الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الله تعالى أكرم عباده لما جعل لهم من أنفسهم ازواجاً لا من الجن ولا من البهائم ليسكنوا اليها، والسكن يكون مأوى للانسان يأوي اليه بعد التعب والنصب كما قال تعالى {ومِنْ آياتِهِ أنْ خلق لكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْواجًا لِتسْكُنُوا اليْها وجعل بيْنكُمْ مودّةً ورحْمةً انّ فِي ذلِك لآياتٍ لِقوْمٍ يتفكّرُون (21)} [الروم]، وجعل الله كلا من الزوجين لباساً للآخر كما قال تعالى: {هُنّ لِباسٌ لكُمْ وأنْتُمْ لِباسٌ لهُنّ} [البقرة- 187] فالزوجان كل منهما ستر للآخر يستتر به كما يستتر كل منهما بلباسه.
والزواج من القرب العظيمة التي يتقرب به العبد الى ربه فهو سبيل العفة الذي يتعفف به كل من الزوجين عن الحرام قال تعالى: {والّذِين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون (5) الّا على أزْواجِهِمْ أوْ ما ملكتْ أيْمانُهُمْ فانّهُمْ غيْرُ ملُومِين (6) فمنِ ابْتغى وراء ذلِك فأُولئِك هُمُ الْعادُون (7)} [المؤمنون] وقال تعالى: {فانْكِحُوا ما طاب لكُمْ مِن النِّساءِ مثْنى وثُلاث ورُباع} [النساء- 3] وروى البخاري (5066) ومسلم (1400) في صحيحيهما عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء» فكم للمسلم من الأجر والثواب اذا تزوج واحتسب على الله أن زواجه هذا طاعة لله تعالى ومتابعة لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: «وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» [اخرجه البخاري (5063) ومسلم (1401 عن أنس ] بل وللزوج أجر باستمتاعه بزوجته على الوجه الشرعي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك اذا وضعها في الحلال له فيها أجر» [رواه مسلم (1006) عن أبي ذر رضي الله عنه]، الى غير ذلك من المصالح الشرعية والاجتماعية من تحصيل الولد ومكاثرة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته الأمم وحصول المصاهرة بين الأسر وغير ذلك كثير.
ثم اعلم أخي القارئ الكريم وفقني الله واياك الى كل خير أن للزواج أحكاما شرعية وضوابط نبوية وله حقوق وحدود وآداب ينبغي للمسلم التفقه بأحكامه والتأدب بآدابه لذا العلماء اهتموا كثيرا بأحكام الزواج فجعلوا له كتابا مستقلا في مصنفاتهم الحديثية والفقهية ومنهم من كتب كتابا خاصة بالزواج أو في باب من ابوابه أو جانب من جوانبه فبينوا ما يصح منه وما لا يصح وشروطه وأركانه وغير ذلك.
ومن المسائل الهامة التي انتشرت في الآونة الأخيرة مسألة الزواج بنية الطلاق، وهي مسألة قديمة بحثها العلماء فمنهم من أجازها ومنهم من حرمها ولست بصدد البحث في حكم هذه المسألة الآن ولكن الذي أريد أن انبه عليه تلك الظاهرة السيئة والتي بدأت بازدياد ألا وهي ظاهرة السفر من أجل الزواج بنية الطلاق، والذي زاد في قبح هذه الظاهرة أن بعض الناس يتحدث بما فعل مما سبب بفعله هذا تشويها لصورة وسمعة الاخوة المستقيمين! ولهؤلاء اقول لهم: اتقوا الله في أنفسكم لا تعبثوا بأعراض المسلمين ولا تغشوهم بزواجكم من بناتهم لمدة ثلاثة أيام أو اسبوع مستغلين حاجة الفقراء فتعبثون بأعراضهم! أين أنتم من قول النبي : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [اخرجه البخاري (13) ومسلم (71) عن أنس رضي الله عنه]. فمن يرضى من هؤلاء أن يستغل احد حاجته ويتزوج ابنته أو اخته ثم يطلقها بعد اسبوع؟ ثم أين هؤلاء من قوله عليه الصلاة والسلام: «من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا» [اخرجه مسلم (164) عن أبي هريرة رضي الله عنه].
