( وأما الحديث الآخر وهو فى الصحيح مفسرا ) ليس بأثر حديث صحيح جاء مفسرا .
يقول الله سبحانه وتعالى يوم القيامة لعبد من عبيده ((عبدى جعت فلم تطعمنى) فيقول) العبد (رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين) أنت الذي تطعم العباد وتسقيهم وترزقهم فكيف أطعمك أنت رب العالمين ، ومثل هذا السؤال إذا جاء في النص في كتاب الله وفي السنة الغرض منه إثارة انتباه المخاطب لينتبه لعظم هذا المعنى .
فيقول الرب سبحانه وتعالى لعبده (أما علمت أن عبدى فلانا جاع فلو أطعمته لوجدت ذلك عندى) " إن عبدي فلانا جاع " وأنت في إمكانك أن تطعمه وأن تمد له يد المساعدة ولكن لم تفعل لو فعلت ذلك لوجدت ثواب ذلك عندي ، جعل جوع العبد جوعه وهذا يدل على مكانة وعظم الإطعام ، أجر الإطعام إطعام المحتاج ، لأنه جل جوع عبده المؤمن الجائع جعله كأنه هو الذي جاع لذلك ليس في الحديث ما يدل على التشبيه ولكن في الحديث الحث على الإطعام فقط . قال " أما علمت أن عبدن فلانا جاع " هذا صريح في التفسير والبيان ، " فلو أطعمته لوجدت ذلك " الإطعام " عندي " أي أجره ، أجر ذلك الإطعام ، ولم يبق هنا أي غموض .
فيقول (عبدى مرضت فلم تعدنى فيقول) العبد جوابا لربه تعالى الذي يخاطبه بهذا الخطاب تلطفا منه سبحانه ورحمة (عبدى مرضت فلم تعدنى) يقول العبد (رب كيف أعودك وأنت رب العالمين) لا تمرض ، أنت رب العالمين الذي يشفي المرضى ، كيف أعودك ؟
(فيقول أما علمت أن عبدى فلانا مرض فلو عدته لوجدتنى عنده)) "لوجدتني عنده " لأن الله سبحانه وتعالى مع هذا العبد المضطر المريض الذي هو بحاجة إلى الشفاء ، الله عنده ومعه بحفظه ولطفه وكلئه ، فإذا عاد المسلم أخاه المريض المسلم فليعتقد بأن الله عنده ومعه ، والعندية والمعية ليست عندية الذات ولا معية الذات ، معه بعلمه ورحمته ولطفه ويشكر لعبده الذي عاد عبده المريض فيثيبه على ذلك ، هذا معنى بليغ وفيه معنى الكناية والكناية لا تتنافى مع الحقيقة ، فيه حث على زيارة المريض وأن الذي يزور المريض عليه أن يؤمن ويتيقن بأن الله مع هذا العبد المريض المضطر ، معه وعنده يعلم منه كل شيء ويلطف به ويشفيه إن شاء ويقبضه إليه إن شاء ولكن العبد الذي يزور أخاه المسلم يجد الله عنده إذ هو الذي يثيبه على هذه الزيارة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله (وهذا صريح فى ان الله سبحانه لم يمرض ولم يجع) كل ذلك لا يليق به (ولكن مرض عبده وجاع عبده فجعل جوعه جوعه) جعل الله جوع عبده كأنه هو الذي جاع حثا على الإطعام وعلى الرحمة .
(ومرضه مرضه) جعل مرض عبده كأنه هو الذي مرض حثا أو حاثا عباده على زيارة المرضى .
(مفسرا ذلك بأنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى ولو عدته لوجدتنى عنده فلم يبق فى الحديث) بعد هذا التفسير ، التفسير جاء من الحديث نفسه من رب العالمين لأن الحديث حديث قدسي الله هو الذي تكلم به فأجمل في أول الحديث ثم فسر وأوضح فلم يبق شيء يحتاج إلى التأويل .
(فلم يبق فى الحديث لفظ يحتاج إلى تأويل) وزعمُ الذين يزعمون أن مثل هذه النصوص يعجز السلفيون من بيان معاني هذه النصوص إلا بالتأويل فيضطرون إلى التأويل ، هكذا يلبسون على الناس ، الحديث لم يحتج إلى تفسير خارجي وإلى بيان خارجي بيانه من نفسه وتفسيره من نفسه وبعبارة أخرى الله هو الذي فسره وبينه فلم يترك مجالا لقائل حتى يؤوِّل أو حتى يقول إنه بحاجة إلى التأويل .
عن حذيفة رضى الله عنه، أنه أخذ حجرين، فوضع أحدهما على الآخر، ثم قال لأصحابه:
هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟
قالوا: يا أبا عبد الله، ما نرى بينهما من النور إلا قليلا.
قال: والذي نفسي بيده، لتظهرن البدع حتى لا يُــرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور،والله، لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء،
قالوا: تُركت السنة !.
.
[البدع لابن وضاح ١٢٤]