حدثنا أحمد بن يونس حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو ا قال قال رسول الله إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه
قوله : ( باب لا يسب الرجل والديه ) أي ولا أحدهما ، أي لا يتسبب إلى ذلك .
قوله : ( إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ) سيأتي بعد باب عد العقوق في أكبر الكبائر ، والمذكور هنا فرد من أفراد العقوق ، وإن كان التسبب إلى لعن الوالد من أكبر الكبائر فالتصريح بلعنه أشد ، وترجم بلفظ السب وساقه بلفظ اللعن إشارة إلى ما وقع في بقية الحديث ، وقد وقع أيضا في بعض طرقه وهو في " الأدب المفرد " من طريق عروة بن عياض سمع عبد الله بن عمرو يقول : " من الكبائر عند الله أن يسب الرجل والده " وقد أخرجه المصنف في " الأدب المفرد " من طريق سفيان الثوري ومسلم من طريق يزيد بن الهاد كلاهما عن سعد بن إبراهيم بلفظ من الكبائر شتم الرجل وفي رواية المصنف أن يشتم الرجل والديه .
قوله : ( قيل : يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه ) ؟ هو استبعاد من السائل ; لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك ، فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر لكن قد يقع منه التسبب فيه وهو مما يمكن وقوعه كثيرا . قال ابن بطال : هذا الحديث أصل في سد الذرائع ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد إلى ما يحرم ، والأصل في هذا الحديث قوله - تعالى - : (( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله)) الآية . واستنبط منه الماوردي منع بيع الثوب الحرير ممن يتحقق أنه يلبسه ، والغلام الأمرد ممن يتحقق أنه يفعل به الفاحشة ، والعصير ممن يتحقق أنه يتخذه خمرا . وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : فيه دليل على عظم حق الأبوين . وفيه العمل بالغالب لأن الذي يسب أبا الرجل يجوز أن يسب الآخر أباه ويجوز أن لا يفعل لكن الغالب أن يجيبه بنحو قوله . وفيه مراجعة الطالب لشيخه فيما يقوله مما يشكل عليه وفيه إثبات الكبائر وسيأتي البحث فيه قريبا ، وفيه أن الأصل يفضل الفرع بأصل الوضع ولو فضله الفرع ببعض الصفات .
---------
فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى