الجسد إن اعتنيت به كان قويا صحيا نشيطا، وإن أهملته صار رخوا ضعيفا، وكذا الكتابة؛ فإن كثرة ممارسة الكتابة وإفراغ ما في النفس على الورق يقوي هذه الملَكة، ولو كان الإفراغ بينك وبين نفسك، وإهمال ذلك يرخي عنان الكتابة، وقد تجد من نفسك رغبة في إخراج مشاعرك لكنك تعجز والسبب أنك أهملت تمرين الكتابة كمن يهمل تمارين جسمه. فكل منا يملك قلما بل أقلاما، وكل منا يعرف كيف يمسك القلم لكن السؤال: هل تعرف ماذا تكتب؟ ولمن تكتب؟ ومتى تكتب؟ ليست العبرة أن تملك قلما لتكتب، بل العبرة أن تملك فكرة لتكتبها، نعم إنها الفكرة. هل مرّ عليك أن أخرجت القلم من غمده ثم سللته لتكتب وفجأة اكتشفت أنك عاجز عن إمضائه؟ كمن سل سيفه وشهره ثم عجز عن الضرب به؟.
إنّ عجزك عن الكتابة ليس لأنك تجهل الحروف والكلمات، كلا؛ إنما لجهلك بالأفكار التي تريد أن تكتبها. قد تقول: بل لدي الفكرة التي أريد أن أكتب عنها ولكن أيضا أجدني عاجزا عن الكتابة والتعبير فما السبب؟ السبب هنا لأنك لا تملك المفردات اللغوية المناسبة لهذه الفكرة.
إذن حتى نكتب نحتاج لهذه الأمور على الترتيب التنازلي: فكرة، ثم مفردات. دعنا الآن نعكس ونرقى تصاعديا ونقول: إن أول ما تحتاجه لتكتب هي: 1- المفردات اللغوية وهي ما تسمى "بالثروة اللغوية" أو "الإثراء اللغوي" فهي القاعدة الأس لكل من رام الكتابة. كيف نحصل هذه الثروة اللغوية؟ أرأيت الذي ينقّب في الأرض حتى يحصل على ثروة مالية؟ كذلك نحن لابد أن ننقب في الكتب، ونقرأ، ثم نقرأ، ثم نقرأ، وبهذا نتحصل على ثروة لغوية هائلة. 2- الفكرة وهي الموضوع الذي ستكتب عنه، وهو ما اعتلج في نفسك كيف نحصل على الفكرة؟ هل أهمّك ذات يوم موضوع ما ثم بدأت تتكلم عنه؟ هذه هي الفكرة، إنها نتاج همّ اعتمل في القلب فخرج على اللسان، فالفكرة هي الرسالة التي تريد أن توصلها لمن يهمه الأمر، فمن لديه همٌّ دعوي ستكون أفكاره دعوية ثم سيكتب عنها، ومن يكون همّه اجتماعي فكذلك، وطبي... إلخ.
وكل منّا لديه هموم وأفكار، إمّا في خاصة نفسه، أو لأمته، أو لحبيب/ أو صديق، فليس أحدٌ خلوًا من الأفكار، لكن المشكلة أننا لم نعْتد أن نسطر همومنا وأفكارنا، بل جعلناها حبيسة القلوب، رهينة الصدور، كأسير رَهَقَه القيد. وليس معنى هذا أننا نكتب لغيرنا كل ما يجول بخاطرنا، فلابد من التفريق بين ما تكتبه للعموم، وما تكتبه لمن تعرف، وما تكتبه لنفسك. المهم حاول أن تسكب خلجات روحك، نثرا وشعرا؛ فإن هذا يصقل موهبتك، ويقوي لغتك، ويصفي قريحتك، إلى غيرها من فوائد الكتابة.
تنبيه: من أهم مقوّمات المقالة سلامتها من الأخطاء الإملائية؛ فإنها خدوش يشينها.