لا شك أن ثورة الاتصالات في مجال البث الفضائي والهواتف النقَّالة والمعلوماتية الرقمية، قد أحدثت تحسُّنًا كبيرًا في نوعية وسرعة الاتصالات بين الناس، كما أنَّها أفرزتْ تغييرات في وسائل الاتصال وأنماطه لا تُعَد ولا تحصى، ولكنها مع كل تلك الإيجابيات التي تُحسب لها، أحدثت تأثيرات سلبية كبيرة في حياة الناس لا يمكن تجاهُلها، أو غَضُّ النظر عنها تحت وطأة تلك الإيجابيات التي أفرزتها، فقد طال التغيير الذي أحدثته تلك التِّقنيات، بمجرد وضْعها للتداول والاستخدام الجماهيري العامِّ، معظم أنماط السلوك الجماهيري، وطريقة التواصل المستحدَثة فيما بينهم في عالم اليوم، فتِقنيَّة الاتصال الحديثة بكل أشكالها، غيَّرت طُرق تواصُلنا مع الغير اجتماعيًّا، وذلك في مختلف الجوانب الاجتماعية، والتجارية، والإعلامية، إضافة لتأثير ذلك على المِزاج العام، والسلوك الفردي بشكل واضح.
ولعل من الجدير بالملاحظة والتأمل حقًّا أن اهتمام الكثير من الشباب في مجتمعنا العربي اليوم بدأ يتحوَّل في الآونة الأخيرة من الاهتمام بهمومه اليومية التقليدية إلى شباب (إنترنت) يلاحِق بهوس زائف اهتمامات مجتمع واقع تفاعُل افتراضي بعيد عن اهتمامات واقعه الحقيقي؛ إذ يبدو أن تكنولوجيا التواصل الرقمية المتطورة - وبسبب طبيعة الفضاء المعلوماتي الحر الذي أتاحته للاستخدام الميسَّر والمفتوح في كل الاتجاهات - أفلحتْ في جذب مختلف شرائح المجتمع، وفي المقدمة منهم الشباب، وأغرتْهم بالتفاعل اليومي مع الأحداث المصطنَعة والافتراضية والانهماك بمناقشتها بلا قيود ولا ضوابط، فعزَلتهم بذلك عن الاهتمام بالإشكالات الحقيقية لمجتمعهم، التي يُفترض أن يعيشوها بمرارتها، ويُناضلوا من أجل تغييرها عمليًّا، ويتطلَّعوا نحو واقع مستهدَف أفضل، يكون بديل المستقبل لها.
ويتزايد عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت اليوم بشكل مطَّرِد، ولافت للنظر، كما تشير إلى ذلك الإحصائيات المختصة، وخصوصًا لمواقع الفيس بوك، والتويتر، واليوتيوب، في مقابل انحسار استخدام الدردشات أو الشات، ورسائل الهاتف الجوال النَّصية، لصالح الانغماس في عوالم تلك المواقع، بكل ما يؤشِّر عليها من سلبيات.
ومع أن هذه المواقع بما تُتيحه للمستخدم من حرية مطلَقة في فضائها المفتوح، يمكن أن تكون أداة حضارية عصرية للحوار البناء والتنبيه الى الكثير من التحديات الاجتماعية السلبية، ولكنها في ذات الوقت، لا تخلو ساحتها من الغرض المقصود لمن يقف وراءها، أو من زوَّارها، من خلال مسِّها بالكثير من مسلَّمات المجتمع، واستفزاز المشاعر بموجات التشكيك في كل شيء تقريبًا، ونشْر الإشاعات التي يتلقَّاها جمهور المتابعين لها، من دون تمحيص في مصادر المعلومة على الأغلب، وما يَعنيه هذا المسلك المتعمَّد من خطورة نشْر الإشاعة، في إضرام الفتنة بين الناس، وسرعة تدفُّقها، حيث تأخذ مفعولها السلبي على الفور في شحن المشاعر واهتزاز القيم، حتى لو تبيَّن زَيف المعلومة، وعدم دقتها بعد فوات الأوان.
ولكي لا ينغمس الجيل في متاهات تغريدات الواقع الافتراضي إلى حد الإدمان المزمِن، وينعزِل عن التواصل الوجاهي المباشر، والتغريد الفعلي مع واقع مجتمعه الحقيقي، فإن المطلوب هو الانتباه الى مخاطر الانغماس الكلي مع مواقع التفاعل الافتراضي دون تمحيص، والعمل على تدقيق معلومة فضائها المفتوح التي تغرِّد بها، وتَطرحها على جدرانها للدردشة، وعدم الانجرار العفْوي، إلى تداول الإشاعات، والتشكيكات التي تُطرَح للنقاش في تلك المواقع، وخاصة تلك التي تَطول المعتقدات والثوابت الدينية، والركائز الأخلاقية لمجتمعنا العربي المسلم، على قاعدة الحكمة المأثورة التي تقول: (لا تصدِّق كل ما تسمع، ولكن صدِّق نصف ما ترى)؛ وذلك حفاظًا على تماسُك بنيان الكِيان الاجتماعي للأمة، وضمان وَحدته، وصيانة هُوِيَّته من المسخ والتشويه.