جريدة أخبار الخليج – بريد القراء - تاريخ النشر : السبت ١٨ فبراير ٢٠١٢
في السياسة لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون بل مصالح فقط، والأحداث المؤسفة التي مرت بها البلاد أكدت ذلك وبقوة وأثبتت أن البحرين مستهدفة وأن هناك قوى شر تريد ابتلاعها، التاريخ حافل بالأحداث الجسام والنكبات والتهديدات والمخاطر والأطماع الأجنبية، وما حدث في فبراير الماضي كان تمرداً وفتنةً طائفيةً وانقلابا وأطماع خارجية، ومحاولة استغلال موجة الاحتجاجات التي تعصف بالعالم العربي لتوظيفها في خدمة أهداف طائفية وسياسية، ورغم آلامنا، فإن ما حدث نحسبه خيراً فهذه الأزمة أسقطت الأقنعة التنكرية: سقوط قناع الوطنية عن كثير من المنافقين والخونة والعملاء وسقوط قناع الحماية الغربية المزعومة، دول الغرب لا تعرف سوى مصالحها، أمريكا كشفت زيفها وبريطانيا كشفت تلاعبها وهم جميعا يميلون حيث مالت الريح، ويضحون بالأصدقاء من أجل مصالحهم، وهم وراء إشعال الحرائق في العالم الإسلامي، وأثبتت الأيام أن هؤلاء لا أمان لهم ولا عهد، هذه الأزمة أماطت اللثام عن الكثير وأخرجت الحيات والعقارب والثعابين من جحورها.
كل دول العالم أعداؤها من الخارج إلا البحرين المؤامرات تحاك ضدها من الداخل وممن يأكل من خيرها ويعيش على أرضها، ثم يخونها ويطعنها. المحنة لا يمكن وصفها وما زادها ألماً وفجيعة أنها بدرت من أبنائها، مواطنون تفيض قلوبهم حقدا وكراهية ولا يتمنون إلا الشر للبحرين الذين تنكروا لها في وقت الضيق وضربوا عرض الحائط بجميع الاعتبارات سوى الطائفية، كانت طعنة وموقف الخزي والعار والغدر من فئة أنكرت المعروف وجحدت النعمة في وطن قدم لهم الكثير من الخير والكرم والدعم والرعاية والاهتمام، وعندما حان وقت رد الجميل خانوا ونكروا بطعنات متتالية في جسد هذا الوطن، في هذه الأحداث يرفع المتظاهرون شعار سلمية بيد وباليد الأخرى يحملون فأساً أو سكيناً أوعصا ويطعنون أخاهم البحريني أو يدهسون رجال الأمن ويعيدون الدهس مراراً وتكراراً ويشلون حركة البلاد وتعم الفوضى ويدعون إلى رفع المشانق والإعدام، السلمية المغلفة بالعدوانية والجريمة والعنف، أشعلوا نيران الفتنة والعنف ووقفوا ضد هذا الوطن المعطاء وطن التعايش والحب والسلام والخير، وهذه الأرض الطيبة المباركة ربت وأنفقت ليعيشوا في عزة وكرامة، مارسوا حقوقهم كاملة، هذا الوطن أعطى الكثير وما زال يعطي، بدلا من أن يصبحوا جنودا لهذا الوطن كانوا سيوفا عليها، ولو صدر ذلك من فقراء ومعدمين أو من طائفة تم ظلمها أو التضييق عليها في معيشتها أو في ممارسة شعائرها الدينية لوجدنا العذر لهم، ولكن هؤلاء وصلوا إلى أعلى المراتب وأصبحوا وزراء بل هم في وظائف عليا مثل الطب والتعليم والهندسة، ويفترض أن يكونوا أول من يستنكر ويقف ضد هذه المؤامرة ولكن المشكلة تكمن في الطائفية البغيضة والانسياق خلف شعارات ووعود جوفاء كاذبة لا مكان لها من التحقق على أرض الواقع.
الفتن الطائفية مدمرة وعواقبها وخيمة، مرض الطائفية انتشر في البحرين بشكل لم يسبق له مثيل والاحتقان الطائفي كل يوم يزيد ونحن في وضع أحوج ما نكون إليه لمعالجة هذا المرض وإجراء عمليات جراحية لاستئصال جروحه النازفة. إن هذه التجربة المريرة تفرض جملةً من الحقائق والدروس وإعادة النظر في العملاء الخونة والحذر من أصحاب الولاءات المشبوهة وزوار السفارات والدول المشبوهة، إن أمثال هؤلاء لا تنفع معهم المفاوضات ولا الحوارات، ولا تقر في أعينهم سياسة العفو والتسامح، كما أن هناك نوعا من البشر لا يمكن ردعه ووضع حد لجرائمه ما لم يتم التعامل معه بقوة ليرتدع ويتوقف عن ارتكاب الجرائم، لذلك جاء الخطاب القرآني مع أمثال هؤلاء قاسيا وعنيفا ورادعا وشديدا لأن خطرهم كبير قد يؤدي إلى كوارث اجتماعية وانسانية مرعبة وإلى فساد كبير، جميعاً نريد عمل يرأب الصدع ويقضي على الفتنة ويوقف نزيف الدم والعنف، ووضع حلول قابلة للتطبيق على أرض الواقع، إن لم نقطع دابر الفتنة والإرهاب في المجتمع، وإن سكتنا عن الذين يشعلون الفتن ويختبئون في الجحور، وإن أمنّا غدر الذين يعيشون بيننا ويدعون أنهم في صفنا ثم يخذلوننا ويطعنوننا في الخلف، وإن لم نحذر من المنافقين الذين يتقلبون عندما تدور الدوائر، وأخيرا إن لم نقض على الفتنة في بدايتها قبل أن تأكل الأخضر واليابس فإن الجميع سوف يحترق بنار لا يستطيع أحد إخمادها. إن الأمة القوية لا تهزم من الخارج قبل أن يقضي عليها أبناؤها أولاً من الداخل.