العودة   شبكــة أنصــار آل محمــد > قســم الموسوعة الثقافية > بيت الـلـغـة العــربـيـة

بيت الـلـغـة العــربـيـة هنا لغة العقيدة، وسياج الشريعة، وهوية كل مسلم

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-08-16, 03:57 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
تألق
اللقب:
عضو
الرتبة


البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 2735
المشاركات: 6,427 [+]
الجنس: انثى
المذهب: سني
بمعدل : 1.30 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 33
نقاط التقييم: 729
تألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدع

الإتصالات
الحالة:
تألق غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : بيت الـلـغـة العــربـيـة

أمَّا بعدُ؛ فإنَّ اللغة العربيَّة هي اللغة التي اختارها الله لهذا الدِّين، ولا يَمْتَرِي أحدٌ في أنَّ اللُّغة العربيَّة وعلومَها تُنَزَّلُ من علومِ الإسلامِ ومعارفِه مَنْزِلة اللسان من جَوارح الإنسان، ولا نَبعُدُ كثيرًا إذا قُلنَا: بل منزلةَ القلب منَ الجَسَد؛ لأنَّها لسان الإسلام الأَسْمى، بها أُنْزِلَ القرآن العظيم، فقال - جَلَّ وعَلاَ -: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].


"وإذا كانتِ اللُّغة هي خِزَانةَ الفكر الإنساني؛ فإنَّ خزائن العربيَّة قدِ ادَّخَرَت من نفيس البيان الصَّحيح عنِ الفكر الإنساني، وعن النُّفوس الإنسانيَّة، ما يُعجز سائر اللُّغات؛ لأنَّها صُفِّيَت منذ الجاهليَّة الأولى المُعرِقَة في القِدَم، من نفوس مُختَارة بريئة منَ الخَسَائس المُزرِيَة، ومنَ العلل الغالبة، حتى إذا جاء إسماعيلُ نبي الله، ابنُ إبراهيمَ خليل الله - عليهما الصَّلاة والسَّلام، أَخَذَها وزادها نصاعة وبراعة وكرمًا، وأسلمها إلى أبنائه منَ العَرَب، وهم على الحَنِيفِيَّة السَّمْحَة دين أبيهم إبراهيم.


فَظَلَّت تَتَحَدَّر على ألسنتهم مُختَارَة مُصَفَّاة مُبَرَّأَة، حتَّى أظَلَّ زمان نبي، لا ينطق عنِ الهوى - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم، فأنزل الله بها كتابه بلسان عربي مُبين، بلا رمز مبني على الخُرَافَات والأوهام، ولا ادِّعاء لِمَا لم يكن، ولا نسبة كَذِب إلى الله، تعالى الله عن ذلكَ عُلُوًّا كبيرًا"[1].


قال ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره" 2/ 467: لغة العَرَب هي أفصح اللُّغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أُنْزِل أشرف الكُتُب بأشرف اللُّغات على أشرف الرسل... إلى آخر كلامه - رَحِمَه الله تعالى.


وقال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة - رحمه الله - في "اقتضاء الصِّراط المستقيم" ص 268: إنَّ اللهَ لَمَّا أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مُبَلِّغًا عنه الكتابَ والحكمةَ بلسانه العَرَبي، وجعل السَّابقينَ إلى هذا الدين مُتَكَلِّمينَ به، ولم يكن سبيل إلى ضبط الدِّين ومعرفته إلاَّ بضبط هذا اللِّسان، صارت معرفته منَ الدِّين، وصار اعتبار التَّكَلُّم به أسهل على أهل الدِّين في معرفة دين الله، وأقرب إلى إقامة شعائر الدِّين، وأقرب إلى مُشابهتهم للسَّابقينَ الأَوَّلينَ منَ المُهَاجرينَ والأنصار في جميع أمورهم. ا. هـ


وقد قال الله - عَزَّ وَجَلَّ - في وصف كتابه: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28]، فوصفه بالاستقامة كما وصفه بالبيان في قوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195]، وكما وصفه بالعدل في قوله: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: 37].


وقال أبو إسحاق الزَّجَّاج[2]:
"سَمِعْتُ أبا العَبَّاس المُبَرِّد[3] يقول: كان بعضُ السَّلَف يقول: عليكم بالعربيَّة؛ فإنَّها المروءة الظَّاهرة، وهي كلام الله - عَزَّ وَجَلَّ - وأنبيائه وملائكته... إلى آخر كلامه - رَحمَه الله.


وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى" 32/ 252: معلوم أنَّ تعلُّمَ العربيَّة وتعليم العربية فَرض على الكفاية، وكان السَّلَف يُؤَدِّبُون أولادهم على اللَّحن، فنحن مأمورونَ أمر إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظَ القانونَ العربي، ونصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فَهم الكتاب والسُّنَّة، والاقتداء بالعرب في خِطَابِها، فلو تُرِكَ النَّاسُ على لَحْنِهِم كان نقصًا وعيبًا. ا.هـ


ونقل شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "اقتضاء الصراط المستقيم" ص 310 عن الإمام أحمد - رحمه الله - كَرَاهَة الرَّطَانة[4]، وتسمية الشُّهُور بالأسماء الأعجَميَّة، والوَجه عند الإمام أحمد في ذلك كَرَاهة أن يَتَعَوَّد الرَّجل النُّطق بغير العَرَبيَّة[5].


