البيــت العـــام للمواضيع التي ليس لها قسم محدد |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
05-07-13, 02:54 AM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
البيــت العـــام
المقدمة الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد بن عبد الله نبيه ورسوله وصفيه وخليله، أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، مبشراً بالجنة لمن اتقى الله- جل وعلا- وأطاع الرسول، ومنذراً ومخوفاً من عذاب الله، والنار لمن خالف أمر الله-جل وعلا - وعصى الرسول - عليه الصلاة والسلام- ، وبعد: فإن موضوع الفتن موضوع مهم، قد حظي بمكانة واسعة في القرآن الكريم، والسنة النبوية مما يدل على أن المسلم يجب ألا يُغفل هذا الميدان، فالمرء مفتون بالخير والشر، والسراء والضراء، والغنى والفقر. ولا ريب أن الأمة تعيش أحوالاً عصيبة، قد تكون أحرج أيام مرت بها عبر التاريخ؛ فالمصائب متنوعة، والجراحات عميقة، والمؤامرات تحاك تلو المؤامرات، يضاف إلى ذلك ما تعانيه الأمة من الضعف، والهوان، والفُرقة، وتسلط الأعداء. وما هذا الذي يجري في كثير من بلاد المسلمين إلا سلسلة من المكر الكبَّار، والكيد العظيم، والقتال الذي لا يزال مستمراً. وقد يخالط بعضَ النفوس من جراء ذلك شيءٌّ من اليأس، والإحباط، وقد يعتريها الشك في إصلاح الأحوال، ورجوع الأمة إلى عزها وسالف مجدها. ومهما يك من شيء فإن هذه الأمة أمة مباركة موعودة بالنصر والتمكين متى توكلت على الله، وأخذت بالأسباب، وهذا الدين أنزله الله عز وجل، وبعث به الرسول- صلى الله عليه وسلم - ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. أما أصول وقواعد في الدعوة إلى الله في وقت الفتن، والتعامل مع هذه النوازل والمصائب فهي مبينة في كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم. ومما تجدر الإشارة إليه، ويحسن الطَّرْق عليه في هذا الصدد مما هو معين- بإذن الله- على حسن التعامل مع الفتن، والمصائب، والخروج منها بأمان أمور كثيرة، وفيما يلي ذكر لشيء منها، مع ملاحظة أن بعضها داخل في بعض؛ فإلى تلك الأمور، والله المستعان وعليه التكلان. ولأهمية هذا الأمر؛ فقد رأيتُ أن أوضحه ـ ما أمكن ـ في هذا البحث المسماه: أصول وقواعد في الدعوة إلى الله وقت الفتن ، وجاء في أحد عشر مبحثاً بعد مقدمة، وتمهيد، والمباحث كالتالي: المبحث الأول: الإقبال على الله- عز وجل المبحث الثاني: الاعتصام بالكتاب والسنة المبحث الثالث: التسلح بالعلم الشرعي المبحث الرابع: الالتفاف حــول العلـماء المُجَربين والدعاة الصادقين المبحث الخامس: لزوم الاعتدال في جميع الأحوال المبحث السادس: لزوم الرفق، ومجانبة الغلظة والعنف المبحث السابع: التثبت مما يقال المبحث الثامن: الصبر على الفتن المبحث التاسع: قيام روح الشورى المبحث العاشر: لزوم جماعة المسلمين وخليفتهم المبحث الحادي عشر: الثقة بالله، واليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين . والله أسأل أن يجعل الجميع ممن منالله عليهم بالبصر النافذ عند حلول الشبهات، وبالعلم النافع، الذي هو للقلوب حياة ومدد . التمهيد فيه مطلبان: المطلب الأول: بيان حقيقة الفتنة أولاً: التعريف اللغوي للفتنة: الفتنة: مأخوذة من فعل" فتن"، الفِتْنَةُ بمعنى: الاختبار والامتحان، تقول: فَتَنَ الذهب يفْتِنه بالكسر فِتْنَةً و مَفْتُوناً، أيضا إذا أدخله النار؛ لينظر ما جودته، ودينار مَفْتُونٌ أي: مُمتحن وقال الله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ " ( ) أي حرَّقوهم . جاء في مقاييس اللغة:" الفاء والتاء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على ابتلاء واختبار. من ذلك الفِتْنة. يقال: فتَنْتُ أفتِنُ فَتْناً. وفَتَنْتُ الذّهبَ بالنّار، إذا امتحنتَه. وهو مفتونٌ وفَتِين"( ) . وتطلق على معان كثيرة، منها:الاختبار، والمحنة، والمال، والأولاد، والكفر، واختلاف الناس بالآراء، والإحراق بالنار، والخبرة( ) . ثانياً: التعريف الاصطلاحي