لو قال قائل: ما حكم وصف موسى بالعصبية بسبب هذه المواقف، وهي غضبه وإلقاؤه الألواح، وتعنيفه لهارون قبل سؤاله وأخذه بلحيته، وقتله للفرعوني، وتسرعه بالسؤال في قصة الخضر، واختياره للمصير الأدنى إذ قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي} [الكهف: 76] ؟
الجواب: نقول للذين وصفوا موسى عليه الصلاة والسلام بالعصبية: إن كنت تخبر مجرد خبر فلا تعرض المسألة على هذه الصفة، بل قل: إن موسى عليه الصلاة والسلام عنده غيرة وعنده قوة، وما أشبه ذلك من الأوصاف التي تكون مدحاً لا قدحاً، وأما إذا أردت القدح فيه فالقدح فيه كفر مخرج عن الملة، وموسى عليه الصلاة والسلام مشهور بأنه قوي وشديد؛ ولهذا لما جاءه ملك الموت ليقبض روحه لطمه حتى فقأ عينه(1)، فهو معروف بالشدة، والإنسان الشديد ربما يقع منه هذا الشيء، أما أن نقول: إنه معروف بالحمق والتسرع وما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز أبداً، ثم إن له من الحسنات العظيمة ما يطغى على مثل هذا، والذي نرى أن الذي يتكلم في موسى أنه أساء الأدب بلا شك، أما كونه قادحاً أو غير قادح فالله أعلم بنيته، لكن لا شك أنه أساء الأدب.
[1] رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب وفاة موسى وذكره بعد حديث رقم (3226)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلّى الله عليه وسلّم، حديث رقم (2372) عن أبي هريرة.