ثمَّ قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - ص 311: "لأنَّ اللِّسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يَتَمَيَّزُونَ، ولِهَذا كان كثير منَ الفُقهاء أو أكثرهم يكرهون في الأدعية التي في الصَّلاة والذِّكر أن يُدعَى الله، أو يذكر بغير العربيَّة. ا.هـ


وإذا كانتِ اللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يَتَمَيَّزون - كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - فإنَّ الأمَّة العزيزة تعتز بلغتها، وتحرص على استقلالها اللُّغَوي؛ كما تحرص على استقلالها العسكري والاقتصادي سواء، وتحترم قوانينها اللُّغَويَّة، وتَتَمَسَّك بها، والأمَّة الذَّليلة تفرط في لغتها، حتى تصبح أجنبيَّة عنها، وهي مَنسوبة إليها.


إلى مثل هذا المعنى أشارَ الكاتب الحجَّة البليغ مصطفى صادق الرَّافعي - رحمه الله - في قوله: "هل أعجب مِن أن المَجمَع العلمي الفرنسي يُؤَذِّن في قومه بإبطال كلمةٍ إنجليزيَّة، كانت في الألسنة من أثر الحرب الكبرى، ويوجب إسقاطها منَ اللُّغة جُملَةً، وهي كلمة: (نظام الحصر البَحْري)، وكانت مِمَّا جاءت مع نَكَبات فرنسا في الحرب العظمى.


فلَمَّا ذهبت تلك النَّكَبات، رأى المجمع العلمي أنَّ الكلمة وحدها نكبة على اللُّغة، كأنَّها جندي دولة أجنبيَّة في أرض دولة مُستَقلَّة بِشَارَتِه وسِلاحِه وعَلَمِه، يُعْلِن عن قَهْرٍ، أو غَلَبة، أو استعبادٍ! وهل فعلوا ذلكَ إلاَّ أنَّ التَّهَاون يدعو بعضه إلى بعض، وأنَّ الغفلة تبعث على ضعف الحفظ والتَّصَوُّن، وأنَّ الاختلاطَ والاضطراب يجيء منَ الغفلة، والفَسَاد يجتمع منَ الاختلاط والاضْطرَاب.


إنَّما الأُمُور بِمَقَاديرها في ميزان الاصطلاح، لا بِأَوزَانها في نفسها، فألف جندي أجنبي بأسلحتهم وذَخيرتهم في أرض هالِكَة بأهليها، ربما كانوا غوثًا تَفَتَّحَت به السَّماء؛ ولكن جنديًّا واحدًا من هؤلاء في أمَّة قويَّة مستقلَّة، تنشق له الأرض، وتكاد السَّماء أن تَقَعَ[6]. ا.هـ


وقال - رَحمَه الله - في موضعٍ آخر: ما ذَلَّت لغة شعب إلاَّ ذَلَّ، ولا انْحَطَّت إلاَّ كان أمره في ذَهابٍ وإِدْبار، ومِن هذا يفرض الأجنبي المستعمر[7] لغتَه فرضًا على الأمَّة المُستَعمَرَة، ويركبهم بها، ويشعرهم عظمته فيها، ويستلحقهم من ناحيتها؛ فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثة في عمل واحد:
أمَّا الأوَّل: فحبس لغتهم في لغته سجنًا مؤبَّدًا.
وأمَّا الثاني: فالحكم على ماضيهم بالقَتل محوًا ونسيانًا.
وأمَّا الثالث: فتَقييد مُستقبلهم في الأَغلال التي يَصنَعُها، فأمرهم من بعدها لأمره تَبَعٌ"[8]. ا.هـ.


وقد قال الشَّافعي - رحمَه الله -:
إنَّ المسلمَ عليه أن يكونَ تَبَعًا فيما افتُرِضَ عليه، ونُدِبَ إليه، لا مَتْبُوعًا؛ أيْ: على كلِّ مسلمٍ أن يَتَعَلَّمَ من لغة العرب ما يكون به على أصل ما جاء به النَّبي - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - لا أن يظلَّ على لغته هو، أو عرف قومه واصطلاحهم ولهجتهم، وتتبعه لغة العرب التي جاءَ بها القرآن وسُنَّة النَّبي - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - فيكون بذلكَ متبوعًا.


واعلم أنَّ شخصيَّة الأمَّة تبدو جَليَّة عند اعتيادها الأخذ بلغة الكتاب العزيز، وأن تَرْكَ تلكَ اللُّغة مضيعة لشخصيَّة الأمَّة، وامِّحاء لها، وذوبان لتلكَ الشَّخصيَّة في كيان الأمم التي تَتَكَلَّم الأمة لغاتها.


فإن تَرَكَتِ الأمَّة لغةَ الكتاب إلى غير لُغَة مِمَّا يعتد به، فاعلم أنَّها أصْبَحَت أمَّة لا شخصيَّة لها، وعُدَّها في الموتى، وكَبِّر عليها أربعًا.
قال شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة - رحمَه الله -:
"اعلم أنَّ اعتيادَ اللُّغة يؤثر في العقل والخُلُق والدِّين، تأثيرًا قويًّا بَيِّنًا، ويُؤَثِّر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمَّة منَ الصَّحابة والتابعينَ، ومُشَابَهتُهم تزيد العقل والدِّين والخُلُق"[9]. ا. هـ


وقال الرَّافعي - رحمه الله -:
"اللُّغة هي صورة وجود الأمَّة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها، وجودًا مُتَمَيِّزًا بخصائصه؛ فهي قوميَّة الفِكر، تَتَّحد بها الأمَّة في صور التفكير وأساليب أخذ المعنى منَ المادَّة.


