د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام
أقترح إجراء تدريبات للسلامة تقوم عليها نساء مؤهلات دربن في الدفاع المدني ويعملن من خلاله، على أن تكون هذه الدورات كرخص القيادة ملزمة لكافة الطالبات والعاملات في مؤسساتنا التعليمية وفي غيرها من مؤسساتنا النسائية.
كان صباحي مبهجا قبل أن أمسك صحيفة الوطن السعودية خلال الأسبوع الماضي، لأقرأ خبر الحريق الذي حدث في مبنى الأقسام العلمية للبنات في جامعة الملك خالد بأبها، فمع أنه لم يسفر ـ بحمد الله ـ عن إصابات مميتة إلا أن الحالات المصابة لم تكن هينة، فقد خلفت 31 إصابة ما بين اختناق وإغماء، شملت اختناق أحد رجال الدفاع المدني وهو يحاول إطفاء الحريق جزاه الله خيرا.
إن حدوث حرائق في مؤسساتنا التعليمية المخصصة للقطاع النسائي أمر مقلق للغاية، وهو ما يستلزم تحرك الجهات المختصة على الفور للبحث عن أسباب هذه الحوادث، وعن تكرارها في الآونة الأخيرة، (فلكل سبب مسبب ولكل حركة محرك) وبالتالي لا بد من وجود تفسير مقنع لا يعتمد التسويف ولا يخفي الحقائق ولا يبحث عن أعذار واهية، ولا يحاول إلقاء اللوم على الأبرياء، كما لا بد من الإعلان عن النتائج التي تظهر أسباب الحريق الحقيقية وراء وقوعها سواء في جدة أو في أبها أو في غيرهما، فهذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، فقد تكررت في الآونة الأخيرة وبشكل مزعج، ونحن نذكر وسنبقى نذكر الحريق الذي وقع منذ أسابيع في مدرسة براعم الوطن في جدة، الذي لم يسفر فقط عن إصابات استدعت بقاء صاحباتها في حجر الإنعاش، بل عن فقداننا لأرواح نساء فاضلات انتقلن إلى رحمة الله سبحانه وهن على رأس العمل، وضربن في ذلك أروع الأمثلة للتفاني والإيثار والإخلاص لدينهن ولوطنهن ولعملهن كمعلمات، رحمهن الله وأسكنهن فسيح جناته.
إن القضية التي أعرضها اليوم لا تتناول حريقا لن يسفر عن خسائر في الأرواح بل تتناول نشوب حريق.. أي حريق، فالحريق بحد ذاته هو خط أحمر علينا التعامل معه بحذر شديد، خاصة أن وسائل السلامة في كل المواقع تكاد تكون معدومة تماما، كما أن التعامل الأمثل مع مثل هذه الأوضاع مغيب تماما عند العاملات في مؤسساتنا التعليمية، ومن الطبيعي والحال هذه أن تكون مغيبة بالنسبة للطالبات، فالأوضاع في كل منها تبدو متشابهة، فجرس الإنذار دوما لا يعمل ومخارج الطوارئ سيئة لا تفي بالغرض، ومن المناسب هنا ذكر أن حريقا اندلع في مؤسسة تعليمية في المنطقة الشرقية قبل أيام من حريق مدرسة براعم الوطن، إلا أن الإدارة بادرت بإخلاء المكان وإبلاغ الدفاع المدني الذي تمكن من القيام بمهامه ودون أي إصابات بحمد الله.
ومن هنا أقترح إجراء تدريبات للسلامة تقوم عليها نساء مؤهلات دربن في الدفاع المدني ويعملن من خلاله، على أن تكون هذه الدورات كرخص القيادة ملزمة لكافة الطالبات والعاملات في مؤسساتنا التعليمية وفي غيرها من مؤسساتنا النسائية، سواء كانت تابعة للقطاع العام أو الخاص، فالواقع المشاهد يؤكد أن النساء بطبيعتهن لا يملكن قوة وصلابة الرجال، فهن لسن أبطالا إلا إذا تعلق الأمر بأمومتهن وما يترتب عليها من صبر وجلد، وما يقمن به من تضحيات تتعلق بشكل مباشر بإحساسهن الفطري بالأمومة، ومن جانب آخر على الدفاع المدني الكشف وبشكل دوري على كافة مؤسساتنا العامة والخاصة وكتابة تقارير حول صلاحيتها والتزامها بشروط السلامة، على أن يتحمل الدفاع المدني وكاتب التقرير جزءا من المسؤولية لو استجد حادث يتعلق بانعدام وسائل السلامة في مبنى نال شهادة الأمن والسلامة من الدفاع المدني.
وهنا أجد أنه من المناسب إظهار امتعاضي الشديد من تعامل أغلب مؤسساتنا التعليمية مع نون النسوة، فالمباني الحديثة المجهزة بأحدث المعامل والمختبرات بما فيها من وسائل السلامة العالية الجودة تخصص عادة للطلاب دون الطالبات!
فإلى متى تجلس بناتنا في المؤخرة؟! مع أن التحصيل العلمي يؤكد وبشكل ملحوظ تفوق الطالبات على الطلاب، وأنا هنا لا أقلل من قيمة أبنائنا الطلاب حفظهم الله وبارك بهم، فأنا أم، وأحب أبناءنا كغيري من الأمهات، وأعتز وافتخر بهم حفظهم الله وبارك بهم، ولكني لا أقبل أن تتم معاملة بناتي الطالبات على أنهن من الدرجة الثانية، فبعض العاملين في تلك الإدارات يعتقدون أن السماح لبناتنا بالخروج من الجامعة سافرات متبرجات دليل احترامهن، في حين يتعاملن معهن داخل الدائرة كقصّر لا صوت لهن ولا حقوقا.
وأنا هنا أحمد المولى على وجود (جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن) التي تعد أكبر جامعة بنات على مستوى العالم من حيث الكليات والإمكانيات المتوفرة فيها، إذ تم إنشاؤها على مساحة ثمانية ملايين متر مربع وبتكلفة إجمالية تزيد عن عشرين مليار ريال، وأنا إن كنت لا أطمع بتكرار هذه التجربة إلا أني أطالب ببعض الإنصاف.. فنحن لا نريد لبناتنا الموت حرقا أو قهرا، وهنا يحضرني قول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام (رفقاً بالقوارير) فالنساء لا يقبلن طواعية الحياة الخشنة الجافة التي تتناسب وطبيعة الرجال، فلنعامل بناتنا كما نعامل أبناءنا بإنصاف واحترام، ولنراع طبيعة كل منهم بحسب الفطرة التي خلقوا عليها.
أختم حديثي إليكم بذكر قول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: (اللهم إِني أَعوذ بِك منَ التردي والهدمِ والغرق والحرِيق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا، وأعوذ بك أن أموت لديغا).