للفتنة: عرف الزمخشري الفتنة:" بأنها الامتحان بشدائد التكليف: من مفارقة الأوطان، ومجاهدة الأعداء، وسائر الطاعات الشاقة، وهجر الشهوات والملاذ، وبالفقر؛ والقحط، وأنواع المصائب في الأنفس والأموال، وبمصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم وضرارهم"( ) . وقال الحافظ ابن حجر:" ومعنى القتنة في الأصل: الاختبار، والامتحان، ثم استعملت في كل أمر يكشفه الامتحان عن سوء"( ) . المطلب الثاني في التحذير من الفتن قد حذرنا الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- من المفتونين وفتونهم ، قال الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" ( ) . وأرشدنا النبي صلىالله عليه وسلم إلى الاستعاذة بالله من الفتن ، وشرها ، وسوئها ، ومضلاتها . وكان من دعاء بعض السلف:" اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو أن نُفْتَن"( ) . وبيّن النبي- صلى الله عليه وسلم- أن بين يدي الساعة أياماً ينزل فيها الجهل ، ويرفع العلم . والحديث العظيم حديث حذيفة - رضي الله عنه - في التحذير من الفتن، معلوم مشهور. وقد بيَّن الله - سبحانه - في كتابه أن الفتنة تحول دون أن يكون الدين كله لله- سبحانه - ولهذا قال - عز شأنه: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ" ( ). فالفتنة تناقض الدين ، وهي فتنة الشبهات ، وأسوأُها فتنة الشرك بالله وفتنة العدول عن محكم الآيات وصريح السنة وصحيحها . المبحث الأول الإقبال على الله- عز وجل من المعلوم ما للإقبال علىالله تعالى من أهمية بالغة، ومكانة سامية، ورفعة عالية في حياة المسلم، وخاصة في زمن الفتن فهو أحوج ما يكون إليه، فبه نجاته من كل فتنة، وعصمته من أي محنة، وحقيق لكل مسلم الاعتناء به حق العناية، وليس الإقبال على الله مقصوراً على عبادة دون أخرى، بل يكون في سائر أنواع العبادات- كالتوبة، والاستغفار، والدعاء( ). فعن معقل بن يسار- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: " العبادة في الهرج كهجرة إلي" ( ) والهرج: الفتن والقتل. قال النووي- رحمه الله-:" المراد بالهرج هنا: الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل كثرة العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا الأفراد"( ) . فحري بنا نحن المسلمين في مثل هذه الأيام أن نزداد إقبالاً علىالله ذكراً، وإنابةً، وصلاةً، ونفقةً، وبراً بالوالدين، وصلة للأرحام، وإحساناً إلى الجيران، وحرصاً على تربية الأولاد، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة. وجدير بنا أن نكثر من الاستغفار؛ فهو من أعظم أسباب دفع العذاب، قال الله تعالى: " وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" ( ) . وأن نُقْبِل على أعمال القلوب من خوف، ورجاء، ومحبة، وغيرها. و حقيق علينا أن نُقْبِل- كذلك- على النفع المتعدي من أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ودعوة إلى الله، وإصلاح بين الناس، وإحسان إليهم، وما جرى مجرى ذلك، وفيما يلي مزيد الحديث عن التوبة والدعاء؛ نظراً لأهميتهما في زمن الفتنة . أولاً: التوبة النصوح فهي واجبة في كل وقت، وهي أوقات الفتن أوجب "فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا " ( ). ولنا في قصة قوم يونس- عليه الصلاة والسلام- عبرة وموعظة؛ فهم لما رأوا نُذُر العذاب قد بدأت تلوح لجئوا إلى الله، وتضرعوا إليه، فرفعالله عنهم العذاب ومتعهم بالحياة إلى حين مماتهم، وانقضاء آجالهم. فعلى الأمة أن تتوب، وأن تدرك أن ما أصابها إنما هو جارٍ على مقتضى سنن الله التي لا تحابي أحداً كائناً من كان؛ فتتوب من المنكرات التي أشاعتها من شرك، وحكم بغير ما أنزل الله، وتقصير في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتتوب من المظالم، والربا، والفسق، والمجون، والإسراف، والترف وما إلى ذلك مما هو مؤذن باللعنة، وحلول العقوبة. وعلى كل فرد منا أن ينظر في حاله مع ربه، وفي جميع شؤونه؛ لأن "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" ( ). ثانياً: الدعاء: فالدعاء من أعظم أسباب النصر والسلامة من الفتن، كيف وقد أمر ربنا - عز وجل-به، وتكفل بالإجابة، وهو سبحانه لا يخالف الميعاد، قال تعالى : " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " ( ) . فثمرة الدعاء مضمونة_بإذن الله_ إذا أتى الداعي بشرائط الإجابة؛ فحري بنا أن نكثر الدعاء لأنفسنا بالثبات، وأن ندعو لإخواننا بالنصر، وأن ندعو على أعدائنا بالخيبة والهزيمة. وإذا اشتبه على الإنسان شيء مما اختلف فيه الناس فليدع بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة _رضي الله عنها_ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كان يقول إذا قام يصلي من الليل: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهتدي من تشاء إلى صراط مستقيم"( ). فإذا انطرح العبد بين يدي ربه، وسأله التوفيق والهداية والصواب والسداد _ فإن الله لن يخيب رجاءه، وسيهديه- بإذنه- إلى سواء السبيل؛ فقد قال- تعالى- فيما رواه مسلم في صحيحه: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم"( ). المبحث الثاني الاعتصام بالكتاب والسنة أمرالله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالاعتصام والتمسك بحبله المتين، بكتابه وسنة سيد المرسلين، عقيدة، وشريعة، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، وأرشدهم إلى ذكر نعمته تعالى عليهم بالألفة والمحبة التي كانت ثمرة هدايتهم للإيمان والإسلام. فالرجوع إلى الكتاب والسنة، والاعتصام بهما في كل الأمور هو طريق الفوز والفلاح، ومسلك الهدى والنجاح، لا سيما زمن الفتنة والكفاح. إنه الاعتصام بحبل الله المتين، وصراطه المستقيم، قال الله _عز وجل_: " وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" ( ) . إنه طريق العصمة من التفرق والاختلاف، قال الله تعالى: " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" ( ) . وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتابالله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض" ( ). وقال_عليه الصلاة والسلام_ في حديث العرباض بن سارية- رضي الله عنه -: "وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" ( ) . عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قالوا يا رسول الله: ومن يأبى ؟ قال:" من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" ( ). عن أبى هريرة قال قال رسولالله -صلى الله عليه وسلم- " إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" ( ). قال النووي:" وأما الاعتصام بحبلالله فهو التمسك بعهده ، وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده ، والتأدب بأدبه . والحبل يطلق على العهد ، وعلى الأمان ، وعلى الوصلة ، وعلى السبب ، وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم ، ويوصلون بها المتفرق ، فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : "ولا تفرقوا "، فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض ، وهذه إحدى قواعد الإسلام"( ) . وتبين مما سبق أن التمسك بالوحيين عصمة من الزلل، وأمان _بإذن الله_ من الضلال. وليس الاعتصام بهما كلمة تتمضمض بها الأفواه من غير أن يكون لها رصيد في الواقع. وإنما هي عمل، واتباع في جميع ما يأتيه الإنسان ويذره. ويعظم هذا الأمر حال الفتن؛ إذ يجب الرجوع فيها إلى هداية الوحيين؛ لكي نجد المخرج والسلامة منها. المبحث الثالث التسلح بالعلم الشرعي العلم الشرعي مطلب مهم في مواجهة الفتن حتى يكون المسلم على بصيرة من أمر دينه وإذا فقد المسلم العلم الشرعي تخبط في هذه الفتن. قال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " من أشراط الساعة أن يظهر الجهل، ويقل العلم، ويظهر الزنا، وتشرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيمهن رجل واحد" ( ). قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- : " إذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمةالفتن