بيت الـلـغـة العــربـيـة هنا لغة العقيدة، وسياج الشريعة، وهوية كل مسلم |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
04-10-14, 01:03 AM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
بيت الـلـغـة العــربـيـة
ولد في جزيرة ابن عمر سنة 558هـ، وتعلم بالموصل أنواعاً من العلوم، حيث نشأ أخواه المؤرخ (علي)، والمحدث (المبارك). وحفظ أشعار أبي تمام، والمتنبي، والبحتري، ومن كتبه: الوشي المرقوم في حل المنظوم، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، والجامع الكبير في صناعة المنظوم والمنثور، توفي في بغداد سنة 637هـ.. يرحمه الله. في كتابه (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر)، يحلّق بنا ابن الأثير في أجوائه الخاصّة، ويتذوق أبياتاً تنسب إلى كثيّر عزّة[1]، نذكرها هنا لمناسبة الحج. يقول ابن الأثير الكاتب: اعلم أن العرب كما كانت تعتني بالألفاظ فتصلحها وتهذبها، فإن المعاني أقوى عندها وأكرم عليها وأشرف قدراً في نفوسها، فأول ذلك عنايتها بألفاظها لأنها لمّا كانت عنوان معانيها وطريقها إلى إظهار أغراضها؛ أصلحوها وزيَّنوها وبالَغوا في تحسينها، ليكون ذلك أوقع لها في النفس وأذهب بها في الدلالة على القصد. ألا ترى أنّ الكلام إذا كان مسجوعًا لذّ لسامعِه فحفِظه، وإذا لم يكن مسجوعاً لم يأنس به أُنسه في حالة السجع، فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظهم وحسّنوها ورققوا حواشيها وصقلوا أطرافها؛ فلا تظن أنّ العناية إذ ذاك إنما هي بألفاظ فقط؛ بل هي خدمة منهم للمعاني. ونظير ذلك إبرازُ صورة الحسناء في الحلَل المَوْشيّة والأثواب المحبّرة، فإنا قد نجد من المعاني الفاخرة ما يشوِّه من حسنه بذاءةُ لفظه وسوءُ العبارة عنه. فإن قيل: إنا نرى من ألفاظ العرب ما قد حسّنوه وزخرفوه، ولسنا نرى تحته مع ذلك معنى شريفاً، فمما جاء منه قولُ بعضِهم: ولمّا قضَينا مِن مِنى كلَّ حاجةٍ // ومسَّحَ بالأركانِ مَن هوَ ماسحُ ألا ترى إلى حُسن هذا اللفظ وصقالته وتدبيج أجزائه ومعناهُ؟ مع ذلك ليس مدانياً له ولا مُقارباً، فإنه إنما هو لمّا فرغنا من الحج ركِبنا الطريقَ راجعين وتحدثنا على ظهور الإبل.. ولهذا نظائر شريفة الألفاظ خسيسة المعاني؟أخذنا بأطرافِ الأحاديث بيننا // وسالتْ بأعناقِ المَطِيِّ الأباطحُ فالجواب عن ذلك أنّا نقول: هذا الموضع قد سبق إلى التشبث به من لم يُنعم النظر فيه ولا رأى ما رآه القوم، وإنما ذلك لجفاء طبع الناظر وعدمِ معرفته، وهو أن في قول هذا الشاعر كل حاجة مما يستفيد منه أهل النسيب والرقة والأهواء والمِقة[2] ما لا يستفيد غيرهم ولا يشاركهم فيه من ليس منهم، ألا ترى أن حوائجَ مِنى أشياءُ كثيرةٌ، فمنها التلاقي ومنها التشاكي ومنها التخلي للاجتماع.. إلى غير ذلك مما هو تالٍ له ومعقودُ الكونِ به. فكأن الشاعر صانع عن هذا الموضع الذي أومأ له وعقد غرضه عليه بقوله في آخر البيت "ومسّح بالأركان ما هو ماسحُ" أي إنما كانت حوائجنا التي قضيناها وآرابنا التي بلغناها من هذا النحو الذي هو مسْح الأركان وما هو لاحقٌ به وجارٍ في القُربة من الله مجراه، أي لم نتعد هذا القدر المذكور إلى ما يحتمله أول البيت من التعريض الجاري مجرى التصريح. وأما البيت الثاني فإن فيه أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا، وفي هذا ما نذكره لتعجبَ به وبمن عجب منه ووضع من معناه، وذلك أنه لو قال: أخذنا في أحاديثنا أو نحو ذلك؛ لكان فيه ما يكبره أهل النسيب فإنه قد شاع عنهم واتسع في محاوراتهم علوّ قدر الحديث بين الإلفين والجذل بجمع شمل المتواصلين. .. فإذا كان قدرُ الحديث عندهم على ما ترى، فكيف به إذا قيده بقوله: "أخذنا بأطراف الأحاديث"؟! فإن في ذلك وحيًا خفيًّا ورمزاً حُلواً. ألا ترى أنه قد يريد بأطرافها ما يتعاطاه المحبون ويتفاوضه ذوو الصبابة من التعريض والتلويح والإيماء دون التصريح وذلك أحلى وأطيب وأغزل وأنسب من أن يكون كشفاً ومصارحةً وجهراً، وإن كان الأمرُ كذلك فمعنى هذين البيتين أعلى عندَهم وأشدُّ تقدماً في نفوسهم من لفظهما، وإن عذب ولذ مستمعه.. نعم، في قول الشاعر: "وسالت بأعناق المطي الأباطح" مِن لطافة المعنى وحسْنِه ما لا خفاء به، وسأنبّه على ذلك، فأقول: إن هؤلاء القوم لما تحدثوا وهم سائرون على المطايا شغلتهم لذة الحديث عن إمساك الأزمة، فاسترخَتْ عن أيديهم، وكذلك شأن من يشره وتغلبه الشهوة في أمر من الأمور، ولما كان الأمر كذلك وارتخت الأزمة عن الأيدي أسرعَت المطايا في المسير، فشبهت أعناقها بمرور السيل على وجه الأرض في سرعته، وهذا موضعٌ كريم حسَن لا مزيد على حسنه، والذي لا ينعم نظره فيه لا يعلم ما اشتمل عليه من المعنى، فالعرب إنما تحسّن ألفاظها وتزخرفها عنايةً منها بالمعاني التي تحتها، فالألفاظ إذًا خَدَمُ المعاني، والمخدومُ لا شكَّ أشرفُ مِن الخادم. فاعرف ذلك وقس عليه[3]. ـــــــــــــــــــــــــــــــ [1] هو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي المدني، ولد سنة 40هـ، وتوفي (150) هـ. شاعرٌ تتيم بـ"عَزّة" واشتهر بها، وهي عزة بنت حُميل بن حفص من بني حاجب بن غفار كنانية النسب. [2] المِقَة: المحبة، وقد ومِقَه يمِقه، أحبه فهو وامق. [3]المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر. ج1، ص 340 – 342. الألوكة الموضوع الأصلي: ولما قضينا من مِنى كلّ حاجة.. تذوقٌ أدبي || الكاتب: تألق || المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد
المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد ,glh rqdkh lk lAkn ;g~ ph[m>> j`,rR H]fd
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|