بيت الكتاب والسنة خاص بتفسير القرآن وأحكامه وتجويده وأيضاً علم الحديث وشرحه |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
06-10-14, 09:49 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
بيت الكتاب والسنة
تفسير سورة المائدة
الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى قال الله عزّ وجل: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *} } [المائدة: 35] . هذه الآية فيها نداء وفيها ثلاثة أوامر وفيها علة وغاية، أما النداء ففي قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} }، وقد تقدم ما روي عن ابن مسعود أنه قال: إذا سمعت الله يقول: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} } فأرعها سمعك[(168)]. ذكرنا من قبل أن تصدير الخطاب بالنداء يدل على أهميته، ثم توجيه النداء إلى المؤمنين يدل على أن امتثال هذا من مقتضيات الإيمان، وأن مخالفته نقص في الإيمان، وأنه ينبغي إغراء الشخص المخاطب بما يحمله على الامتثال، يعني في الخطاب ينبغي أن تغري الشخص بما يحمله على الامتثال؛ لأن وصف الإنسان بالشيء الذي يحمله على الفعل والامتثال لا شك أنه يغريه ويزيده نشاطاً، فنقول مثلاً: يا أيها الكريم أكرم الضيف؛ لأنك إذا ناديته بـ(يا أيها الكريم)، فسوف يكون ذلك دافعاً له على إكرام الضيف. وقوله: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} } هكذا تأتي مطلقة في كثير من الآيات، فآمنوا بمن؟ نقول: الإيمان فسره النبي عليه الصلاة والسلام أبين تفسير حيث سأله جبريل عن الإيمان، فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر» [(169)]، وعلى هذا فيكون قوله: {{آمَنُوا} } أي: بما يجب الإيمان به وهي أركان الإيمان الستة. قوله: {{اتَّقُوا اللَّهَ} } اتخذوا وقاية من عذابه وذلك بفعل الأوامر واجتناب النواهي على علم؛ لأن الإنسان قد يفعل شيئاً مأموراً به لكن على غير علم أو يترك شيئاً منهياً عنه على غير علم، لكن لا بد من العلم ليكون ذلك من خشية الله، كما قال الله تعالى: {{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}} [فاطر: 28] . ولهذا فسر بعض العلماء التقوى بأنها أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله على نور من الله تخشى عقاب الله، والنور: هو العلم، ولهذا نقول: أجمع ما قيل في تعريفها: أنها امتثال أمر الله واجتناب نواهيه على علم حتى يحصل له الخشية؛ لأنه {{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}}. هل نقول: اتقوا الله نفسه، أو اتقوا عذاب الله؟ كلاهما صحيح؛ لأن الله قال: {{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}} [آل عمران: 28] . فحذرنا الله تعالى من نفسه عزّ وجل، وإنما حذرنا منها لأنه قال لنا: {{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *}} [المائدة: 98] . وهذا خبر أخبرنا به الله عزّ وجل وقال لنبيه: {{نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ *}} [الحجر: 49، 50] ، فإذاً يحذرنا الله نفسه أن يعاقبنا على مخالفته. قوله: {{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} }، أي: اطلبوا إليه، «الوسيلة»: مفعول {ابْتَغُواْ}، يعني: اطلبوا الوسيلة إليه، والوسيلة: هي التقرب إلى الله، كما فسرها كثير من المفسرين بأن معناها: ابتغوا القربة إليه، يعني: اطلبوا ما يقربكم إليه، فإذا كان الله أمرنا أن نطلب ما يقربنا إليه، فالذي يقربنا إليه هو امتثال أمره واجتناب نهيه طلباً للقرب منه. وقوله: {{الْوَسِيلَةَ} } ليس المراد بالوسيلة ما هو معروف عند المتأخرين، بأن يتخذ الإنسان وسائل في دعائه أو نحو ذلك؛ بل المراد: ابتغوا التقرب إليه، لكن بعض المحرفين قال: المراد بالوسيلة: الولي أو النبي أو جاه النبي أو جاه الولي، وهذا تحريف باطل، وإنما الوسيلة: الشيء الموصل إلى الله وإلى التقرب إليه عزّ وجل. مثال ذلك: الصلاة تقرب إلى