والدِّقَّة في تركيب اللُّغة دليلٌ على دِقَّة المَلَكَات في أهلها، وعمقها هو عُمْق الرُّوح، ودليل الحِسِّ على ميل الأمَّة إلى التَّفكير والبحث في الأسباب والعِلَل.
وكثرة مُشتَقَّاتها برهان على نَزعة الحُرِّيَّة وطِماحها؛ فإنَّ رُوح الاستعباد ضَيِّق لا يَتَّسع، ودَأْبُه لُزُوم الكلمة والكلمات القليلة.


وإذا كانتِ اللُّغة بهذه المَنْزِلة، وكانت أمَّتُها حريصة عليها، ناهِضةً بها، مُتَّسِعة فيها، مكبرة شأنها، فما يأتي ذلكَ إلاَّ من رُوح التَّسَلُّط في شعبها والمُطابقة بين طبيعته وعمل طبيعته، وكونه سيد أمره، ومُحَقق وجوده، ومستعمل قُوَّته، والآخذ بحقِّه.


فأمَّا إذا كان منه التَّرَاخي والإهمال، وتَرك اللُّغة للطَّبيعة السُّوقيَّة، وإصغار أمرها، وتهوين خَطَرها، وإيثار غيرها بالحُبِّ والإكبار، فهذا شَعب خادمٌ لا مَخدوم، تابع لا مَتبُوع، ضعيف عن تكاليف السِّيادَة.


لا يطيق أن يحملَ عظمة ميراثه، مُجتَزئ ببعض حَقِّه، مكتفٍ بضَرُورَات العيش، يوضع لِحُكمه القانونُ الذي أكثره للحرمان، وأقَلُّه للفائدة التي هي كالحِرْمان.


لا جَرَمَ كانت لُغة الأمَّة هي الهدفَ الأَوَّل للمستعمرينَ، فلَن يَتَحَوَّل الشَّعب أول ما يَتَحَوَّل إلاَّ من لُغَته؛ إذ يكونُ منشأ التَّحَوُّل من أفكاره وعَوَاطفه وآماله.


وهو إذا انْقَطَعَ من نَسَب لغته انقَطَعَ من نَسَب ماضيه، فلَيسَ كاللُّغة نسبٌ للعاطفة والفِكْر؛ حتَّى إنَّ أبناء الأب الواحد لو اختلفت ألسنتُهُم، فنَشَأَ منهم ناشئ على لُغَة، ونشأ الثاني على أخرى، والثالث على لُغَة ثالثة، لكانوا في العاطفة كأبناء ثلاثة آباء"[10]. ا.هـ


وكان علماء الأمَّة - رحمهمُ الله - في صَدْرها الأَوَّل على وعي كامل بأَثَر اللغة في تكوين الأمَّة، وخطرها في بناء شَخصيَّة المسلم، ولذلكَ حَرَصُوا حرصًا شديدًا على لغة القرآن والسُّنَّة، وشَدَّدُوا النَّكير على مَن حادَ عنها إلى غيرها، واستبدلَ الذي هو أدنى بالذي هو خير.


قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمَه الله -:
قال الشَّافعي، فيما رواه السِّلَفِي بإسناد مَعروف إلى محمد بن عبدالحَكَم قال: سمعتُ محمَّد بن إدريس الشَّافعي يقول:
"سَمَّى الله الطَّالبينَ من فضله في الشِّراء والبيع تُجَّارًا، ولم تزل العرب تُسميهم التجَّار، ثم سَمَّاهم رسول الله - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - بما سَمَّى الله به منَ التِّجارة بلسان العرب.


والسَّمَاسرة اسم من أسماء العَجَم، فلاَ نحبُّ أن يُسمِّيَ رجلٌ يعرف العربيَّة تاجرًا إلاَّ تاجرًا، ولا ينطق بالعربيَّة، فيسمي شيئًا بالعجميَّة؛ وذلكَ أنَّ اللسانَ الذي اختاره الله - عَزَّ وَجَلَّ - لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعَلَه لسان خاتم أنبيائه محمَّد - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم.


ولِهَذا نقول: ينبغي لكُلِّ أحدٍ يَقدِر على تَعَلُّم العَرَبيَّة أن يَتَعَلَّمَهَا؛ لأنَّها اللسان الأَوْلَى بأن يكونَ مرغوبًا فيه، مِن غير أن يُحرِّم على أحدٍ أن ينطقَ بالعجميَّة.
قال شيخ الإسلام:
فقد كَرِه الشافعي لِمَن يعرف العربيَّة أن يسميَ بغيرها، وأن يَتَكَلَّمَ بها خالطًا لها بالعَجميَّة، وهذا الذي ذكره، قالَهُ الأئمة مأثورًا عنِ الصَّحابة والتابعينَ"[11]. ا. هـ


وقال - رحمه الله - في موضع آخر:
"وما زال السَّلَف يكرهون تغيير شعائر العرب حتَّى في المُعَامَلات، وهو التَّكَلُّم بغير العربيَّة، إلاَّ لحاجَة، كما نَصَّ على ذلك مالكٌ والشَّافعي وأحمد؛ بل قال مالك: مَن تَكَلَّم في مسجدنا بغير العربيَّة أُخرِج منه.


