ذكر ياقوت في معجمه 5/116 هذه القصة العجيبة ، أسوقها لما فيها من العبرة :
وإليها ينسب عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله أبو بكر القفار المروزي ، وحيد زمانه فقهاً وعلماً ، رحل إلى الناس ، وصنف وظهرت بركته ، وهو أحد أركان مذهب الشافعي ، وتخرج به جماعة وانتشر علمه في الآفاق ، وكان ابتداء اشتغاله بالفقه على كبر السن .
حدثني بعض فقهاء مرو بـ (فنين ) من قراها ، أن القفال الشاشي صنع قفلاً ومفتاحاً وزنه دانق واحدٌ ، فأعجب الناس به جداً ، وسار ذكره ، وبلغ خبره إلى القفال هذا ، فصنع قفلاً مع مفتاحه وزنه طسوج [= ربع دانق] ، وأراه الناس فاستحسنوه ، ولم يشع له ذكر ، فقال يوماً ـ لبعض من يأنس إليه ـ : ألا ترى كل شيء يفتقر إلى الحظ ؟! عمل الشاشي قفلاً وزنه دانق وطنت به البلاد ، وعملت أنا قفلا بمقدار ربعه ما ذكرني أحدٌ ، فقال له : إنما الذكر بالعلم لا بالأقفال ، فرغب في العلم ، واشتغل به ، وقد بلغ من عمره أربعين سنة .
وجاء إلى شيخ من أهلٍ مرو ، وعرّفه رغبته فيما رغب فيه ، فلقنه أول كتاب المزني ، وهو : "
هذا كتاب اختصرته" ، فرقي إلى سطحه ، وكرر عليه هذه الثلاثة ألفاظ ، من العشاء إلى أن طلع الفجر ، فحملته عينه ، فنام ، ثم انتبه وقد نسيها ، فضاق صدره ، وقال : أيش أقول للشيخ ؟!.
وخرج من بيته ، فقالت له امرأة من جيرانه : يا أبا بكر لقد أسهرتنا البارحة في قولك : "هذا كتاب اختصرته" ، فتلقنها منها ، وعاد إلى شيخه ، وأخبره بما كان منه ، فقال له : لا يصدنك هذا عن الاشتغال ، فإنك إذا لازمت الحفظ والاشتغال صار لك عادة ، فجد ولازم الاشتغال ، حتى كان منه ما كان ، فعاش ثمانين سنة : أربعين جاهلاً ، وأربعين عالماً .
وقال أبو المظفر السمعاني : عاش تسعين سنة ، ومات سنة 714 ، ورأيت قبره بمرو ، وزرته رحمه الله تعالى " اهـ.