الله، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ولا يوجد هذا الوصف وهو القرب من الله على هذا الوجه إلا في صلاة الإنسان، يتصدق ويتقرب إلى الله بالصدقة، يصوم ويتقرب إلى الله بالصيام، يحج ويتقرب إلى الله بالحج، لكن لا يوجد مثل الصلاة، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فهو أقرب إلى الله ممن وقف بعرفة أو بالصفا أو بالمروة أو ممن يطوف بالبيت. قوله: {{وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} } أي: ابذلوا الجهد في إعلاء كلمته؛ لأن الجهاد في سبيل الله أن يقاتل الإنسان لتكون كلمة الله هي العليا، والمراد بقوله: {{فِي سَبِيلِهِ} } أي: دينه؛ لأنه هو الطريق الموصل إليه تبارك وتعالى. وقوله: {{وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} } هذا أمر، ويأتينا إن شاء الله في استنباط الفوائد، أنه أمر مشروط بالقدرة كغيره من الأوامر. قوله: {{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} } «لعل» هنا: للتعليل، أي: لأجل أن تفلحوا. «والفلاح»: كلمة جامعة لحصول المطلوب وانتفاء المكروه، فهي من أجمع الكلمات. من فوائد الآية الكريمة: الفائدة الأولى: بلاغة القرآن الكريم حيث تتنوع فيه العبارات، في النداء تارةً والأمر تارة والنهي تارة والحض والعرض. الفائدة الثانية: أن من البلاغة أن نستعمل ما يكون به التنبيه في الأمور الهامة، وجهه: أن الله صدر هذه الأوامر الثلاثة المهمة بالنداء. الفائدة الثالثة: أن الإيمان يحمل على امتثال أمر الله واجتناب نهيه، وذلك لأنه وَجَّهَ النداء إلى المؤمنين، ولا شك أن الإيمان يحمل الإنسان على فعل الأوامر واجتناب النواهي، وكلما كان الإنسان أقوى إيماناً، كان أشد امتثالاً للأمر وأبعد عن النهي، وهذا شيء مجرب، حتى الإنسان نفسه أحياناً يجد في قلبه قوة الإيمان فتجده يرغب في الطاعة ويحب أن يستمر فيها، وأحياناً يفتر ويكسل فتجد الطاعات تثقل عليه، فكلما كان الإنسان أكثر إيماناً كان أكثر امتثالاً للأمر والنهي. الفائدة الرابعة: وجوب تقوى الله، لقوله تعالى: { {اتَّقُوا اللَّهَ} } فالتقوى واجبة وقد ذكرت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، أمراً بها وثناءً على أهلها وبيان لجزائها، ولو أن طالب العلم جمع الآيات التي فيها التقوى أمراً وثناءً وجزاءً في القرآن الكريم من أوله إلى آخره، لوجد خيراً كثيراً. الفائدة الخامسة: وجوب طلب القربة إلى الله، لقوله: {{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} } أي: اطلبوا الوسيلة إليه. الفائدة السادسة: وجوب التعلم، تعلم الدين، لكن بأي وسيلة نطلب القربى إليه؟ الجواب: بالعلم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الفائدة السابعة والثامنة : أنه كلما كانت العبادة تقرب إلى الله أكثر كان الاهتمام بها أكثر؛ لأن الحكم يدور مع علته، فإذا قيل: اسلك الطريق المقرب إلى الله، فإن من المعلوم أن ما يكون أقرب أو أشد تقريباً فهو أولى. وينبني على هذه الفائدة أن الأعمال تتفاضل، بعضها أفضل من بعض، وهذا أمرٌ قررته الشريعة، فجنس الواجب أفضل من جنس التطوع، يعني الصلاة المفروضة أفضل من النافلة، وأيضاً صدقة الزكاة أفضل من صدقة التطوع، الصوم الواجب أفضل من النفل، والحج الواجب أفضل من النفل. هذا باعتبار الجنس، ويـتـفـاضـل أيـضـاً باعتبار نوعه. كذلك أيضاً الجنس يتفاضل باعتبار الأجناس، فمثلاً الصلاة على وقتها أحب الأعمال إلى الله، كما سأل ابن مسعود النبي صلّى الله عليه وسلّم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها» ، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين» ، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» [(170)]. فالأعمال فيما بينها تتفاضل، والأجناس تتفاضل، فأنواع الجنس تتفاضل. ومناط معرفة الفاضل هو الكتاب والسنة. وهنا مسألة: من هو الأفضل: رجل يفعل العبادة بانقياد وانشراح صدر وقبول، وآخر يفعلها بمشقة شديدة ويجاهد نفسه عليها؟ الأول: أفضل مقاماً وأعلى منزلة، والثاني: يؤجر على مشقة المجاهدة أكثر من ذلك، لكنه لا يمكن أن ينال درجة الأول ومقام الأول. ويشبه هذا من بعض الوجوه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر الصحابة «أن من ورائهم أياماً الصبر للعامل فيهن أجر خمسين من الصحابة» [(171)]، هل هو بهذا الأجر الذي كان من أجل مشقة العبادة عليه ينال مرتبة الصحابة؟ الجواب: لا، وهذه نكت في العلم ينبغي لطالب العلم أن يتفطن لها وإلا فقد تخفى على كثير من الناس. الفائدة التاسعة: وجوب الجهاد في سبيل الله، لقوله: {{وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} } ولكن هذا العمل ـ أعني الجهاد في سبيل الله ـ كغيره من الواجبات، لا بد أن يكون له شروط، من أهمها: القدرة، بأن يكون الإنسان مكافئاً للعدو في العدد والعدة، وإلا فمن المعلوم أنه من السفه والهلع أن يتقدم الإنسان ليقاتل عدداً أكثر من عدده وقوة أكبر من قوته. ولهذا لم يوجب الله عزّ وجل الجهاد إلا حين قويت الأمة الإسلامية، ولم يوجب المصابرة إلا في الضعف فقط، فإن زادوا عن الضعف مع تكافؤ العدد فإنه لا يجب مصابرتهم، فلا بد من القدرة على الجهاد. وهل يشترط أن يكون للمجاهدين إمام يأتمون به ويأتمرون بأمره، أو نقول: لا بأس أن يتكتل طوائف وطوائف وطوائف، وتجاهد كل واحدة من جهة؟ الجواب: الأول: لا بد من إمام يكونون تحت إمرته، حتى لا يكونوا أحزاباً يقتل بعضهم بعضاً عند النصر، أو يقاتل بعضهم بعضاً عند النصر، وكيف يمكن أن يقوم جهاد مع تفرق الأحزاب؟ هذا لا يمكن. الفائدة العاشرة: الإشارة إلى الإخلاص، لقوله: { {فِي سَبِيلِهِ} } حيث أضافه إلى نفسه عزّ وجل إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أنْ يكون جهاده في سبيل الله، ومتى يكون الجهاد في سبيل الله؟ سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك أي: سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، وفي رواية: ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ فعدل عن الجواب عن الثلاثة كلها وقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» [(172)]، وقضى على هذه الثلاث: فالذي يقاتل شجاعة ليس في سبيل الله، ومعنى الشجاعة أن الرجل الشجاع يحب القتال؛ ويحب أن يقاتل؛ لأن هذا يوافق طبيعته وغريزته. الثاني : يقاتل حمية لقومه وعصبيته، ومن هؤلاء بعض العرب، مع الأسف يقاتلون اليهود باسم العروبة، ولو قاتلوا باسم الإسلام لأبادوهم؛ لأنهم إذا قاتلوا باسم الإسلام خرج من بينهم الرجس وهم النصارى، ودخل فيهم أمم لا تحصى من المسلمين من العجم وغيرهم، وأريد بالعجم مَنْ سوى العرب من الروم والفرس والبربر والهنود وغيرهم، أمماً لا يحصيها إلا الله ولحصل بذلك النصر بإذن الله، إذا قام هؤلاء المقاتلون المسلمون بما يلزمهم من طاعة الله عزّ وجل وعدم الإعجاب بالنفس. الثالث : الذي سئل عنه الرسول عليه الصلاة والسلام: المقاتل رياءً ـ والعياذ بالله ـ هذا أخسرهم، يقاتل لأجل أن يقال: فلان جريء وشجاع، أو يقاتل لأجل أن يقال: فلان يجاهد في سبيل الله، وكلاهما باطل، والذي يقاتل ليقال: فلان جريء، هو من أول من تسعر بهم النار[(173)] ـ أعاذنا الله منها ـ نسأل الله العافية. إذاً: لا بد أن تكون النية خالصة؛ لأن الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا يمكن أن يفرط فيما أوجب الله عليه؛ لأنه يريد هذا، يريد من غيره أن يقوم بطاعة الله فلا يمكن أن يفرط بطاعته. الموضوع الأصلي: ليس المراد بالوسيلة ما هو معروف عند المتأخرين، بأن يتخذ الإنسان وسائل في دعائه أو نحو ذلك || الكاتب: دعوة الاسلام || المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد
المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد gds hglvh] fhg,sdgm lh i, luv,t uk] hgljHovdkK fHk djo` hgYkshk ,shzg td ]uhzi H, kp, `g; |
||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|