ربيع رجل صيدلاني منذ شبابه، وهو من ذوي الدخل المتوسط تقريبا، شقته بالإيجار ولديه ثمانية من الإناث والذكور، توفي وقد قارب السبعين سنة، قبل سنتين من الآن.
مَن جرّب الأبوة سيعلم غلاء حليب الأطفال الرضّع وارتفاع ثمنه كلما امتدت السنوات، اعتاد ربيع منذ شبابه الأول أن يعطي حليب الأطفال مجانا لمن لا يستطيع دفع ثمنه، وصار الكثير يأتون إليه ويعطيهم ويعطيهم، وهم بدورهم يعطون غيرهم ممن يحتاج، وكبر الأطفال من الجيل الأول، فكانت تقول أمي عنهم مازحة: هؤلاء أبناء ربيع من الرضاعة، وما لبث أن تزوج الجيل الأول وأنجبوا، وربيع باقٍ في وظيفته، وباقٍ على عهده في العطاء، وفجأة أصيب بمرض شديد أودى حياته في بضع أشهر، وتوقف ربيع عن الحياة الدنيا، لكن من العجائب أن عطاء الحليب لم يتوقف! قدّر الله أن يخْلُف ربيعَ في عمله قريب له، واستمر على نهجه، يعطي الحليب مجانا لمن لا يقدر على ثمنه، وها هو الجيل الثاني يغذو ويحبو.