وحدثت البدع والفجور ووقع الشر بينهم "( ). وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله تعالى-: " فكل أنواع الفتن لا سبيل للتخلص منها، والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله، وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة- رضي الله عنهم- ومن سلك سبيلهم من أئمة الإِسلام ودعاة الهدى"( ). ومن الضروري أن يغتنم الإنسان أوقات الرخاء للتعلم قبل أن تجيئه الفتن فلا يجد وقتا للتعلم. المبحث الرابع الالتفاف حــول العلـماء المُجَربين والدعاة الصادقين فمن الأهمية وجود العلماء والدعاة الذين يُلتف حولهم، فإن وجدوا فمن الواجب الالتفاف حولهم خاصة في أزمان الفتن، إذ الالتفاف حول العلماء الربانيين العاملين الصادقين ممن جربوا فيالفتن فثبتوا، وما غيروا وبدلوا عامل معين على عدم الزيغ والانحراف في وقت الفتن، فلا بد من الالتفاف حولهم بحضور حِلَقِهِم العلمية وزيارتهم والصدور عن رأيهم وعدم اتخاذ رأي أو اجتهاد أو موقف من غير الرجوع إليهم ، وقد حدثت في التاريخ الإِسلامي فتن ثّبت الله فيها المسلمين بعلمائهم ومن ذلك : ما قاله علي بن المديني- رحمه الله:" أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة"( ). ولذلك كان السلف الصالح عند تغير الأحوال يلتفون حول علمائهم، وإليك نماذج من ذلك: 1- عن بشير بن عمرو قال: شيَّعنا ابن مسعود حين خرج، فنزل في طريق القادسية، فدخل بستاناً فقضى حاجته، ثم توضأ ومسح على جوربيه، ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء، فقلنا له: اعهد إلينا، فإن الناس قد وقعوا في الفتن، ولا ندري هل نلقاك أم لا، قال: " اتقوا الله واصبروا، حتى يستريح بَرٌّ، أو يُستراح من فاجر، وعليكم بالجماعة، فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة"( ) . 2- عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال: حدثني أبي قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أَخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟، قلنا: لا ، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر- والحمد لله- إلا خيراً، قال: فما هو ؟، فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً، ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم ؟، قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ! ، ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ ، قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم- صلى الله عليه وسلم- متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة ؟ ! ، قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حدثنا : ( فذكر الحديث ) ، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم . ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج"( ). 3- ما ذكره ابن القيم عن دور شيخه شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله في التثبيت : " وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا "( ). المبحث الخامس لزوم الاعتدال في جميع الأحوال فينبغي في ذلك الخضم من الفتن والمصائب ألا يفارقنا هدوؤنا، وسكينتنا، ومروآتنا؛ فذلك دأب المؤمن الحق، الذي لا تبطره النعمة، ولا تقنطه المصيبة، ولا يفقد صوابه عند النوازل، ولا يتعدى حدود الشرع في أي شأن من الشؤون. ويتأكد هذا الأدب في حق من كان رأساً مطاعاً في العلم، أو القدر؛ لأن لسان حال من تحت يده يقول: اصبر نكن بك صابرين فإنما *** صبر الرعية عند صبر الراس قال كعب بن زهير- رضيالله عنه - : في قصيدته المشهورة- البردة-: لا يفرحون إذا نالت رماحهم *** قوماً وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا فهو يمدح الصحابة-رضي الله عنهم- بأنهم لا يفرحون من نيلهم عدواً؛ فتلك عادتهم، ولا يحزنون إذا نالهم العدو؛ لأن عادتهم الصبر والثبات. هذه الخصال يمتثلها عظماء الرجال؛ فلم يكونوا