مع أنَّ سائرَ الألسن يَجوز النُّطق بها لأصحابها؛ ولكن سَوَّغوها للحاجة، وكَرهُوهَا لغير الحاجة، ولِحِفْظ الإسلام.
فإنَّ اللهَ أنزل كتابه باللسان العربي، وبَعَثَ به نَبيَّه العربي، وجعلَ الأمَّة العربيَّة خير الأمم، فصارَ حفظ شعارهم من تَمَام حفظ الإسلام.
فكيف بِمَن تَقَدَّم على الكلام العربي - مُفرده ومنظومه - يُغَيِّرُه ويُبَدِّله، ويخرجه عن قانونه، ويُكَلِّف الانتقال عنه؟!"[12].


ولم يكنِ العَرَبُ عندما يفتحون بلدًا منَ البُلدان يتركون لسانَهم ولسان قرآنهم من أجل لسان أحد؛ وإنما تغلب العربيَّة على أهل المِصْر المَفْتوح حتَّى تطبق عليه، ويكره المسلمونَ أَشَدَّ الكُرْهِ أن تَتَفَشَّى فيهم العُجْمة والرَّطَانَة البعيدتان عن لغة الكتاب وأهله.



قال شيخ الإسلام:
"واعتياد الخِطاب بغير العربيَّة التي هيَ شعار الإسلام ولُغة القرآن، حتى يصيرَ ذلكَ عادَة للمِصْر وأهله، ولأهل الدار، وللرجل معَ صاحبه، ولأهل السُّوق، أو للأُمراء، أو لأهل الدِّيوان، أو لأهل الفقه، فلاَ ريبَ أنَّ هذا مكروه؛ فإنَّه منَ التَّشَبُّه بالأعاجم.


ولهذا كانَ المسلمونَ المُتَقَدِّمون، لَمَّا سَكَنوا أرض الشام ومِصْر، ولغةُ أهلهما رُوميَّة، وأرضَ العراق وخُرَاسَان، ولغةُ أهلهما فارسيَّة، وأرضَ المغرب ولغةُ أهلها بَرْبَرِيَّة، عَوَّدُوا أهل هذه البلاد العَرَبيَّة، حتَّى غلبت على أهل هذه الأَمصار؛ مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خُرَاسَان قديمًا.


ثمَّ إنَّهم - أي: المسلمينَ - تساهَلُوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسيَّة، حتى غلبت عليهم، وصارتِ العربيَّة مهجورةً عند كثيرٍ منهم، ولا ريبَ أنَّ هذا مَكرُوه.


وإنَّما الطَّريق الحَسَن اعتياد الخطاب بالعربيَّة، حتى يَتَلَقَّنها الصِّغار في الدُّور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلكَ أسهل على أهل الإسلام في فِقه معاني الكتاب والسُّنَّة وكلام السَّلَف، بخلاف منِ اعتادَ لغة، ثم أراد أن ينتقلَ إلى أخرى فإنَّه يصعبُ عليه"[13].


ويدلُّكَ على اكتساح العربيَّة لغات البلاد المفتوحة - غير ما ذكره شيخ الإسلام - رحمه الله - فيما تَقَدَّمَ - تلك الأَنَّة الشاكية التي كَتَبها "ألفارو" مَطران[14] "قرطبة" إلى أحد أصدقائه عام أربع وخمسين وثمانمائة منَ الميلاد، يصف فيها حال اللُّغة العربيَّة مع لغة كتابه المُقَدَّس، زَعَم.
وكيف تَحَوَّل أتْبَاعُه، وأتباع كتابه بالأمس إلى لغة القرآن المجيد، ولم يكن قد مَضَى على فتح الأندلس غير مائة وأربعين عامًا عندما كَتَب تلكَ الرِّسالة الشَّاكية.


كتب "ألفارو" مَطران "قرطبة" عام أربع وخمسين وثمانمائة للميلاد إلى أحد أصدقائه يقول:
"مَن الذي يعكف اليوم بين أتباعنا منَ المؤمنينَ على دراسة الكُتُب المُقَدَّسَة، أو يرجع إلى كتاب أي عالم من علمائها، مِمَّن كتبوا في اللُّغة اللاَّتينيَّة؟ مَن منهم يدرس الإنجيل، أو الأنبياء، أو الرُّسل؟
إنَّنا لا نرى غير شُبَّان مسيحيينَ هاموا حبًّا باللغة العربيَّة، يبحثون عن كتبها ويتُقنونها، ويدرسونها في شَغَف، ويعلقون عليها، ويَتَحَدَّثُون بها في طلاقة، ويكتبون بها في جمال وبلاغة، ويقولون فيها الشِّعر في رقة وأناقة.


يا للحزن! مسيحيونَ يجهلون كتابهم وقانونهم ولاَتينيتهم، وينسَوْن لغتهم نفسها، ولا يكاد الواحد منهم يستطيع أن يكتبَ رسالةً معقولةً لأخيه مُسَلِّمًا عليه، وتستطيع أن تجدَ جمعًا لا يُحْصَى يُظْهِر تفوقه وقدرته وتَمَكُّنه منَ اللغة العربيَّة". ا.هـ


وكان العرب يفرُّون منَ الوُقُوع في اللَّحن، ويحثُّون على تَعَلُّم العربيَّة فَحَرِيٌّ بطالب العلم أن يَتَعَلَّم قواعد الكلام العربي، وأن يفر من أن يلحن في كلامه.
وقد عَقَد ابنُ عبدالبر - رحمَه الله - في أول كتابه: "بهجة المَجَالس وأنس المُجَالِس" بابًا في اجتناب اللَّحن وتعلُّم العربيَّة، وذمِّ الغريب منَ الخطاب، أورد فيه أخبارًا وأشعارًا حول هذا الأمر، وصدَّره بقول عمر - رضيَ الله عنه، حينما كَتَب إلى أبي موسى الأشعري - أهمية تعلم النحوا -: أمَّا بعدُ، فتَفَقَّهوا في السُّنَّة، وتعلَّموا العربيَّة، وأعرِبوا القرآن؛ فإنَّه عَربي[15].


