كنت أتحدث صباحاً بعد صلاة المسجد عن المنافقين الذين يتصدرون المجالس ويخطبون ودّ الناس بمعسول الكلام ويبتسمون بوجوههم . وقلوبهم – كما ذكر الحبيب المصطفى – قلوب الذئاب .وقد تراهم يصلون في الصفوف الأولى ليرسموا لأشخاصهم في نفوس الناس صورة غير التي هم عليها يدرؤون بها حقيقتهم ويوهمون المجتمع صلاحهم الظاهر الذي يخبئون وراءه كفراً وضلالاً.
يسال أحد المصلين متعجباً أو مستنكراً : وهل يمكن أن ترى منا من ينطبق عليه ما تقول: وهل يدخل المنافق المسجد ويصلي بيننا؟
علمْتُ ما يقصده الشيخ طيب القلب ، فقلت له : نسأل الله تعالى أن يعافينا أن نكون منهم ، ولكنْ أما قرأت قوله تعالى " إذا جاءك المنافقون قالوا : نشهد إنك لرسول الله"؟ فقد كانوا يأتون رسول الله في المسجد ويصلون وراءه ويظهرون التقوى والإيمان ويعلنون تصديقهم للرسالة النبوية وانضواءهم تحت لوائها. وتقرأ قوله تعالى يدمغهم بالكذب " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" ومَن أعظمُ شهادة وأصدقُ قولاً من رب العزة سبحانه وتعالى. لقد قالوها بألسنتهم وجحدوها بقلوبهم . وكان المنافقون يملأون المدينة ويفسدون فيها ما استطاعوا حتى نزلت فيهم كثير من الآيات توضح خطرهم في سورة " التوبة" وغيرها ونزلت فيهم سورة كاملة " المنافقون"
كانوا في المدينة يتآمرون ، ومسجد الضرار شاهد على ذلك .وعهدُ رسول الله عهدُ الصلاح الأول، حولَه خيرُ المسلمين من صحابته رضوان الله تعالى عنهم الذين نشروا الرسالة في العالم كله. أفلا يكونون موجودين في هذا الزمن الكئيب الذي يجاهر فيه الفاسد بفساده ؟
وتأمل الآية الأولى في سورة " المنافقون" وهي تبدأ بـ"إذا " الشرطية المستقبلية التي تدل على أنهم يفعلون ذلك في كل زمان، ومكان مع رسول الله ومع غيره إلى أن تقوم الساعة ويكررون غشيان مجالس المسلمين ومساجدهم لينفذوا إلى أهدافهم ويُعَمّوا على وسائلهم في حرب الإسلام وأهله ، وهؤلاء كما نعلم أشد خطورة من الأعداء الظاهرين ، إنهم يلبسون لباس الإسلام ويتحدثون بلسان المسلمين . ويحلفون الأيمان ليُدَلّسوا على السامعين " اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ " .
قال تعالى في تجملهم للناس وطريقة حديثهم " وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ " ولهذا حذر النبي منهم ومن ذلاقة ألسنتهم التي يكسبون بها قلوب البسطاء ،: [أخوَف ما أخاف عليكم منافق عليم اللسان]. وهذا ينطبق بشكل واضح على علماء النظام السوري الذين يتصدرون تحت لوائه وينافحون عنه ويحلبون في إنائه ، باعوا دينهم في سبيل عَرَض زائل وأذلوا أنفسهم للنظام السافل الذي يستخدمهم كما يريد ثم يرميهم كما تُرمى الأحذية الخلقة حينما ينتهي دورهم وتنتفي الفائدة منهم.فيخسرون الدنيا قبل خسارتهم الآخرة وينطبق عليهم قول الحكيم ( هؤلاء باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم). فما أشد خسارتهم وأسوأ حظهم.