لم تستسغ فرنسا أن ترى بوادر
دولة مسلمة على أرض
مالي التي كانت بالأمس تئن تحت احتلالها، وجُنَّ جنونها وهاجت وماجت وأرعدت وأزبدت، ثم استفزت من استطاعت بصوتها وصولتها، وأجلبت بخيلها ورجلها، وقد طوعت لها نفسها أن تقوم بعدوان سافر غاشم، ناسية - أو متناسية - كل مبادئ الديموقراطية التي تتبجح بها والقيم التي جعلتها شعارا لها: حرية، مساواة، أخوة.
لقد ضاقت على فرنسا الأرض بما رحبت، ولم يسعها إلا استعمال القوة ضد بلد مسلم سني مالكي حفظ الله أهله وثبته، ولم تدرِ أن في طَيِّ عدوانها بيانا لحقيقتها وكشفا لعوراتها، وأنها شهدت على نفسها أنها من أضعف الأمم وأظلمها، بل وأجهلها!
إن لجوء فرنسا لهذا الأسلوب الدنيء وشنها لهذه الحرب القذرة ما هو إلا امتداد لماضيها الأسود مع الإسلام، فمند وجودها وهي لا تألو خبالا ولا تدخر جهدا ضد المسلمين، بدءا بتزعمها للحروب الصليبية ودورها الرائد فيها حتى سميت أيضا بالحملات الفرنجية - أي الفرنسية - ومرورا بتوسعاتها الاستعمارية في البلدان
المسلمة في القرنين التاسع عشر والعشرين، وانتهاء بمواقفها تجاه الجزائر بُعَيد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والبوسنة بعد انتفاضها ضد الصرب، وأفغانستان بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتركيا إزاء انضمامها للاتحاد الأوروبي، وغيرها من المواقف هنا وهناك، وما يخفى أعظم، دون إغفال القوانين التي تُصدرها بين الفينة والأخرى تضييقا على المسلمين كمنع الحجاب في المدارس، وحظر النقاب في الأماكن العمومية، وسماحها للرسوم المسيئة للنبي
والمستفزة للمسلمين في صحفها وجرائدها.
هذه هي فرنسا، في داخلها تسن البنود، وفي خارجها تشن الجنود! لكن نقول لها: ألا فلتُرح نفسها من كل هذا العناء، ولتراجع تاريخها الذي يشهد بفشل كل هذه المحاولات، بل هذه الضربات لا تزيد الإسلام إلا امتدادا ولا تزيد المسلمين إلا اشتدادا.