ورَوَى ابن أبي شيبة، عن عمر أيضًا أنَّه قال: تعلَّموا العربيَّة؛ فإنَّها من دينكم، وتعلَّموا الفَرَائضَ؛ فإنَّها مِن دينكم[16].
ورَوى الخطيب البغدادي - رحمَه الله - في كتابه "الجامع لأخلاق الرَّاوي وآداب السامع" 2/25 (1067)، أنَّ عمرَ بن الخَطَّاب - رضيَ الله عنه - قال: تعلَّموا العربيَّة؛ فإنَّها تزيد في المروءة، وتثبت العقل.


قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "اقتضاء الصِّراط المستقيم" ص 317: "وهذا الذي أمر به عمر - رضيَ الله عنه - من فقه العربيَّة، وفقه الشَّريعة، يجمع ما يُحْتَاج إليه؛ لأنَّ الدِّين فيه أقوال وأعمال، فَفِقه العربيَّة هو الطريق إلى فقه أقواله، وفِقه السُّنَّة هو فقه أعماله. ا.هـ
ورَوَى ابن أبي شيبة أيضًا في "مصنفه"، عنِ ابن عمرَ - رضيَ الله عنهما - أنَّه كانَ يضرب ولده على اللَّحن[17].
ورَوَى أيضًا، عن أُبَي بن كعب أنه قال: تعلَّموا العربيَّة، كما تعلمون حفظ القُرآن[18].
ورَوَى أيضًا، عن ابن عمر أنَّه قال: أعرِبوا القرآن؛ فإنَّه عربي[19].
ورَوَى أيضًا، عن ابن بُرَيْدَة، عن رجل من أصحاب النَّبي - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - أنَّه قال: لأَن أقرأَ آيةً بإعرابٍ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أقرأَ كذا وكذا آية بغير إعرابٍ[20].
ورَوَى أيضًا، عن أبي جعفر أنَّه قال: مِن فِقه الرجل عرفانه اللَّحن[21].


ولاَ شَكَّ أنَّ دِعامة العُلُوم العربيَّة وقانونها الأَعلى، الذي منه تستمد العون، وتستَلْهِم القصد، وترجع إليه في جميع مسائلها، وفروع تشريها، هو علم النَّحو.
وهذه العلوم النَّقليَّة - على عظيم شأنِها - لا سبيلَ إلى استخلاص حقائقها، والنَّفاذ إلى أسرارها بغير هذا العلم، فهل ندركُ كلام الله تعالى، ونَفهم دقائقَ التَّفسير، وأحاديث الرَّسول - عليه السَّلام، وأصول العقائد، وأدلَّة الحكام، وما يتبع ذلكَ من مسائل فقهيَّة، وبحوث شرعيَّة مختلفة، قد ترقى بصاحبها إلى مراتب الأئمَّة، وتسمو به إلى منازل المجتهدينَ إلاَّ بإلهام النَّحو وإرشاده؟!


ولذلكَ أجْمَعَ الأئمَّة منَ السَّلَف والخَلَف قاطبة على أنَّ النَّحو شرط في رتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لو جَمَع كُلَّ العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم النَّحو، فيعرف به المعاني التي لا سبيل لمعرفتها بغيره، فرُتبة الاجتهاد مُتَوَقِّفة عليه، لا تتم إلاَّ به[22].


فعلم النَّحو من أسْمَى العلوم قدرًا، وأنفعها أَثَرًا، به يَتَثَقَّف أَوَد[23] اللسان، ويَسْلَس[24] عنان البيان، وقيمة المرء فيما تحت طيِّ لسانه، لا طيلسانه، ولا يمكن أن يستغنيَ عن علم النَّحو إلاَّ الأخرسُ الذي لا يفصح بحرف واحدٍ.
وقد وَرَد عن سَلَفنا الصَّالح - رحمهم الله تعالى - آثار كثيرة تَحُثُّ على تعلُّم علم النَّحو، أورَدَ منها الخطيب البغدادي - رحمَه الله - طرفًا في كتابه: "الجامع لأخلاق الرَّاوي وآداب السامع"، وَبَوَّبَ عليها - رحمَه الله - بقوله: التَّرغيب في تعلُّم النحو والعربيَّة لأداء الحديث بالعبارة السَّويَّة.


