يروى أن رجلاً قصد صديقاً له لحاجة إليه، فدخل عليه ورحب به أجمل ترحيب وأجلسه إلى جنبه، وبات ليلته عنده وبعد وجبة طعام العشاء جلسا يتسامران وفي الصباح أحضر له فطوره وقبل توديعه إياه سأله: أولك حاجة تريد أن أقضيها لك؟
فأجابه: نعم إني اقترضت مبلغاً من أحد المرابين وقد أثقل كاهلي وقرب موعد تسليمه ولم يكن متيسراً عليَّ، فسأله عن حجم المبلغ فأجابه: مائة دينار فقام الصديق ودخل البيت وجلب له مائتي دينار وسلمه إياها ففرح الرجل وشكر صديقه ولما عد المبلغ ووجده بهذا القدر استغرب وقال: هذا المبلغ أكثر مما طلبته منك ولا حاجة لي بالمبلغ المتبقي، وبينما هو يعد المبلغ لغرض إرجاع الزائد عما طلبه، مسك الصديق يد الرجل وقال له: أرجعه وضعه في جيبك فوالله هذا غيض من فيض ويعني أن هذا المبلغ الذي أعطيتك إياه ما هو إلا قليل من كثير. وذهب قوله مثلاً يضرب للكريم الذي ينفق قليلاً من كثير واتسع استخدام المثل فصار يضرب لمن يتحدث ويدخل في تفصيلات ويتشعب في حديثه ويشد المستمعين إليه مما يدعو إلى استغرابهم لما يمتلكه من قدرة على الحديث واتساع في المعلومات فيشار إليه بأن ما يمتلكه هذا المتحدث ما هو إلا غيض من فيض تشبيهاً بماء البحر في حالة المد فإن ما يخرج منه من ماء قياساً مع مائه الحقيقي ما هو إلا قليل جداً.
منقول