أما الحق فهو وسط بين هؤلاء وهؤلاء، وصراط الله U صراط مستقيم لا اعوجاج فيه، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]، وطريق الدعوة إلى الله طريق واضحة: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]، فمن صدق الله U وسلك هذه السبيل فليبشر بخيري الدنيا والآخرة، والله الموفق. د. ناصر العمر [1] ابن القيم: الوابل الصيب 1/67. [2] صحيح البخاري 3/1082 (2804)، صحيح مسلم 3/1362 (1742).
H,ihl hgrhu]dk uk ]u,m hglsgldk
التعديل الأخير تم بواسطة الشـــامـــــخ ; 29-03-11 الساعة 09:40 PM سبب آخر: حذف مصدر الموضوع لأنه موقع مشبوه |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
29-03-11, 09:39 PM | المشاركة رقم: 2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
جيش أسامة
المنتدى :
البيــت العـــام
جزاك الله الجنة وفردوسها وجعل ماقدمت في موازين حسناتك
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|