ومنَ الآثار التي أوردها - رحمه الله -:
1- قال الرَّحبي: سمعتُ بعض أصحابنا يقول: إذا كَتَبَ لَحَّان، فكتب عنِ اللَّحَّان لَحَّانٌ آخر، فكَتَب عنِ اللَّحَّان لحانٌ آخر، صارَ الحديث بالفارسيَّة[25].
قال الخطيب البغدادي - رحمه الله -: فينبغي للمُحَدِّث أن يَتَّقيَ اللَّحن في روايته؛ لِلعلَّة التي ذكرناها، ولن يقدرَ على ذلكَ إلاَّ بعد دراسة النَّحو، ومطالعته علم العربيَّة. ا.هـ
2- قال المغيرة بن عبدالرحمن: جاء الدَّرَاوَرْدِي - يعني: عبدالعزيز بن محمد - إلى أبي يعرض عليه الحديث، فجعل يقرأ ويلحن لحنًا بَيِّنًا، فقال له أَبِي: وَيحكَ يا دَرَاوَرْدِيّ، أنتَ كنتَ بإقامة لسانكَ قبل هذا الشأن أحرى[26].
3- قال حاجب بن سليمان: سمعتُ وكيعًا يقول: أتيتُ الأعمش أسمع منه الحديثَ، وكنتُ ربَّما لحنتُ، فقال لي: يا أبا سفيان، تركتَ ما هو أَوْلَى بكَ منَ الحديث. فقلتُ يا أبا محمد، وأي شيء أَوْلَى منَ الحديث؟ قال: النَّحو. فأَمْلَى عليَّ الأعمش النَّحو، ثُمَّ أملى عليَّ الحديثَ[27].
4- سمع أبو عمرو أبا حنيفة يَتَكَلَّم في الفقه، ويلحن، فأعْجَبَه كلامه، واستقبح لَحنه، فقال: إنَّه لَخَطَّاب، لو ساعَدَهُ صَوَاب.
ثم قال لأبي حنيفة: إنَّكَ لأَحوج إلى إصلاح لسانكَ من جميع النَّاس[28].
5- قال شعبة: مَن طَلَب الحديث، فلم يبصر العربيَّة، فمثله مَثَل رجل عليه بُرْنُس، وليس له رأس[29].
6- قال حَمَّاد بن سَلَمة: مَثَل الذي يَطلُب الحديثَ، ولا يعرف النَّحو، مثل الحِمار، عليه مخلاة[30]، لا شعير فيها[31].
7- قال حماد بن سلمة لإنسان: إن لحنتَ في حديثي فقد كذبتَ عليَّ؛ فإني لا ألحن[32].
8- قال الشعبي: النَّحو في العلم كالملح في الطَّعام، لا يُستَغنى عنه[33].
9- قال سالم بن قتيبة: كنتُ عند ابن هُبَيرة الأكبر، فجَرَى الحديث، حتى ذكر العربيَّة، فقال: والله ما استوى رجلان، دينُهما واحد، وحسبهما واحد، ومروءتهما واحدة، أحدهما يلحن، والآخر لا يلحن، إنَّ أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن.


قلت: أصلحَ الله الأمير، هذا أفضل في الدُّنيا لفضل فصاحته وعَرَبيته، أرأيتَ الآخرة، ما باله فُضِّل فيها؟
قال: إنَّه يقرأ كتاب الله على ما أنزل الله، وإنَّ الذي يلحن يحمله لَحنه على أن يُدْخِلَ في كتاب الله ما ليس فيه، ويُخْرِج منه ما هو فيه. قال: قلتُ: صَدَق الأمير، وبَرَّ[34].


وقال علي - أهمية تعلم النحو -: تعلَّموا النَّحو؛ فإنَّ بني إسرائيل كفروا بحرفٍ واحد كان في الإنجيل الكريم مسطورًا، وهو: أنا وَلَّدت عيسى. بتشديد اللام، فخَفَّفوه، فكَفَرُوا.
وكان بعض البلغاء يقول: إنِّي لأجد للَّحن في فمي سُهُوكة كسُهُوكَة اللَّحم.
وقال الأصمعي - رحمه الله -[35]: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم - إذا لم يعرف النَّحو - أن يَدخلَ في جملة قوله - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم -: ((مَن كذب عليَّ متعمدًا فَلْيَتَبَوَّأ مقعده منَ النار))[36].
وقال ابن جنِّي[37]: إنَّ أكثر مَن ضَلَّ من أهل الشَّريعة عن القصد فيها، وحادَ عن الطَّريقة المُثلى إليها فإنَّما استهواه، واستخَفَّ حلمَهُ، ضعفُه في هذه اللُّغة الكريمة الشَّريفة التي خوطب الكافة بها. ا هـ [38].


وقال عبدالله بن المبارك - رحمه الله -: اللَّحن في الكلام أقبح من آثار الجدري في الوجه.
وقال الزُّهْرِي - رحمه الله -: ما أحدث النَّاس مروءةً أحب إليَّ من تعلُّم النحو[39].
وقال الشافعي - رحمه الله -: مَن تَبَحَّرَ في النحو اهتدَى إلى كل العلوم[40].
وقال أيضًا - رحمه الله -: لا أُسأَل عَن مسألة مِن مسائل الفِقه إلاَّ أجبتُ عنها من قواعد النحو[41].
وقال أيضًا - رحمه الله -: ما أردتُ بها - يعني: العربيَّة والأخبار - إلاَّ الاستعانة على الفقه [42].


وفي "معجم الأدباء" للحموي: حَدَّثَ النَّضر بن شُمَيل، قال أخبرنا الخليل بن أحمد، قال: سمعتُ أيوب السَّخْتِيَانِي يُحَدِّث بحديثٍ، فَلَحَن فيه، فقال: أستغفر الله، يعني: أنه عَدَّ اللَّحن ذنبًا [43].
وفيه أيضًا: وحَدَّث أبو العيناء، عن وَهْب بن جرير، أنه قال لفتى من باهلة: يا بُنَي، اطلب النَّحو؛ فإنَّكَ لن تعلمَ منه بابًا إلاَّ تَدَرَّعتَ[44] منَ الجمال سِربالاً[45].
وفيه أيضًا، عن سعيد بن سَلْم، قال: دخلتُ على الرَّشيد، فبَهَرَني هيبةً وجمالاً، فلَمَّا لَحَن خَفَّ في عَيْنِي.


