فإنّ الله تعالى أبى العصمةَ إلا لكتابه الذي ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ و لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) ، ولنبيّه صلى الله عليه وسلّم في تبليغ الرسالة ، و ذلك مقتضى حفظ دينه ، وإقامة حجّته على خلقه .
واصطفى تعالى لحمل العلم من كلّ خلفٍ عدولَه وخصّهم بالفهم و الاستنباط السليم ، فسخّروا ما آتاهم الله من فضله في إقامة الحجّة و بيان المحجّة ، واستشعروا عِظَم واجب التبليغ و التوقيع عن ربّ العالمين فقاموا به خيرَ قيامٍ ، تحمُّلاً و أداءً ، وكان حقّاً على من عرَف فضلهم ، وخبرَ سبقهم أن يتقرّب إلى الله بحبّهم و الذبّ عن أعراضهم ، كيفَ و هم أهل الذكر الذين أُمرنا بسؤالهم و طاعتهم ، كما في قوله تعالى : ( وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [ النحل : 43 ] .
وما ابتُليَ عالمٌ بجاهلٍ بقدرهِ ، طاعنٍ في دينه أو علمه ، إلاّ قيّض الله له من ينافح عنه و يذبّ عن عِرضه ، وهذا واجب كفائيٌّ في أقلِّ أحواله .
وإن فرَّطَ في القيام بواجب الذبّ عن العلماء أقوامٌ ، فقد أفرَط آخرون في هذا الباب ، فجانبوا الصواب ، وصاروا إلى الممنوع ؛ بمجاوزةِ المشروع ، حيث غلَوا في علمائهم ، وتعصبّوا لآرائهم و أقوالهم ، ونصّبوا أنفسهم للتبرير والدفاع عن زلاّتهم ، وهذا من أشنع أنواع التعصّب ، في التقليد و التمذهُب .
وصار أهل الحقّ – وهم أوسط الناس و أعدلهم – إلى إعمال الدليل ، والتماس العذر للعالم في زلّته ، والتأدّب في ردّ مقالته وعَدَم المبالغة في تعظيم العالِم ( المستَفتَى و غيرِه ) بأخذ كلّ ما يصدُر عنه ، أو اعتقاده إصابَتَه الحقَّ في كلّ ما يُفتي فيه أو يُخبِر به ، لأنَّه من بني البَشر ، ( وكلُّ بني آدَم خطّاء ، وخير الخطائين التوّابون ) كما أخبر [ فيما رواه الترمذي و ابن ماجة و أحمد بإسنادٍ حسن ] ، والعالِم في هذا كغيره ؛ معرَّضٌ للخطأ ، والوَهمِ ، والنسيان .
والشيخ عائض القرني بشر كسائر البشر يخطأ ويصيب ، ويذنب ويتوب . ومن اخطائه أنه تكلم في معاوية خال المؤمنين وعن أبيه وسائر الصحابة الكرام .. وقد اعترف بهذا الخطأ امام الملأ وتاب الى الله من زلته ..