فصل
في بُطلان ِ صَلاةِ مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ اتفاقا مِنْ غيْرِ قصْدٍ له
أَمّا مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ اتفاقا مِنْ غيْرِ قصْدٍ لهُ ، وَهُوَ عَالِمٌ بهِ وَباِلحكمِ : فلا تجُوْزُ صَلاتهُ أَيضًا وَلا تصِحُّ ، كمَا لا يَجُوْزُ السُّجُوْدُ للهِ سُبْحَانهُ بيْنَ يَدَيْ صَنَمٍ أَوْ نارٍ، أَوْ غيْرِ ذلِك َ مِمّا يُعْبَدُ مِنْ دُوْن ِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ .
لِمَا في ذلِك َ مِنَ التَّشَبُّهِ بعُبّادِ الأَوْثان ِ، وَفتْحِ بَابٍ لِلصَّلاةِ عِنْدَهَا ، وَاتهَامِ مَنْ يَرَاهُ أَنهُ قصَدَ الصَّلاة َ عِنْدَهَا ، أَوْ أَنْ يَقتَدِيَ بَعْضُ الجهّالُ بهِ إنْ كانَ مَتْبُوْعًا .
وَلأَنَّ ذلِك َ مَظِنة ُ تِلك َ المفسَدَةِ ، فيعلقُ الحكمُ بهَا ، لأَنَّ الحِكمَة َ قدْ لا تنْضَبط ُ، وَلأَنَّ في ذلِك َ حَسْمًا لِهَذِهِ المادَّةِ ، وَتَحْقِيْقَ الإخْلاص ِ وَالتَّوْحِيْدِ ، وَزَجْرًا لِلنفوْس ِ أَنْ تتعَرَّضَ لِلقبوْرِ بعِبَادَةٍ ، وَتقبيْحًا لِحَال ِ مَنْ يَفعَلُ ذلك .
وَلِهَذَا نهَى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَ طلوْعِ الشَّمْس ِ، لأَنَّ الكفارَ يَسْجِدُوْنَ لِلشَّمْس ِحِيْنَئِذٍ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»(832) إبْعَادًا لِلمُؤْمِنِيْنَ عَنْ مُشابَهَةِ المشْرِكِيْنَ ، وَحَذَرًا مِنْ سُلوْكِ طرِيْقِهمْ المهيْن .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ في«شَرْحِ العُمْدَةِ» بَعْدَ أَنْ ذكرَ مَا سَبقَ (2/461) وَكذَلِك َ قصْدُهُ – أَي القبْرَ – لِلصَّلاةِ فِيْهِ ، وَإنْ كانَ أَغلظ َ، لكِنْ هَذَا البَابُ سَوَّى في النَّهْيِّ فِيْهِ بَيْنَ القاصِدِ وَغيْرِ القاصِدِ ، سَدًّا لِبَابِ الفسَاد).
وَقالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ في مَوْضِعٍ آخَرَ - كمَا في «مَجْمُوْعِ الفتَاوَى»(27/489)- وَقدْ نهَى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَ طلوْعِ الشَّمْس ِ وَعِنْدَ غرُوْبهَا ، وَعِنْدَ وُجُوْدِهَا فِي كبدِ السَّمَاءِ ، وَقالَ:«إنهُ حِيْنَئِذٍ يَسْجُدُ لهَا الكفار»[م(832)] فنَهَى عَنْ ذلِك َ، لِمَا فيْهِ مِنَ المشابهَةِ لهمْ ، وَإنْ لمْ يَقصِدِ المصَلي السُّجُوْدَ إلا َّ لِلوَاحِدِ المعْبُوْد)اه .