وعلى هذا قول الشاعر:
يُعْجِبُنِي زِيُّ الفَتَى وَجَمَالُهُ فَيَسْقُطُ مِنْ عَيْنَيَّ سَاعَةَ يَلْحَنُ

وفيه أيضًا: عن الشَّعبي، قال: حُلِي الرِّجال العربيَّة، وحلي النساء الشَّحم.
وفيه أيضًا: قال رجل لبَنِيه: يا بَنِي، أصْلِحوا مِن ألْسِنتكم؛ فإنَّ الرَّجل تنوبه النَّائبة، يحتاج أن يَتَجَمَّل فيها، فستعير من أخيه دابة، ومن صديقه ثوبًا، ولا يجد من يعيره لسانًا.


فهذه جملة منَ الآثار الواردة عن سَلَفنا الصالح - رحمهم الله، تبين عنايتهم البالغة باللُّغة، وكيفَ أنَّها كانت أهم وسيلة عندهم لتَعَلُّم دينهم، ونحن مأمورونَ باقتفاء آثارهم، والاهتداء بمنارهم، ففيهم وفي سلوك سبيلهم الخير كله.
وما زال الأمر على ذلكَ حتى يومنا هذا، فها هو سماحة الشَّيخ ابن عُثَيمين - رحمَه الله - ينادي بضرورة تعلُّم علم النَّحو، فقد ذَكَر - رحمه الله - في مقدمة شرحه لكتاب "نزهة النَّظَر" أنَّ علمَ النَّحو أهم من علم الحديث من وجه. ا.هـ


وكلنا يعلم ما لعلم الحديث من أهميَّة إذ هو الطريق لمعرفة ما صَحَّ عن رسول الله - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - من أحاديث؛ حتى يتعَبَّد لله بها.
وكذلكَ كان الشَّيخ مُقبل الوَادعي - رحمه الله -: فقد كانَ - رحمَه الله - يحثُّ طلابه كثيرًا على تعلُّم اللُّغة العربيَّة، وكان يُخَلِّل دروسه بالسُّؤال عن الشَّواهد الشِّعريَّة والإعراب، وقد قال - رحمه الله - يومًا لطُلاَّبه: يا أبنائي، إن كانت لي عندكم نصيحَة مُتَقَبَّلَة فاهتَمُّوا بالنَّحو[46].


ولقد أورَدَ أبو بكر محمد بن عبدالملك الشَّنْتَرِينِيّ[47] قصيدتينِ تُبَيِّنَان أهميَّة تعلُّم علم النحو، في فصل من كتابه: "تنبيه الألباب على فضائل الإعراب".
القصيدة الأولى لإسحاق بن خَلَف المعروف بابن الطَّبيب[48]، يقول فيها:
النَّحْوُ يَبْسُطُ مِنْ لِسَانِ الأَلْكَنِ[49] وَالمَرْءُ تُعْظِمُهُ إِذَا لَمْ يَلْحَنِ
فَإِذَا طَلَبْتَ مِنَ العُلُومِ أَجَلَّهَا فَأَجَلُّهَا مِنْهَا مُقِيمُ الأَلْسُنِ
لَحْنُ الشَّرِيفِ يُزِيلُهُ عَنْ قَدْرِهِ وَتَرَاهُ يَسْقُطُ مِنْ لِحَاظِ الأَعْيُنِ
وَتَرَى الوَضِيعَ إِذَا تَكَلَّمَ مُعْرِبًا نَالَ المَهَابَةَ بِاللِّسَانِ الأَلْسَنِ
مَا وَرَّثَ الآبَاءُ عِنْدَ وَفَاتِهِمْ لِبَنِيهِمُ مِثْلَ العُلُومِ فَأَتْقِنِ
فَاطْلُبْ هُدِيتَ وَلا تَكُنْ مُتَأَبِّيًا فَالنَّحْوُ زَيْنُ العَالِمِ المُتَفَنِّنِ
والنَّحْوُ مِثْلُ المِلْحِ إِنْ أَلْقَيْتَهُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ طَعَامٍ يَحْسُنِ

وأمَّا القصيدة الثانية فَلِلْكِسَائيّ علي بن حمزة - رحمَه الله تعالى[50]، قال فيها:
إِنَّمَا النَّحْوُ قِياسٌ يُتَّبَعْ وَبِهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ يُنْتَفَعْ
فَإِذَا مَا أَتْقَنَ النَّحْوَ الفَتَى مَرَّ فِي المَنْطِقِ مَرًّا فَاتَّسَعْ
وَاتَّقَاهُ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْ جَلِيسٍ نَاطِقٍ أَوْ مُسْتَمِعْ
وَإِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ الفَتَى هَابَ أَنْ يَنْطِقَ جُبْنًا فَانْقَمَعْ
يَقْرَأُ القُرْآنَ لا يَعْرِفُ مَا صَرَّفَ الإِعْرَابُ فِيهِ وَصَنَعْ
فَتَرَاهُ يَنْصِبُ الرَّفْعَ وَمَا كَانَ مِنْ نَصْبٍ وَمِنْ خَفْضٍ رَفَعْ
وَإِذَا حَرْفٌ جَرَى إِعْرَابُهُ صَعُبَ الحَرْفُ عَلَيْهِ وَامْتَنَعْ
يَتَّقِي اللَّحْنَ إِذَا يَقْرَؤُهُ وَهْوَ لا يَدْرِي وَفِي اللَّحْنِ وَقَعْ
يَلْزَمُ الذَّنْبُ الَّذِي أَقْرَأَهُ وَهْوَ لاَ ذَنْبَ لَهُ فِيمَا اتَّبَعْ
وَالَّذِي يَعْرِفُهُ يَقْرَؤُهُ وَإِذَا مَا شَكَّ فِي حَرْفٍ رَجَعْ
نَاظِرًا فِيهِ وَفِي إِعْرَابِهِ فَإِذَا مَا عَرَفَ الحَقَّ صَدَعْ
أَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَتِ السُّنَّةُ فِينَا كَالبِدَعْ
وَكَذَاكَ العِلْمُ وَالجَهْلُ فَخُذْ مِنْهُمَا مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ وَدَعْ
كَمْ وَضِيعٍ رَفَعَ النَّحْوُ وَكَمْ مِنْ شَرِيفٍ قَدْ رَأَيْنَاهُ وَضَعْ
وقال آخر:

