وهو أن يؤثر غيره بالشيء مع حاجته إليه، وضده الأثرة: وهي استئثاره عن أخيه بما هو محتاج إليه، وعرفه الجرجاني في التعريفات: أن يقدم غيره على نفسه في النفع له والدفع عنه، وهو النهاية في الأخوة.
والإيثار من الفضائل التي امتاز بها الإسلام دون غيره من الشرائع، فهو أرفع درجات السخاء، وأقوى دعائم ومقومات الأخوة الإيمانية، فهو مؤشر بقوة المحبة والإخوة، وعمق العلاقات الاجتماعية، وقوة التماسك الاجتماعي، فالإيثار ضد الأنانية، وحب الذات، والتي بدورها معول من معاول هدم العلاقات الاجتماعية وتفريقها، والتي تسربت وانتشرت داخل مجتمعنا الإسلامي، مهددة له بالتفكك والتمزق، زرعها الغرب وترك رعايتها للرأسماليين والعلمانيين، لذلك يأتي دور الإيثار حتى تعود الأخوة الإيمانية والترابط والتماسك الاجتماعي داخل الحضر، الذي أصبح التفكك سمة من سماته، فلنربي أبنائنا على الإيثار، كما تربى الجيل الأول عليه.
فقد مدح الله تبارك وتعالى الأنصار الذين آثروا المهاجرين على أنفسهم برغم ما كان بهم من فقر وحاجة، فقد آثروهم بالأموال والأولاد والدور، لذلك بشرهم الله تعالى بأسمى بشارة يبشر بها إنسان، وهو الفلاح، وهذا الفلاح ليس قاصراً على الدنيا فقط بل يتعداه ليشمل الآخرة أيضاً، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، وليس الفلاح خاص بهم مقصوراً عليهم، بل يمتد ليشمل كل من اقتفى أثرهم وسار على دربهم واتبع نهجهم، قال تعالى في الآية التالية: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
واعلم أخي المربي أن المربي الكفء من صفاته أن يحول أولاده من المنافسة على الامتلاك إلى المنافسة على الإيثار، ولك في رسول الله الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة، هو وصحابته، ومن أفضل الوسائل التي يكتسب بها الطفل الإيثار ويصبح ضمن قيمة واتجاهاته، هو أسلوب القصة المشوقة والحكاية المؤثرة والمواقف الخالدة المنتقاة من تاريخ هذه الأمة الناصع، ومنها ما فعله الأنصار مع إخوانهم المهاجرين، وينبغي على الأبوين داخل الأسرة أن تلتزموا بهذا السلوك، فهي أول قدوة في حياة الإنسان.
ومن الجدير بالذكر، إن المؤاثرة لا تكون إلا في طاعة الله، كأن تترك مثلاً صلاة الجماعة في المسجد حتى لا تزعج ضيفك فهذه المؤاثرة مرفوضة، كأن يترك الفرد مساعدة أمه حتى يترك المجال لأخيه، فهذه أيضاً ليست مؤاثرة، فلابد أن ينتبه المربي لمثل هذه الأمور، كما ينبغي للمربي أن يكون يقظاً لماحاً، فإذا لاحظ الإيثار من أحد تلاميذه، فينبغي أن يبادر بالثناء عليه ومدحه ومكافأته، فالله تعالى يقدر ويكافئ على قدر العمل.