للباس ما يَلبَسُه الإنسانُ ليتَّقيَ به الحرَّ والقرَّ، وإنزالُ اللباسِ من السّماءِ في قوله تعالى:
[يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاس التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ] [ الأعراف : 26]،
فيه نُكتةٌ بلاغيّة؛ فاللباسُ البشريُّ الواقي السّاترُ لم ينْزلْ من السّماءِ على هيئة ما هو عليْه، بل الذي نَزَلَ من السّماء أسبابُ اللّباسِ وما به يُصبحُ اللباسُ شيئاً يتّخذُه الإنسانُ وقايةً لبدَنه، لكنه أضيفَ إليه لأنه كان بأسباب من السّماء، فكان له في معنى الإنزال مزيدُ اختصاص، يحسِّن استعارةَ فعل الإنزال إليه، تشريفاً لشأنه، وعَدَلَ عن ذِكر إنزالِ المَطرِ الذي به تُرْوى البهائمُ ويُتخَذُ من أشعارِها وأوبارِها المَتاعُ واللّباسُ، إلى اللّباسِ مُباشرةً، إدماجاً للامتنان في الاستدلال، أدمَجَ اللباسَ في المَطَر لأن الدليل في كونه مَطراً يحيي الأرض بعد موتها . وفيه قياسُ تَمثيل، أي في السماء المطر الذي ترزقون بسببه الكسوةَ واللباسَ الساترَ الواقيَ.
وذكرُاللباسِ وحذفُ السبب من بابِ التشويق والاهتمام بمَكان الإنزالِ. وشارَكَه في هذا المعنى كلُّ ما فيه عظيمُ النّفع، من المُلهَمات، كما في قوله تَعالى: {وأنزلْنا الحَديدَ فيه بأسٌ شديدٌ ومنافعُ للنّاس } [الحديد : 25 ] أي أنزلنا الإلهام إلى استعماله والدّفاعِ به ، وكذلك قوله : { وأنزل لكُم من الأنعام ثمانيةَ أزواج } [الزمر :6] أي : خلَقها لكم في الأرض بتدبيره ، وعلَّمكم استخدامَها والانتفاعَ بما فيها، ولا يطرد في جميع ما أُلهم إليه البشر ممّا هو دون هذه في الجدوى، وقد كان ذلك اللّباسُ الذي نزل به آدم هو أصل اللّباس الذي يستعمله البشر .
وهذا تنبيه على أنّ اللّباس من أصل الفطرة الإنسانيّة ، والفطرة أوّل أصول الإسْلام ، وأنّه ممّا كرم الله به النّوع منذ ظهوره في الأرض ، وفي هذا تعريض بالمشركين إذ جعلوا من قرباتهم نزع لباسهم بأن يحجّوا عُراة.
كلَّما ازدادَ سترُ الجسمِ تقدَّمَت البشريّةُ وارتَفعَت الحَضارةُ وحَسُنَ الذّوقُ، وتنحدرُ البشريةُ إلى أسفلَ بقدرِ استغنائها عن اللباسِ.