وَيَا حَبَّذَا النّحْوُ مِنْ مَطْلَبٍ تَعَالَى بِهِ قَدْرُ طُلاَّبِهِ
كَأَنَّ العُلُومَ لَهُ عَسْكَرٌ وُقُوفٌ خُضُوعٌ عَلَى بَابِهِ

وقال شاعر يصف النحو:
اقْتَبِسِ اقْتَبِسِ النَّحْوَ فَنِعْمَ المُقْتَبَسْ وَالنَّحْوُ زَيْنٌ وَجَمَالٌ مُلْتَمَسْ
صَاحِبُهُ مُكْرَمٌ حَيَثُ جَلَسْ مَنْ فَاتَهُ فَقَدْ تَعَمَّى وَانْتَكَسْ
كَأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ العِيِّ خَرَسْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ الحِمَارِ وَالفَرَسْ
[51]

وإنَّ مَن يحاول إقامة الدليل على فضل علم النحو كان كَمَن يتكلفه على إشراق الشمس وضياء النهار.


الموضوع الأصلي: أهمية تعلم علم النحو || الكاتب: تألق || المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد

كلمات البحث

شبكــة أنصــار آل محمــد ,شبكــة أنصــار ,آل محمــد ,منتدى أنصــار





Hildm jugl ugl hgkp, hgkp,










توقيع : تألق

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عرض البوم صور تألق   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(مشاهدة الكل عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 2 :
ALSHAMIKH, السليماني

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Bookmark and Share


الساعة الآن 08:30 PM

أقسام المنتدى

قســم إسلامنا تاريخٌ ومنهاج | بيت الكتاب والسنة | قســم موسوعة الصوتيات والمرئيات والبرامج | بيت الشكـاوي والإقتراحــات | بيت الآل والأصحاب من منظور أهل السنة والجماعة | قســم الموسوعـة الحواريـة | بيت الحــوار العقـائــدي | بيت الطـب البـديـل وطـب العـائلـة | بيت الأسـرة السعيــدة | قســم الدعم الخاص لقناة وصــال | بيت شبهات وردود | بيت التـاريـخ الإسلامي | بيت المهتدون إلى الإسلام ومنهج الحق | قســم موسوعة الأسرة المسلمـــة | وحــدة الرصــد والمتـابعــة | بيت الصوتيـات والمرئيـات العــام | بيت الصــــور | بيت الأرشيــف والمواضيــع المكــررة | بيت الترحيب بالأعضاء الجدد والمناسبات | بيت الجـوال والحـاسـب والبـرامـج المعـربـة | بيت المكتبـة الإسلاميـة | بيت الأحبـة فــي اللــه الطاقــم الإشـرافــي | بيت موسوعة طالب العلم | قســم الموسوعة الثقافية | البيــت العـــام | قســم دليل وتوثيق | بيت وثائق وبراهين | بيت القصـص والعبـــــــر | بيت الإدارة | بيت الصوتيـات والمرئيـات الخــاص | بيت المعتقد الإسماعيلي الباطني | بيت مختارات من غرف البالتوك لأهل السنة والجماعة | بيت الأحبـة فــي اللــه المراقبيـــــــن | بيت أهل السنه في إيران وفضح النشاط الصفوي | بيت المحــذوفــات | بيت ســؤال وجــواب | بيت أحداث العالم الإسلامي والحوار السياسـي | بيت فـرق وأديـان | باب علــم الحــديـث وشرحــه | بيت الحـــوار الحــــــــّر | وصــال للتواصل | بيت الشعـــر وأصنافـــه | باب أبـداعـات أعضـاء أنصـار الشعـريـة | باب المطبــخ | بيت الداعيـــات | بيت لمســــــــــــات | بيت الفـلاش وعـالـم التصميــم | قســم التـواصـي والتـواصـل | قســم الطــاقــــــــم الإداري | العضويات | بـاب الحــــج | بيـت المــواســم | بـاب التعليمـي | أخبــار قناة وصــال المعتمدة | بيت فـريـق الإنتـاج الإعـلامـي | بيت الـلـغـة العــربـيـة | مطبخ عمل شامل يخص سورية الحبيبة | باب تصاميم من إبداع أعضاء أنصـار آل محمد | بـاب البـرودكــاسـت | بيت تفسير وتعبير الرؤى والأحلام | ســؤال وجــواب بمــا يخــص شبهات الحديث وأهله | كلية اللغة العربية | باب نصح الإسماعيلية | باب غرفـة أبنـاء عائشـة أنصـار آل محمـد | بـيــت المـؤسـســيـــن | بـاب السيـرة النبـويـة | بـاب شهـــر رمضــان | تـراجــم علمـائـنـا |



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant