البيــت العـــام للمواضيع التي ليس لها قسم محدد |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
08-03-16, 01:00 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
البيــت العـــام
رسالة من فم الغار ها أنا ذي على طريق السفر أعبرُ القرنَ بعد القرن، أنظر يمنة ويسرة فأرى مناراتٍ وأشباحا من عقول وقلوب، بعضها مُشعٌّ وهّاج، وبعضها نورها ساطع، وبعضها تلمع تارة وتنطفِئُ تارة، وفي المقابل رأيت كثيرا منها يعلوها ركام من الجهل، وأخرى تسير مقيدة في ذيل التقليد، وأخرى يجرها مركب الهوى، وأرى أهل القرون يتفاوتون تفاوتا بيِّنا؛ فكلما اقتربت من مشارف القرن الأول ازدادت القلوب والعقول توهجا واستنارة، فأيقنت أن القبس مصدرُه ثّمَّ. أحط رحالي الآن على منبع النور، يا الله! إنه غار!، أينبثق النور من غار مظلم؟! فتفكرتُ هُنيهة وقلت: نعم، لا غرابة؛ فالشمس لا تشرق إلا بعد سوادٍ طويلٍ من الليل، لقد حطتْ رحالي عند فمِ غار حراء، ألتفتُّ حولي باحثة عن رفيق يدلني على مرامي إذ وجدتُ امرأةً يافعةً ترمقني بنظرات ملؤها الحب والاحترام، فتيمَّمْتُها وألقيتُ عليها تحيتي فردتْ عليّ بأحسنَ منها، ثم تعجبتُ من هيأتها ولباسها وحديثها؛ لَكَأنّها امرأةٌ من قرني!، فرتبتْ بيدها على كتفي وسألتني: من أنتِ؟ وما الذي جاء بك إلى القرن الأول؟ قلت: أنا ابنة القرن الخامس العشر، وإنْ شئتِ فقولي: ابنة القرن العشريت، الذي يزعمون أنه قرن المرأة المتحضرة، جئتُ لأحمل معي من هنا سراجا منيرا أحبوه إلى الحيارى والسائلين، إلى الذين ما زالوا يتجادلون حول هويتي وانتمائي وغايتي، فقالت: نِعم الحامل والمحمول، وقد أصبتِ هدفكِ، فباغتُّها بسؤالي: أخبريني بربكِ من أنتِ؟ لقد سررتُ أن هيأتك من قرني، فهل جئتِ إلى هنا مثلي؟ لا أُخالكِ أنكِ من أهل القرن الأول!، فقالت: أنا امرأة وُلِدتْ على فم هذا الغار، حين أتى جبريل __ بنور تنزّل من طبقات السماء، ألقاه على الرجل الذي رباني، النبيُّ[1] محمد __، فاستنارتْ له أركان الدنيا، وأشرق له جبين الإنسانية، وابتسمتْ له ثغور الحيارى والسائلين، وتلألأتْ سماء الحق بنجومها، وتطامنتْ دونه كلُّ أساطير الباطل، وتلاشتْ عن جنباته زخارفُ القول، وارتدّتْ الجهالاتُ إلى جحورها. ولدت في كنفه الكريم __ وقد سطّر للتاريخ حقوقَ الإنسان بكلماتٍ لا يمحوها كرُّ الليل ولا النهار، وخصّني منها بنصيبٍ وافرٍ، وسهمٍ وارفٍ، فاسْتَنْبَتَ من روحي صحراءَها القاحلةَ، فأينعتْ أزهاري، وغردتْ أطياري، وارتقيتُ من العزِّ أعلاه، وارتديتُ من المجد أبهاه، بعد أنْ كنتُ نسيا منسيا، إني لا أبالغ؛ اقرؤوا تاريخي في جاهليات ذلكم العصر البائد، عند الفرس واليونان، وعند اليهود والنصارى، وعند العرب وسائر العجم قاطبة، ستنبِئُكم صفحاتُهم عن تاريخٍ أسودَ كفَّنوني فيه، فلا حياة تسرُّني، ولا موتَ يريحني!