البيــت العـــام للمواضيع التي ليس لها قسم محدد |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
البيــت العـــام
لقد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً, حتى أوجده الله من العدم, وأسبغ عليه من النعم, ودفع عنه النقم, ويسر له أسباب البقاء والهداية, وبيَّن له طريق الخير والشر, وعرَّف له النهاية؛ إما شقاء أو سعادة, وجعل له دارين: دار ممر وعبور, ودار مقر وخلود, فأما دار الممر والعبور فهي الدنيا التي كل ما فيها ناقص إلا ما يقرب للقوي القهَّار, فأمالـها آلام, وصفوها أكدار, ولو تبصر العاقل فيها لعرف قدرها وهوانها, وعلم غدرها وخداعها, تترآى لعاشقيها كالسراب يحسبه الظمآن ماء, حتى إذا جاءها لم يجدها شيئاً:﴿حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[ يونس:24].
ومن الملاحظ في كل زمان أن كثيرًا من الناس يغترون بهذه الدنيا فينغمسون في شهواتها وملذاتها, مع أنها مولية مدبرة, ويعرضون عن الآخرة, مع أنها مقبلة باقية:﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾[الكهف:46]. مع أن من آثر الآخرة حصل له من النعيم في الدارين, ووفقه العلي القدير للأعمال الصالحة والحياة الطيبة:﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾[النحل:97]. وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية, فعندما تبدأ أحداثها يقول الإنسان:﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾[الفجر:24], فيكون الجزاء من جنس العمل:﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ﴾[الأعراف:8-9]. والموفق من تنبَّه -مع الاستغراق في الدنيا- أن استحضار قرب الرحيل, وسرعة انقضاء مدة الحياة من أنفع الأدوية للقلب الذي سكن تحت حطام الدنيا الفانية, فهو باعثه لانتهاز فرص الخير التي تمر مر السحاب, والمسارعة إلى الطاعات قبل طي الصحائف والسجلات, روى البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال:«أخذ رسول الله - ![]() ومن المشاهد الحقيقية: أن من طال عمره فلا بد يأتي اليوم الذي يكون فيه طريحاً بين أهله لاحراك له, وقد وقعت منه الحسرة, وجفت منه العبرة, وثقل منه اللسان, واشتد به الأحزان, وعلا صراخ الأهل والولدان, ونادى القريب والبعيد بالأطباء والدواء, ولكن وقع القدر والقضاء:﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ* وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ*فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾[الواقعة:83-87]. ففي هذه اللحظات ينظر العبد آخر النظرات على من حوله من الأبناء والبنات, والإخوان والأخوات, وتسبقها الآهات والزفرات, وتعقبها السكرات والحسرات, فتخرج الروح إلى السماء, فتبقى السيئات والحسنات. ومن اليقين عند أهل التوحيد والإيمان: أن الله تعالى قضى على هذه الدنيا أنها فانية زائلة لا محالة, ويبقى العلي العظيم سبحانه:﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾[الزمر:68]. ويحشر القوي الجبَّار الناس أجمعين حُفاة عُراة غُرلاً بُهماً, لا ينفعهم مالهم, ولا جاههم, ولا سلطانهم, وتستوي الخلائق, وليس بينهم وضيع, فالكل عبادٌ لله تعالى:﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾[مريم:93]. فعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي - ![]() ![]() وتكون أرض الشام هي أرض المحشر, وقد وصفها النبي - ![]() فأرض المحشر لا حجر فيها ولا شجر, وتدنو عليهم الشمس كمقدار ميل, فقد قال رسول الله - ![]() فيكون الناس على قدر أعمالهم من العرق, فمنهم ما يكون إلى كعبيه, ومنهم ما يكون إلى ركبتيه, ومنهم ما يكون إلى حقويه, ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً, ويبدأ الحساب والجزاء بالحق والعدل:﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾[الزمر:69-70]. فينادي الرحيم الرحمن, فيقول:﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾[آل عمران:133]. فالجنة فيها الدرجات أعلاها الفردوس سقفها عرش الرحمن, وبناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب, وملاطها المسك, وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت, وترابها الزعفران, وفيها غرف يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها, والخيمة الواحدة فيها طولها في السماء ستون ميلاً, ويسير الراكب في ظل أشجارها بجواده مائة عام لا يقطعها, وفيها الأنهار والحور والقصور والدور, وفيها من النعيم مالذ وطاب, نسأل الله من فضله. وينادي الرحيم الرحمن, فيقول:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[التحريم:6]. فالنار دار البوار تجمع أهل الكفر والنفاق, لها دركات, وطعامها الزقوم, وأشجارها كأنها رؤوس الشياطين, وماؤها يغلي في البطون كغلي الحميم, من أراد الشرب تسقط فروة رأسه, وتتمزق لحمة وجهه, وإذا شرب ينسل ما في بطنه من دبره, وكلما أرادوا الخروج أعيدوا فيها؛ ليذوقوا العذاب, اللهم أجرنا من النار. نسأل الله العلي القدير أن يرزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الكاتب: ناصر بن سعيد السيف المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد l,u/m ,`;vn
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
![]() |
|
لا يوجد أعضاء |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|