فالواجب على المسلم أن يتقي الله عز وجل ولا يفعل ذلك، وليحذر من الأمراض التي قد يتعرض لها أو يصاب بها لأن أكثر النساء اللاتي يوافقن على مثل هذا الزواج قد تتزوج أحداهن بأكثر من زوج خلال فترات متقاربة وبعضهن من بائعات الهوى من أراد إحداهن بالحرام الصريح لارتكاب الفاحشة استجابت له ومن أرادها بالزواج بنية الطلاق استجابت له أيضا فهي تمارس الدورين! والغالب في الذين يتزوجون بنية الطلاق لا يحسنون الاختيار ولا يحرصون على ذات الدين لأن همَّ الواحد منهم أن يقضي وطره مع أي امرأة كانت بحجة أنه زواج بنية الطلاق! ثم أيضا من مفاسد هذا الزواج أن بعضهم قد يتعرض للتصوير ثم التهديد بالفضيحة والتشهير ما لم يدفع عوضا وربما بعضهم يتعرض للسحر لاسيما في البلاد الفقيرة التي يتخذ فيها السحر مهنة للبطالين وربما يتعرض أحدهم للضرب والسرقة بل ربما يُسقى سما أو خمرا بل ربما يقتل وكل ما ذكرته حقيقة وله شواهد تشهد لما اقول ووقعت مثلها حوادث كثيرة. وما أدرك هذا الغشاش أنه ربما اصابته دعوة مظلومة خدعها وخدع أمها وأباها لما تزوجها وأملها والا به قد بيت نية الطلاق قبل أن يتزوجها! فليس لهذه المظلومة حيلة ولا ملجأ الا الى الله تعالى في علاه فرفعت يديها ودعت على هذا الظالم الغشاش العابث بعرضها وقد انتقم الله لها منه!
أخي القارئ العزيز من خلال «سفراتي» الى بريطانيا وامريكا علمت من بعض الاخوة أن هناك بعض المتسترين بالدعوة في المساجد والمراكز الاسلامية من يستغل بعض النساء المسلمات اللاتي دخلن الاسلام وقاطعن أهلهن وابناء ملتهن وجئن لحياة اسلامية جديدة فاذا ببعض ضعاف النفوس يطلبها للزواج فتفرح بذلك فرحا شديدا متأملة أن تفتح بيتا مسلما وتعيش حياة اسلامية جديدة ويكون لها ذرية صالحة فتتفاجأ بأن زوجها طلقها بعد أيام ثم لا تلبث الا قليلا والا بآخر يتزوجها وبعد أيام يطلقها والثالث على الانتظار وهكذا حتى صارت افعالهم هذه سببا لردة بعض المسلمات ولا حول ولا قوة الا بالله.
واني في هذا المقال أوصي نفسي واخواني بتقوى الله تعالى واقول اتقوا الله يا من تتزوجون بنية الطلاق فان الجزاء من جنس العمل فاحذروا من العبث بأعراض المسلمين وتوبوا الى الله توبة نصوحا من قبل أن يتسلط عليكم ظالم مثلكم على اعراض بناتكم واخواتكم.
اسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
عن حذيفة رضى الله عنه، أنه أخذ حجرين، فوضع أحدهما على الآخر، ثم قال لأصحابه:
هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟
قالوا: يا أبا عبد الله، ما نرى بينهما من النور إلا قليلا.
قال: والذي نفسي بيده، لتظهرن البدع حتى لا يُــرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور،والله، لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء،
قالوا: تُركت السنة !.
.
[البدع لابن وضاح ١٢٤]