في السابق وفي زمن مضى كانت صورة العربي في نظر الغرب أنه لص وقاطع طريق، وفي الوقت الحاضر هو إرهابي متطرف.. هذه هي صورة العرب عند الغرب، ومع توالي الأحداث وتكالب الأمم على المسلمين صارت الأمة الإسلامية تتعرض لنكبات وأزمات ومصائب جسام وكوارث عظام، ووقوع المسلمين في الأسر والمعتقلات والزج بهم في سجون لا تراعي حقوقاً ولا حرمات، والشعوب الإسلامية باتت تعيش في الوقت الحاضر أسوأ مراحل تاريخها وأكثر فترات حياتها ظلمة فزادت معاناة المسلمين حيث تداعت عليهم الأمم وشنت عليهم حروباً وحملات هوجاء، ولا خلاف على أننا نعيش زمن الذل والهوان العربي في ظل أزمة مستفحلة في عالمنا العربي ضمن أزمات كثيرة، الذل والهوان اللذين نتجرعهما صباح مساء، فما أن نفيق من صدمة حتى نصحو على أخرى أشد وقعاً.. أمة ينهشها المفترسون، وأصبحت الأمة العربية هزيلة ضعيفة فاقدة التوازن لا تستطيع الوقوف على قدميها، حبيسة الإرادة الدولية، لا تستطيع الفكاك عن سطوتها، وهذا جاء نتيجة انحراف هذه الأمة عن رابط التضامن والتعاون والتواد والتراحم وانجرافها نحو الحروب الطاحنة المستمرة فيما بينها والصراعات الداخلية المقيتة، فدولنا كانت ولا تزال محط الأطماع، وبالرغم مما يشاع بأننا قد تخلصنا من الاستعمار منذ عشرات السنين فإن الاستعمار ظل في حياتنا جسداً وروحاً وأفقدنا كرامتنا وجعلنا في ذل للغرب.
هذه حقيقة يجب أن ندركها وأن لا نطمسها أو نحاول أن ندفنها، فحال المسلمين والعرب يدمي القلب، فنحن نتعامل مع بعضنا البعض كالأسود، أما مع الآخرين فنحن كالنعام، نعيش عصر الجُبن، بالرغم من أن الإسلام يدعونا إلى أن نكون عزيزين وذوي قوة، وتعاليمه كلها تدفع نحو تحقيق العزة والقوة للمسلمين وإبعادهم عن الذل، ولكن الواقع بعيد جداً ومختلف، فنحن نعيش الذل والتمزق والتشتت والصراع والهزيمة، وأعداء الإسلام فرحون بما يدسونه بيننا من الفرقة والاختلاف ويتحينون الفرص ليكرسوا إذلال المسلمين والاستهانة بهم وبالإسلام، ونحن ساكتون عن تلك السياسات الخرقاء وعن تدنيس المقدسات وعن المجازر التي ترتكب في حق هذه الأمة وعن الحروب التي تخضع لها باسم محاربة الإرهاب وملاحقة المتطرفين وغيرها من المسميات كذرائع لإعلان الحرب علينا وإذلالنا.. بل إننا أعلنا الحرب على بعضنا البعض وتركنا الأعداء فرحين بهذا الاقتتال والضعف والخنوع الذي آل إليه حالنا.
أين هي الأمة من عهد الرسول الكريم وأصحابه؟ وأين الوحدة العربية؟ إننا نريد عهد الصديق وعروبة الفاروق والصحابة، عروبة العز والكرامة، وليس عروبة الذل والمهانة.. أين نحن من المرأة التي قالت (وامعتصماه) فاجتمع الجيش بأكمله لنصرتها.. امرأة صرخت في زمن كثر فيه الرجال وقل فيه الضعف والهوان فأجابها رجال بل جيوش صدقوا ما عاهدوا الله عليه، أما في زماننا الحاضر فإن رجالاً ونساءاً وأطفالاً وشعوباً وأمماً تصرخ وتستنجد، والجواب استنكار وشجب ولا حياة لمن تنادي.. قتل واغتصاب ومصائب تلو المصائب يشيب لها العقل والقلب قبل الرأس، بل أصبحت هذه المصطلحات أمراً عادياً تمر علينا كل يوم حتى أصبحت قلوبنا وصدورنا مغلقة وميتة.. أمة تحتضر.. نائمة في سبات عميق.. هوت من قمة الكرامة إلى سفوح الذل، ومن العزة والقوة إلى المهانة والضعف..أمة باعت ضميرها وخذلت الحق وتمرغت في التراب..أمة ممزقة منقسمة تعاني من النعرات الطائفية ومن التشتت والضياع، وإن ما نراه ونسمعه اليوم من أحداث تدمي القلوب قبل المدامع ويندى لها جبين الحر في زمن قل فيه الأحرار.
إذا كنا نصبو إلى التطور والنهضة فلابد من التحرر من الذل أولاً، وتوحيد الصفوف، فصوت الوحدة هو الذي سوف يرفعنا عالياً ويعزنا، ونبذ الفرقة والاختلاف والاقتتال بيننا. إننا نتكلم عن أمة كبيرة يجب أن تتوحد، وحتى تتحقق تلك الوحدة يجب أن تتوحد مجتمعاتنا في داخلها أولاً، حيث إننا إذا نظرنا إلى حالنا في الوطن الواحد أو المجتمع الواحد فإننا نجد مجتمعاً يمزقه التشتت والفرقة، حيث الكبير يذل الصغير، والغني يذل الفقير، والقوي يذل الضعيف، وتأملوا حال الأمة الآن واحكموا، فإلى متى هذا الذل والهوان؟ وإلى متى يجهل العرب إننا في زمن القوة وأن العالم لا يصغي إلا للأقوياء.