نعم.. هكذا شوق غريب، وفرحُ لا يوصف.. تعودنا أن يكون الشوق بين المخلوقات، بين الابن وأبيه، والزوج وزوجته، وحتى بين الحيوانات تجد شوق الصغار لأمهم، وانظر إِلى الطيور ترى شوقاً عامراً بينهم.. ولكن العجب يملأ الفؤاد حينما يكون الشوق من جنازة إِلى قبر.
نعم.. إنه القبر، الحفرة العجيبة، ذات التراب، وذات الديدان.. إن القبر ينتظر رجال ونساء وهو في قمة الحب لهم، والشوق ليسكنوا فيه.
وتأمل معي هذا الحديث: «إذا وضعت الجنازة وإحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير ذلك قالت: يا ويلها، أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الثقلين» أو قال: «إلا الإنسان- ولو سمعه لصعق» صحيح البخاري 1230.
إِنه لحديث جديرٌ بالتأمل والتفكير والتدبر.. قدِّموني إِنها جنازة، تتكلم.. تعبِّر.. تنطق.. تنادي، يا رجال قدِّموني ضعوني أنزلوني اتركوني إبتعدوا عني، لا أريدكم، يكفيني ذلك القبر.
إِنها جنازة صالحة لرجل أو امرأة كان مع الله، في عبادة وطاعة وخشوع وخضوع.. والنهاية: شوق القبر لأولئك الصالحين والصالحات.. إِنه جزاء الإحسان، وصدق الله: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60].
إِن الجنازة الصالحة تُحِبُّ القبر، لِما تعلم من أنَّ القبر سيتقبَّلها بالأنوار، وتفتيح أبواب الجنان، والروح والريحان.