، أَمَا والآن فإني أرفُلُ في كنف خير إنسان خلقه الله، خلْقا وخلُقا، خاتم المرسلين __ الذي ألبسني تاج الكرامة، وذبَّ عني كل ألوان المهانة، وحلّاني بحقوقٍ ربَّانية، من قامة رأسي إلى أخْمَصِ قدميّ، فلم يدعْ شاذّة ولا فاذّة من حياتي إلا وزيّنها بأنوارِ الوحي، فنشأتُ نشأةَ الحرة الأبية، التي تعلَم ما لها، وتعلَم ما عليها، فعشتَ بفضل الله ناعمة البال، هانئة الحال. اعلمي يا ابنة القرن العشرين أننا نحيا في دنيا طُبِعتْ على النقص، وجُعِلت للابتلاء، فلا غروَ أن نجد أناسا رضوا أن يكونوا ذيلا في باطل، النورُ بين أيديهم ويقتاتون الظلام، غشتْ أعينَهم غمامةُ هوىً، فلم يروا من هذا النور الذي يُجللني إلا قيودا، فراموا فكّه وكسره، وأردوا أن يستبدلوا جحر الضب بنور الغار[2]، وهيهات أن ينالوا مني؛ فالنور القدسي الذي أحمله علمني أن العاقل لا سيتبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ لقد رَبِيتُ تحت مشكاة النبوة، فلا وربي لا أترك السبيل البيِّن إلى سبل الظلمات، ولا أفارق سماء النبوّة؛ حتى لا تتخطّفني طير أباطيلهم. إنّ من تحيا في كنف النبوة ويقرَّ في قلبها نورُ القدس لا تنحني لمناهج وضعها بشرٌ، مختلفةٌ عقولهم، متضاربةٌ أهواؤهم، متباينةٌ مقاصدهم، مهما بدتْ أقوالهم يعْلُوها قطرُ العسل، فإنها مطوية على سمٍّ زعاف، فأنا ربانية في ورودي وصدوري،[3] ربانية في واجباتي وحقوقي، ربانية في أقوالي وأفعالي. إنّ أول غرسٍ نبوي علمنيه _( هو الاستسلام، فما الإسلام لله تعالى إلا استسلامٌ لسبيله، وإذعانٌ لقِيلِه، الإسلام أنْ أخلعَ مناهجَ الجاهلية الضالة، وأتسربلَ بالحق وحده، الإسلام هو انقياد قلبي وجوارحي لهذا النور الذي انبثق من غار حراء، فلو أنَّ أولئكِ الذين فررتِ منهم أناخوا أهواءهم في رحاب النبوة لانقشعتْ تلك الغمائم القاتمة عنهم، ولكنهم حادوا عن سبيل الرشاد، وسلكوا سبل العناد. إنه الاستسلام لله، ولمراد الله يا ابنة القرن العشرين – قرن الانفتاح والعلم!– . قولي لمن يتجادلون حول هويتكِ ويتناقشون في قضيتكِ، ولِأولي المؤتمرات والمعاهدات، وللأمم المتحدة وغير المتحدة قولي: لقد أتعبتم أنفسكم؛ إن النبي __ قد هيأ الدنيا قبل مجيئي وأعدّها قبل ميلادي، فهل لديكم الخبر؟ إنه __ لم يرتضِ لي من الآباء والأمهات إلا الصالِحَين؛ فقبل أن أولَد أوصى أبي أن يحسن اختيار أمي، وأوصى أمي أن تُحسن اختيار أبي، وبيّن صفات الصالحين منهم والصالحات، فلما أقبلتُ بصرخاتي التي تعلن ميلادي أوصى والديّ بي احتفاءً وحبًّا، ورغَّبهما في أجور تربيتي أجورا تملأ ما بين السماء والأرض، وامتدحني وأحبني وحبَّبني وقال لأمم الأرض قاطبة: "لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات"، وجعلني حجابا لوالديَّ من النار، وما زال يوصي بي حتى آخر أيامه _ بأبي هو وأمي _ فقال وهو يودع أمته: "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله..."[4] فهل في مناهج الدنيا من احتفى بي مولدًا وحياةً كما فعل نبيِّ __ ؟ وبينما أنا أدرج في صفحات الأيام قلّد النبيُّ أبي وسام التكليف، فإنْ قام به خير قيام صار وسام التشريف، فألزمه أن يربيني على نور القرآن والسنة، وأن يحميني من كل ضرر في ديني ودنياي وفي عقلي وروحي وبدني، وأن ينفق عليَّ ما دمتُ في كنفه، وجعل وليَّ أمري حاميا لي ولم يجعله متسلطا علي، أمره بالرفق والرحمة بي، ونهاه عن الظلم والتقصير، فليست ولايتُه مَنقصةً لي كما يظن الظانّون، وإنما كفاية لي عن مشاقّ الحياة، التي لو حملتها على كتفي لوحدي لهاضت روحي، فلم يجعل حياتي رهن وليِّ، ولم يجعلها رهن هواي، وإنما وجَّهَ وأرشد، ووضح وفنَّد. ومنذ نشأتي اهتمّ __ بطريقة أكلي وشربي، ولبسي وشعري، وخروجي ودخولي، وبياني ولغتي، وما زلت أرقى في مدارج التربية النبوية وهو ما زال يهدي ويقوِّم، وينصح ويعلّم، واعْتنى __ بعقلي؛ فحثني على طلب العلم ومدارسته ونشره، وحضّني على حفظ القرآن وتحفيظه، والعمل به وتعليمه. وسما __ بروحي؛ فرغبني في أنواع الطاعات، ذاكرًا أجورها العظام، وغاياتها الجِسام، فحثني على قيام الليل والصدقة والذكر والتفكر. وسدد بصيرته إلى أخلاقي ظاهر وباطنا، فأوصاني بالكلمة الطيبة، والصدق في القول والعمل، والأمانة، وغض البصر عما لا يحل، أوصاني بالحياء بيني وبين أخواتي، وبيني وبين الرجال. واهتم بنشاطي وطموحي؛ فأباح لي أن أكتسب من عمل يدي، وأن أخدم أمتي بما فيه صلاحها ورفعتها وكفايتها، وقد راعى نبيِّ أن يكون كلُّ ذلك موافقا لطبيعتي الأنثوية، مراعيا مقاصد الشريعة، فلم يجعلني أكدُّ كما يكدُّ الرجال، ولا أسلك في عملي مسالكهم؛ إنما جعلني مَكْفيَّةً مَرْعِيَّةً؛ لأن وليِّ هو المسؤول أصالةً عني في النفقة، واجبةٌ عليه بلا منَّة. فلما حان موعد زواجي أوصاني بحسن اختيار الزوج الذي معه يُحفظ ديني، وأخبرني أن في طاعته بالمعروف أجورا عظيمة من الله تعالى، تعدل جهاد الرجل في ساحة العدوّ، وفي المقابل أمره أيضا بحسن عشرتي، وأخبر أن خير الرجال هو خيرهم لأهله، إن اللقمة يضعها في فمي يؤجر عليها، وإن البسمة أبتسمها له أؤجر عليها، وهكذا الحياة بيني وبينه أجر يتلوه أجر، فهلّا وجدتِ في قوانين البشر قاطبة ما يمنح الرباط الزوجي هذه القدسية المباركة؟ فبالله ماذا يريد أولئكِ الذين يقطّعون أواصر هذه العلاقة بأفكار لا ترتقي لها الأرواح الطاهرة؟ ولأن الحياة نصفها رجل ونصفها امرأة لم يجعلني أسيرُ في علاقتي مع الرجل بلا هادٍ، بل أرشدني وبيّن، فنهى وأمر، وأباح وحظر، صان حديثي لهم من الخضوع في القول، وصان عيني عنهم بغض البصر، وصان جسدي عنهم بالحجاب، وصان قلبي بالبعد عنهم ما ابتغيت إلى ذلك سبيلا، ولم يكتفِ بذلك، بل أمرهم أيضا ونهاهم، وحذرهم وأوصاهم، لأن الحياة لا تسير بنصفها فقط. فكلنا مسؤول عن قوله وفعله. ثمَُّ أما بعد، فهاكِ ذيّاكَ القبس يا ابنة القرن العشرين من فم الغار، يرتِّلُه نبيُّكِ على مسامع الدنيا: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فربنا هو الذي خلق، وهو الأعلم بمن خلق، فعليكِ بـــ {اقْرَأْ} وانطلقي بأمان في صفحات النبوة. [1]النبيُّ: مرفوع على القطع عما قبله. [2]الباء تدخل على المتروك. [3]الورود والصدور الذهاب لمكان الماء والرجوع منه {ولما ورد ماء مدين} [4]راجع خطبة الوداع تألق المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد vshgm lk tl hgyhv
التعديل الأخير تم بواسطة عقيدتي نجاتي ; 28-03-16 الساعة 02:27 AM |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 2 : | |
ALSHAMIKH, تألق |
|
|