د. نوآل العيــد
إن تعييركِ لأختك بذنبها أعظم إثماً من ذنبها، وأشد من معصيتها؛ لما فيه من تزكية للنفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أختك قد باءت به.. ولعل شعورها بذنبها، وما أحدث لها من الذِّلة، والخضوع، والازدراء على نفسها، والتخلص من مرض الكبر والعُجب، ووقوفها بين يدي الله ناكسة الرأس، خاشعة الطرف، منكسرة القلب، أنفع لها وخير من صولة طاعتك، والاعتداد والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب تلك العاصية من رحمة الله، وما أقرب هذه المدللة من مقت الله، فذنب تَذِلِّي به لديه أحب إليه من طاعة تدلي بها عليه، وإنك إن تبيتي نائمة وتصبحي نادمة، خير من أن تبيتي قائمة وتصبحي معجبة، فإن المُعجب لا يصعد له عملٌ، وإنك أن تضحكي وأنت معترفة، خيرٌ من أن تبكي وأنت مدلة، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين، ولعل الله أسقاها بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلاً هو فيك فلا تشعرين.
وتأملي قول الله لأعلم الخلق به، وأقربهم إليه وسيلة {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} (الاسراء:74) ويقول الله على لسان يوسف الصديق: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}(يوسف: 33) فكيف تأمنين أنت على نفسك؟
جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن جندب أن رسول الله حدَّث أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك.
ومرَّ أبو الدرداء على رجل قد أصاب ذنباً فكانوا يسبونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه قالوا: بلى قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا: أتبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.
إن الأولى بالمسلم أن لا يُعَيِّر أخاه بذنب، أو يهزأ منه بمعصية، بل عليه أن يكون مرآة له تعكس حسنه وقبيحه، ولا تُطْلع على ذلك غيره..
إن جلد الذوات ليس من هديه .. أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب أن رجلاً على عهد النبي كان اسمه عبدالله، وكان يلقب حماراً، وكان يُضحك رسول الله ، وكان النبي قد جلده في الشراب، فأُتِي به يوماً فأُمِر به فجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي : "لا تلعنوه.. فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله" وأخرج بعده من حديث أبي هريرة قال: أُتي النبي بسكران فأمر بضربه، فمنَّا من يضربه بيده، ومنا من يضربه بنعله، ومنا من يضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: ما له أخزاه الله، فقال رسول الله : "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم"
أيتها الكريمة.. احمدي الله أن هداك، وللطاعة اجتباك، ولا تعيِّري أخية لك بذنب، بل انصحيها وادعي الله لها، ولا تكوني عوناً للشيطان عليها.