بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن آيات الله تعالى في كونه كثيرة خلقها الله تعالى لحكمة وأمر الناس أن يتفكروا فيها ويعقلوها
وبين انه لا يعقلها إلا العالمون . وأمر بالتفكر والتدبر فيها وبين أن فيها آيات لأهل العقول والألباب
فقال سبحانه( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لقوم يعقلون ... .البقرة آية164) .
وبين أن تعاقب الليل والنهار وولوج
الليل في النهار . والنهار في الليل عبرة وعظة وذكرى
فقال سبحانه : (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن اراد أن يذكر أو أراد شكورا) الفرقان أية
62
وامتن الله في آيات كثيرة على عباده بوجود الليل والنهار والظلام والنور وجعل فيها مصالح للناس في معاشهم ومعادهم
ومن هذه الآيات تعاقب الفصول في العام من شتاء وصيف وخريف وربيع
فجعل الله في هذا التعاقب مصالح شتى تعود على الإنسان في صحته وغذائه وطعامه وعبادته وعاداته
وغيرها فإن الناظر مثلا إلى حكمة الله في فصل الشتاء يجد منة الله سبحانه على
عباده إذ بهذا الفصل مصالح شتى للناس في دينهم ودنياهم فكم من ثمار وغذاء
لايطيب ولاينضج إلافي هذا الفصل وكم من المصالح الطبية التي اكتشفها الطب
الحديث من موسم البرودة.
وفي هذه الرسالة نلقي الضوء باختصار على هذا الفصل
لاسيما ونحن نستقبله هذه الأيام وننظر في آيات الله فيه ومافيه من العبر والذكرى
في نقاط سريعة:
1 1_تعاقب هذه الفصول آية من آيات الله فيه ذكرى ومواعظ تذكر الإنسان بأنه ماض إلى ربه
ومنتقل من هذه الدنيا فما هذه الفصول إلا عمر الإنسان لأن عمر الإنسان ماهو إلا
مجموعة من الإيام والأشهر والفصول والسنين كلما مضى فصل مضى جزء من عمر الإنسان وقربه إلى أجله
ولهذا قال الحسن رحمه الله (ياابن آدم إنما أنت أيام كلما مضى يوم ذهب بعضك)
وقال الشاعر:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها... وكل يوم مضى يدني من الأجل
2_في هذا الفصل ومافيه من البرودة وزمهرير الشتاء يتذكر الإنسان أمرين :
الأول : أن هذا الزمهرير جزء من عذاب أهل النار وعقوبة لهم كما جاء في الحديث الصحيح (( أن النار اشتكت إلى ربها فقالت : أكل بعضي بعضا من شدة حرارتها فأذن
الله لها بنفسين نفس في الصيف وهو اشد مانشاهد من الحرارة ونفس في الشتاء وهو البرودة))
فيتذكر الإنسان ما أعده الله لأهل الكفر والمعاصي من العذاب فيبعد عن الذنوب ويسارع في التوبة والإنابة إلى سبحانه.
الثاني : يتذكر في هذا البرد الشديد إخوانا له في ساحات القتال وفي العراء شردتهم
الحروب وتسلط عليهم الأعداء فهم ضعفا وفقراء جمعوا مابين عري الحال واللباس
بينما نحن ولله الحمد والمنة ننعم بالأمن والنعيم ونترفه بوسائل التدفئة والألبسة
والألحفة فيشكر الله سبحانه على نعمته ولا يحتقر نعمة الله ويحدث بنعمة ربه ولا
ينسى إخوانه من الدعاء والصدقة ومد يد العون كل حسب استطاعته فمن كان في
عون اخيه كان الله في عونه ويتلمس حاجات جيرانه وأقاربه وأهل بلده .
3_ في الشتاء أكبر معين على الإستزادة من الحسنات والمسابقة إلى الخيرات
فالليل طويل ينام الإنسان منه ويستيقظ ويجد وقتا لصلاة الليل ومناجاة الأسحار
والتضرع وقت النزول الإلهي حيث ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من
كل ليلة وينادي هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له... الحديث . فهو
فرصة ليعود الإنسان الحريص نفسه على صلاة الليل ولا يخفى ما ورد في فضلها
فهي أفضل صلاة بعد الفريضة ..
وفي الشتاء أيضا يقصر النهار فهي فرصة للصوم ويحصل الإنسان أجر صيام يوم
كامل بلا جهد ولامشقة ولهذا ورد في بعض الآثار تسمية صوم الشتاء بالغنيمة
الباردة . فهو أجر بلا مشقة ومما يذكر عن ابن عباس ا أنه قال :
( مرحبا بالشتاء طاب يومك للصيام وطال ليلك للقيام ) .
ومما ينبه عليه في هذا : أن يبادر من عليه صوم واجب من فرض أو كفارة أو قضاء
بصيام ماعليه في هذا الفصل فهو أيسر وأسرع في إبراء الذمة وقضاء الدين.
4_ في الشتاء تظهرالحاجة الماسة إلى الأمطار ويلجأ الناس إلى ربهم بالا ستسقاء
فإذا بفرج الله قريب ومما ينبغي أن يعلم أن الله غني كريم له الحكمة البالغة في
المنع والعطاء فلا مانع لما أعطى ولامعطي لما منع ولكنه يحب العبد الملحاح ،
والدعاء بحد ذاته عبادة فلا ييأس الناس من رحمة الله ، فالداعي مستفيد على كل
حال ولكن يجب أن يبادر الناس لتصحيح أوضاعهم والبعد عن أسباب منع القطر من
السماء فماظهر فساد ولا مصيبة في الأرض إلا بسبب الذنوب وما كسبته أيدي
الناس . ومن الخطورة بمكان أن يستغني أحد عن رحمة الله وغيثه ويعتقد أن نفعها
يخص أهل المواشي والزروع بل هي رحمة من الله حجبها عذاب وعقوبة للمجتمع .
فليتذكر كل مسلم ويأخذ العبرة من هذه الأيام وليزدد إيمانا وشكرا لنعمة الله ومنته
أن أنعم عليه بالإيمان والأمن وجعل له بيتا يأوي إليه يقيه البرد والمطر ويستر عليه
وذريته قال سبحانه : (والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا
وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر و سرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ) النحل آية 81.