14-03-11, 11:46 AM | المشاركة رقم: 33 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
بنت الديره
المنتدى :
بيت القصـص والعبـــــــر
الحلقة الواحدة والستون على ذكر المكتبة اتصل علي شيخنا رحمه الله يوما وقال: سيأتيك أحد الأكاديميين ويريد تصوير بعض المخطوطات .. حيث تحتوي المكتبة على خزانة بها عدد بسيط من المخطوطات القديمة وبعضها كتبت منذ ثمانية قرون.. وقد سبق وقمت بفرزها وترتيبها وفهرستها بأمر شيخنا رحمه الله.. عجيب أمر المخطوطات!! ما زلت أتذكر أنني كنت أجلس في جوف الليالي الهادئة والناس نيام والشوارع ساكنة .. كنت أشعل ضوء المكتبة الخافت وأجلس أتصفح تلك المخطوطات فأشعر بسكينة عجيبة حيث أنني أنتقل لخمسة قرون خلت أو أكثر وأجلس مع ذلك الشيخ أو ذلك الطالب الذي حنى ظهره وكلت يده في شدة الحر والجوع والمخمصة وهو يدون تلك التحفة العظيمة .. لا أدري لو أن الله تعالى قدر على طلبة علم هذا الزمان المترفين !! أن يرجعوا لتلك الأزمان الغابرة مدة شهر واحد فقط ماهم فاعلون؟؟؟ جاءني ذلك الأكاديمي المذكور .. وجهه أبيض مشرب بحمرة يلبس مرآة نظر الوجه عذب اللسان بسيط أنيس .. انشرح له قلبي منذ أن رأيته .. عرفني بنفسي قال : أنا أخوك عمر السبيل !! والذي صار لا حقا إمام الحرم الشريف .. وفجعنا بموته رحمه الله بعد سنوات جعل الفردوس الأعلى مثواه.. كان يريد مخطوطة عن الألغاز .. فتشت له عنها واستخرجتها له .. أقفل المخطوطة ونسينا أمرها وبقينا في المكتبة نتحدث ولم نشعر حتى انتصف الليل.. أمثال الشيخ عمر جلست معهم ساعات معدودة ولكن كلماتهم الصادقة ولطفهم وسماحة نفوسهم تبقى خالدة في النفس حتى الممات .. ووالله لو كنت أنظم النثر لرثيته فنعم الرجل عمر .. رحمة الله عليه وخلف الله على والديه خيرا فيه.. استدعاني الشيخ في تلك الأيام وأدخلني لملحق بيته وقال لي وكان صارما: أريدك أن تكون صادقا معي فيما أسألك عنه!! نظرت في عينيه وقلت له : والله سأكون معك صادقا إن شاء الله .. وانتابتني قشعريرة وخشيت أن يكون أحدهم ( وما أكثرهم) قد لبسني تهمة جديدة!! قال : هل تجيبني عما أسألك عنه مهما كان ..؟؟ قلت : أفعل إن شاء الله .. قال : بلغني من أحدهم أن عليك دينا لبعض الأشخاص في الطائف قبل قدومك لعنيزة هل هذا صحيح؟؟ خجلت والله واستحييت أن أكلم الشيخ في مثل هذه الأمور .. وكنت أعلم أن الشخص الذي نقل له الخبر هو الأخ محمد زين العابدين .. وقد أخبرت محمد منذ مدة عن ذلك حينما كانت الفتنة بيني وبين صاحبنا حامية .. ولا أذكر مناسبة ذكر هذا الموضوع ولكنه الشخص الوحيد الذي أخبرته.. رفعت رأسي وتشجعت وقلت له : نعم علي دين .. أرخى رأسه وأحنى جفنه وأخفض صوته معاتبا.. قال : لم لم تخبرني ؟؟ ألم اقل لوالدك أنك تحت رعايتي ؟؟ لم أستطع الجواب واحترت !! استجمعت قواي وقلت له: يا شيخنا تلك أمور حدثت في الماضي قبل قدومي عليك ولم أكن تشرفت بمعرفتك .. قال مقاطعا: ولكن المال ما زال في ذمتك .. والناس لن تتركك فكيف تريد أن تطلب العلم وأنت مشغول بهم؟؟؟ آمرك بكتابة تلك الديون وسوف أسددها عنك .. قلت له : أبدا والله !! قاطعني وقال: يجب أن أسددها حتى تريح بالي وبالك .. ثم قال:وثق تماما أنني سأوفي دينك من مالي الخاص وليس من أموال الزكاة أو الصدقة حتى لا أكون مجاملا معك من أموال المسلمين!! ثم ناولني ورقة وطلب مني تدوين تلك الأسماء ومالهم علي .. فكتبت ودخل لبيته ولم يطل الغياب ثم ناولني المبلغ كاملا وزاد عليه وقال لي :هذا هو المبلغ ومعه نفقتك تسافر اليوم وتسدد للناس مالهم.. ثم اتبع ذلك قائلا لي وأشار بيده : أنت في حرج مني إن احتجت ريالا أو مئة ألف إلا طلبت مني فأنا في مقام والدك فلا تتحرج مني!! قبلته بين عينيه وقبلت يده .. وخرجت من عنده وأنا محتار من كرم هذا الرجل .. كنت أتساءل من قبل ولعلكم أنتم تساءلتم مثلي: نرى كثيرا من المشائخ وأهل العلم ولكن قليل منهم من لهم قبول في القلوب لماذا؟؟ حينما اختلطت بشيخنا وعاشرته كنت أراه رغم علمه وجلالة قدره بشرا .. يأكل وينام ويمشي في الطرقات ويتعب ويمرض ويغضب ..