ما أروعها من جملة ، وما أطيبها من كلمة ، جامعة مانعة ,تجمع
بين السهولة والقوة ؛ سهولة اللفظ وقوة المعنى ، وبين العبودية
والعزة ، عبودية المخلوق للخالق ؛وعزة المخلوق بخالقه .
جرت العادة أن هذه الكلمة إذا سُمعت فإنها تُوحي بمصيبة
وهذا ما جاءت في القرآن لأجله؛ قال الله سبحانه وتعالى :
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }
البقرة156
ولذلك ينطقها اللسان بنبرات حزينة وربما برأس مخفوض
ووجه عبوس وقلب مكلوم.
نعم هي ترافق المصيبة وتأتي معها ؛ لكن لا لتزيدها أوتعمّق
جراحها بل لتخففها وتقوي الصبر عليها ؛وهل التعزية إلا التقوية !!؟
يقولها أهل المصائب مؤمنون بها مستسلمون لحكمها
{فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ
رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } آل عمران174
إِنَّـــا لِلّهِ وَإِنَّــــا إِلَيْــهِ رَاجِـــعونَ
تدعو إلى التفاؤل وتعني التسلية عن المصاب وتهدف إلى
رفع الروح المعنوية واستقرار الحالة النفسية وهي حصن
للمسلم من الوقوع في عدم الرضا بالقضاء ومنجاة له
من الاعتراض على القدر .
إنها تخاطب المصاب ألا تحزن فأنت ملكٌ لله سبحانه ،وألا
تتشاءم فأنت قادمٌ على الله سبحان وتعالى ومن فقدت فهو ملك
لله وقادم إليه وألا تيأس وألا تستلم وألا تقعد عن العمل .
" إِنَّـــا لِلّهِ وَإِنَّــــا إِلَيْـــهِ رَاجِـــــعونَ "
إنها اعتراف وإقرار من المصاب بأنّه ما أُصيب فيه وما فقده
من مال أو أهل أو نحوه وكل شيء حوله كل ذلك
لله سبحانه وتعالى .
وما دام الأمر كذلك وما دام أننا ومانملك ومانحب وما نجمع
فهوملك لله ، فليفعل الله بنا ما يشاء وليأخذ منا ما يشاء
، ولترضى النفس ولتطمئن الروح " فإنّا إليه راجعون " .
إذن : نحن ملكٌ لله وراجعون إليه فلماذا تقتلنا الأحزان وتهلكنا !؟
لماذا يقتلنا الحزن على حبيب سبقنا إلى الله ؟!!
ولماذا يفتك بنا الحزن ونحن وما نملك : ملكٌ الله ؟!!
إذا تيقّنا أنّ من فقدناه منّا فقد سبقنا إلى الله ، وأننا وإن تأخرنا
سنلحق به : فلنسعد ولنستعد.
" إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ "
فهو كما قال إبراهيم : {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ{78}وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ{79} وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ{80} وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ{81} الشعراء
" إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ "
ما أعظمها من تعزية ، ولأنّ التعزية تعني التقوية، فكانت
هذه الجملة العظيمة تقوية للمصاب لا تضاهيها أي تقوية
إذا كانت عقيدة وبيقين وتسليم ومن قلب سليم
تقوّى بها السحرة الذين آمنوا برب موسى وهارون على فرعون
لمّا هددهم بتقطيع أيديهم وأرجلهم وصلبهم تعزوا:
{قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } الأعراف 125 و{ قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا
إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ }الشعراء50 أي : لا ضرر علينا فيما يلحقنا
من عقاب الدنيا, إنا راجعون إلى ربنا فيعطينا النعيم المقيم
( التفسير الميسر )
ولا نختلف أن الحزن أمر طبيعي وفطري في البشر وإن
العين لتدمع وإن القلب ليحزن على مفقود لكن لا بد للمصاب
من تسلية وتقوية فكانت هذه الهبة الربانية " إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ "
{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً }النساء87.
لذلك كانت جائزة أهلها المؤمنون بها الذين امتثلوا القول بها
لمّا أصابتهم المصيبة : {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }البقرة157
" إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ "
منهج تربوي رباني في التعامل مع المصائب والموقف
منها يحمينا بإذن الله من شر الأمراض النفسية والحالات
العصبية الناتجة عن التأثر بالمصائب ويجعل بيننا وبينها
ما بين المشرق والمغرب ويكفينا عناء البحث عن الأدوية
والعقاقير المهدِّأة والتنقل بين العيادات للبحث عن علاجات .