يتخلون عن مروآتهم، وعاداتهم النبيلة حتى في أحلك المواقف. وها هو سيد العظماء، وسيد ولد آدم نبينا محمد _عليه الصلاة والسلام_ يضرب لنا أروع الأمثلة في ذلك؛ فهو يقوم بصغار الأمور وكبارها؛ فلم يمنعه قيامه بأمر الدين، وحرصه على نشره، وقيادته للأمة، وتقدمه في ساحات الوغى_ لم يمنعه ذلك كله من ملاطفة ذلك الطفل الصغير الذي مات طائره، وقولِه لأنس: فعن أنس ابن مالك قال: كان رسولالله – صلىالله عليه وسلم -أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، قال: أحسبه فطيمٌ، وكان إذا جاء قال: " يا أبا عمير ما فعل النغير"( ) . ولم يكن أحد يلهيه عن أحد *** كأنه والد والناس أطفال فإذا لزم المرء هذه الطريقة؛ فلم يَخِفَّ عند السراء، ولم يتضعضع حال الضراء _ فأحرِ به أن يعلو قدره، ويتناهى سؤدده، وأن تنال الأمة من خيره. وبتذكر كتب السير التي تناولت سيرة عمر بن عبد العزيز- رضيالله عنه - أنه لما دَفَنَ ولَدَه عبد الملك- وهو أبر أولاده، وأكثرهم ديناً وعقلاً- مرَّ بقوم يرمون؛ فلما رأوه أمسكوا، فقال: ارموا، ووقف، فرمى أحدُ الراميين فأخرج- يعني أبعد عن الهدف- فقال له عمر: أخرجت فقصِّر، وقال للآخر: ارمِ، فرمى فقصَّر- أي لم يبلغ الهدف- فقال له عمر: قصَّرت فبلِّغ، فقال له مسلمة بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين! أَتْفِرغ قلبك إلى ما تفرغت له، وإنما نفضت يدك الآن من تراب قبر ابنك، ولم تصل إلى منزلك؟ فقال له عمر: يا مسلمة! إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت المصيبة فالْهُ عما نزل بك"( ) . فالأخذ بهذه السيرة- أعني الاعتدال حال نزول الفتن- ينفع كثيراً، ويدفعالله به شراً مستطيراً؛ لأن الناس حال الفتن يموجون، ويضطربون، وربما غاب عنهم كثير من العلم؛ فلذلك يحتاجون- وخصوصاً من كان عالماً، أو رأساً مطاعاً- إلى لزوم السكينة، والاعتدال؛ حتى يُثَبِّتوا الناس، ويعيدو الطمأنينة إلى النفوس، ولا تقطعهم تلك النوازل عما هم بصدده من عمل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - :" ولهذا لما مات النبي- صلى الله عليه وسلم-ونزلت بالمسلمين أعظم نازلة نزلت بهم؛ حتى أوهنت العقول، وطيشت الألباب، واضطربوا اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة القعر؛ فهذا ينكر موته، وهذا قد أقعد، وهذا قد دهش فلا يعرف من يمر عليه، ومن يسلم عليه، وهؤلاء يضجون بالبكاء، وقد وقعوا في نسخة القيامة، وكأنها قيامة صغرى مأخوذة من القيامة الكبرى، وأكثر البوادي قد ارتدوا عن الدين، وذلت كماته؛ فقام الصديق - رضي الله عنه - بقلب ثابت، وفؤاد شجاع فلم يجزع، ولم ينكل قد جُمع له بين الصبر واليقين فأخبرهم بموت النبي"وأنالله اختار له ما عنده، وقال لهم: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ "( ) . فكأن الناس لم يسمعوا هذه الآية حتى تلاها الصديق فلا تجد أحداً إلا وهو يتلوها، ثم خطبهم فثبتهم وشجعهم. قال أنس- رضيالله عنه: "خطبنا أبو بكر- رضي الله عنه - وكنا كالثعالب فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود". وأخذ في تجهيز أسامة مع إشارتهم عليه، وأخذ في قتال المرتدين مع إشارتهم عليه بالتمهل والتربص، وأخذ يقاتل حتى مانعي الزكاة فهو مع الصحابة يعلمهم إذا جهلوا، ويقويهم إذا ضعفوا، ويحثهم إذا فتروا؛ فقوى الله به علمهم ودينهم وقوتهم؛ حتى كان عمر_مع كمال قوته وشجاعته_ يقول له: يا خليفة رسول الله تألف الناس، فيقول: علام أتألفهم؟ أعلى دينٍ مفترى؟ أم على شعرٍ مفتعل؟ وهذا باب واسع يطول وصفه"( ). الموضوع الأصلي: أصول وقواعد في الدعوة إلى الله وقت الفتن || الكاتب: عقيدتي نجاتي || المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد
المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد Hw,g ,r,hu] td hg]u,m Ygn hggi ,rj hgtjk
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 1 : | |
ALSHAMIKH |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|