الخ ولكن حينما رأيت أفعاله وتصرفاته معي ومع غيري عرفت أن الله تعالى المطلع على أفعال العباد في السر والشهادة هو الذي يبعث القبول للصالحين في قلوب البشر..وغير البشر!! لا تتعجبوا من ذلك إخوتي أخواتي .. ذكر لي الشيخ بنفسه قال لي : جاءه رجل من قراء عنيزة المعروفين وذكر له أنه قرأ على احد الممسوسين بالجن وأنه تحدث معي الجني ومن حديثه انه قال له ( أي الجني): إن جدي مطوع يحضر درس ابن عثيمين في الجامع!! مرت الأيام والليالي وانتهى موسم الدراسة وجاءت الإجازة الصيفية.. حيث يتكثف برنامج الدروس .. وتأتي لعنيزة كوكبة و دماء جديدة ووجوه أخرى من مناطق المملكة وخارجها .. غالبها تأتي للدراسة في إجازة الصيف ثم ترجع لموطنها.. ومنهم من يحالفه الحظ فيبقى وإنه لذو حظ عظيم !! وقد كان شيخنا يهتم بهؤلاء الطلبة كون غالبهم لا يستطيع المكوث طويل فيخصهم بمادة نحو الفرائض أو متن في الأصول أو النحو أو نحو ذلك بحيث يرجع الواحد منهم وقد درس متنا كاملا بالإضافة للدروس الأخرى أذكر أنه جاءنا في سنة من السنوات طلاب من دولة روسيا يدرسون في الجامعة الإسلامية .... وفي سنة من السنوات جاءنا حوالي العشرون شابا اهتدوا للسنة بعد أن كانوا على المذهب الإسماعيلي الضال.. وقد اهتم بهم شيخنا جدا حتى أنه خصهم بدرس في بيته كل صباح في العقيدة.. استمعت مرة لشريط لشيخنا حيث أنه زاره في مسجده في عنيزة عدد من الجنود الأمريكان الذين أسلموا في حرب الخليج يقول لي الشيخ عن تلك الجلسة.. كانوا ضخام الأجسام طوالا وأجلستهم في مكان الدرس المعتاد .. وحيث أنهم يبدوا لم يعتادوا الجلوس على الأرض فقد تمدد بعضهم واتكئ على يده أمام الشيخ ..!! يقول الشيخ :ولم أرد أن أعلق على أن ذلك من سؤ الأدب رأفة بهم لحداثة إسلامهم.. يستمر ذلك البرنامج الصيفي حوالي الشهر تقريبا بعده يسافر شيخنا لمدينة الطائف لحضور اجتماع هيئة كبار العلماء كما هو معروف.. وكنت رفيق شيخنا في تلك السفرة للطائف.. توجهنا لجده ومنها توجهنا لمكة لأداء العمرة.. وكان في رفقتنا في تلك العمرة الأستاذ عبد الرحمن العثيمين أخا الشيخ وكذلك ابنه الصغير عبد الرحيم.. بالإضافة للأخ علي السهلي.. انتهينا من أداء المناسك سريعا ثم توجهنا بعد العصر للطائف.. وكان مسيرنا عن طريق المسيال وليس عن طريق جبل الهدى .. كان الجو ممطرا وكنت فرحا مسرورا للغاية وذلك أن شيخنا سوف يزورن في منزلنا في الطائف.. قلت له: والله بتنور بيتنا ياشيخ بقدومكم .. فرد علي ابن الشيخ عبد الرحيم : بتنور كل الطائف مو بيتكم فقط!! فضحكنا من جوابه ونباهته رغم حداثة سنه.. وصلنا فكان الوالد رحمه الله في استقبالنا عند باب البيت.. ولا تسل عن فرحه وابتهاجه بنزول الشيخ محمد عندنا.. كان الوقت عصر تقريبا .. حينما وضع شيخنا قدمه في البيت .. قلت في نفسي : ياسبحان الكريم الخالق .. ابن عثيمين إمام المسلمين وعالمهم وفقهيهم بنفسه يدخل بيتنا .. كأنني أقول لأبي حينها : قد أغضبتك أنت ووالدتي بهروبي وهاأنذا اثبت لك يا أبي أن الله تعالى تولاني ورحمني ومن علي .. فهذا الشيخ ابن عثيمين يأتيك زائرا بنفسه إكراما لك ولابنك وأهل بيتك فهل تريد برهانا انصع من هذا البرهان؟؟ ولكأن أبي قال في نفسه : تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين !! استغفر الله من زلل القلم فعفوا إخوتي .. إن لطعم ذلك اليوم مذاق خاص .. تستمر حلاوته كلما استذكرته فاللهم اغفر لأبي وشيخي يا ارحم الراحمين حينما دخل شيخنا لمجلس المنزل وكان في صدره صورة كبيرة معلقة لأخي الكبير محمد رحمه الله وكنت جهدت من قبل مع أبي أن ينزع تلك الصورة كون تعليقها محرما ويمنع دخول الملائكة كما هو المشهور من كلام أهل العلم. ولكنه رحمه الله كان يتحجج بحجج كثيرة ويرفض رفعها.. حينما دخل الشيخ لفت نظرة تلك الصورة .. فقال لأبي : يابو محمد أطمس هذه الصورة .. فقام أبي من فوره وأخفاها عن نظر الشيخ ولم يرجعها ابدا !!
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|