خلق الله الخلق لعبادتِه وحده لا شريك له، وأرسلَ إليهم رسولاً يتَّبعونه؛ ليُعلِّمهم أمور دينهم ودنياهم، التي أوحى الله له بها في الكتاب الذي أنزلَه عليه، ألاَ وهو القرآن الكريم، فتَسارع الناس لدخول الإسلام؛ صِغَارهم والكبار، وعَمِلوا بتعاليم الدِّين كاملةً كما أنزلها الله في كتابه، ووضَّحها نبيُّه في سُنَّتِه.
ونتيجةً لِبُعد زمننا عن زمَنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - طرأَ على الأمَّة الإسلامية بعضُ الأخطاء؛ كالتَّساهُل في سماع الأغاني والموسيقا والإسبال، فلمَّا أفاق الناسُ من غفلتهم، وانتشرَت الصَّحوة الإسلاميَّة بين المشايخ وطُلاَّب العلم، ووقَفوا على هذه الأخطاء، وأنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - حرَّمَها، فقابل بعضُ الناس كلامهم بالاستجابة، وتَرْكِهم هذه المحرَّمات، أما البعض الآخر فقابل كلامهم بالرَّفض، فظهر لدى الناس مصطلَحٌ يُطلَق على مَن ترك سماع الأغاني، وأعفى لحيتَه، وقصَّر مِن ثوبه، ألاَ وهو مصطلح: "الرَّجل الملتزِم"، أو (المطوَّع)، هذا المصطلح عند نُطْقه تُرافِقه بعض التصوُّرات الخاطئة؛ كالظنِّ بأن هذا الملتزم هو شبَح، متَى ما وُجِد في الأُسْرة فإنَّه يخربها بأفكاره الهدَّامة، وكذلك تصوُّر أنَّ هذا الملتزم يعيش حياةَ رهبنة لا ترفيه له فيها، ولا اتِّصال بالواقع، بل دائمًا دروس ومحاضرات وقراءة كتب الدين!
من هنا أقول لِمَن يعتقد بهذا: إنَّ اعتقادك باطل، ومُناقض للواقع، وأتَّفق معك أنَّ هناك أُناسًا بهذا التصوُّر، ونتج ذلك عن غُلوِّهم في الدين، وهم قلَّة لا يتجاوز عددهم 1% من بقية الملتزمين.
أمَّا أغلب الملتزِمين فهم أناسٌ كعامَّة الناس؛ يترَفَّهون، ويُظهرون مواهبهم وإبداعاتهم للناس؛ لكي يَستفيدوا منها، فمنهم الإعلاميُّ والمُنشِد، والكاتب الصحفي، والمخترع، وغيرهم كثير، إلا أنَّهم يلتزمون في مواهبهم وأعمالهم ضوابط الشَّرع.
وخير مثالٍ على ذلك: الشابُّ السعودي عبدالرحمن العمار (أبو عمر)، الذي أشاد الكلُّ بِمَواهبه التي عُرِفت من خلال قنواته في (اليوتيوب)، فتجده يقدِّم في هذه القنوات دروسًا عن اللُّغة الإنجليزيَّة بشكلٍ درامي رائع، وأحيانًا بشكل أناشيد باللُّغة الإنجليزية، أضف إلى ذلك دروسَه الدعويَّة باللغة الإنجليزية، وتميُّزَ (مونتاج) هذه المقاطع التي أنتجَها بنفسه.
هذا نموذج من نَماذج الشباب الملتزِم التي ظهرَتْ مواهبه في الدَّعوة إلى الله، والإنشاد، والمونتاج، والدراما، وسَلطتُ الضوء على هذا الرجل؛ لأنه أشهر مِن نارٍ على علَم لدى الكل، وغيره من الشباب كثير.
فيا مَن يظنُّ بأن الملتزمين أشباح، وحياتهم كلها رهبَنة واعتِزال، دَعْ عنك هذه الظُّنون، وانظُرْ إليهم فستَجِدهم أربابَ الفنون، غير أنَّهم منضَبِطون بضوابط الشرع، وليسوا أشباحًا يخافهم الكلُّ أو ينبذهم المُجتمع.