"اعلم - علمك الله الخير ، ودلك عليه ، وقيضه لك ، وجعلك من أهله أن أحق العلوم بالتعلم ، وأولاها بالتحفظ - بعد المعرفة بالله جل ثناؤه - علم البلاغة ، ومعرفة الفصاحة ، الذي به يعرف إعجاز كتاب الله تعالى ، الناطق بالحق ، الهادي إلى سبيل الرشد ، المدلول به على صدق الرسالة وصحة النبوة ، التي رفعت أعلام الحق ، وأقامت منار الدين ، وأزالت شبه الكفر ببراهينها ، وهتكت حجب الشك بيقينها . وقد علمنا أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة ، وأخل بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصه الله به من حسن التأليف ، وبراعة التركيب ، وما شحنه به من الإيجاز البديع ، والاختصار اللطيف ؛ وضمنه من الحلاوة ، وجلله من رونق الطلاوة ، مع سهولة كلمه وجزالتها ، وعذوبتها وسلاستها ، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها ، وتحيرت عقولهم فيها . وإنما يعرف إعجازه من جهة عجز العرب عنه ، وقصورهم عن بلوغ غايته ، في حسنه وبراعته ، وسلاسته ونصاعته ، وكمال معانيه ، وصفاء ألفاظه . وقبيح لعمري بالفقيه المؤتم به ؛ والقارئ المهتدي بهديه ، والمتكلم المشار إليه في حسن مناظرته ، وتمام آلته في مجادلته ، وشدة شكيمته في حجاجه".