بيت موسوعة طالب العلم كـل مايخص طالب العلم ومنها الفتــاوى |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
18-06-11, 11:12 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
بيت موسوعة طالب العلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته*
من إملاءت الشيخ عبد العزيز بن باز غفر الله له تحدث عن موضوع هام لكل مسلم عن أصول الايمان قال رحمة الله : قد أوضح القرآن هذه الأصول في آيات كثيرة كما أوضحها نبينا عليه الصلاة والسلام في أحاديث صحيحة، وهي أصول ستة، هي أصول الإيمان، وهي أصول الدين. فإن الإيمان هو الدين كله وهو الإسلام وهو الهدى وهو البر والتقوى وهو ما بعث الله به الرسول عليه الصلاة والسلام من العلم النافع والعمل الصالح، كله يسمى إيماناً، هذه أصول ديننا الستة أوضحها الكتاب العزيز في مواضع، وأوضحها رسول الله الأمين في الأحاديث، فمما ورد في كتاب الله عز وجل قوله سبحانه: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) الآية. فبين سبحانه وتعالى هنا خمسة من أصول الإيمان، وهي: الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين. هذه خمسة أصول عليها مدار الدين ظاهرة وباطنه، وقال جل وعلا: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) الآية. فبين سبحانه وتعالى هنا أربعة أصول في قوله: ( كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) ، ولم يذكر اليوم الآخر، ولكنه ذكره في الآية السابقة وفي آيات أخرى، وهذه سنة الله في كتابه ينوع سبحانه الأخبار عنه عز وجل وعن أسمائه وصفاته، وعن أصول هذا الدين، وعن شئون يوم القيامة والجنة والنار، وعن الرسل وأممهم حتى يجد القارئ في كل موضعٍ من كتاب الله ما يزداد به إيمانه وعلمه، وحتى يطلب المزيد من العلم في كل موضع من كتاب الله وفي كل حديث عن رسول الله ، وقد أشار الله عز وجل إلى اليوم الآخر في آخر الآية بقوله: (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) وقال عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا) ، فقد أوضح سبحانه في هذه الآية أن الكفر بهذه الأصول ضلال بعيد عن الهدى. والآيات في هذا المعنى كثيرة، وفي مواضع يذكر سبحانه الإيمان بالله وحده؛ لأن جميع ما ذكر في الآيات الأخرى داخل في ضمن الإيمان بالله، وفي بعضها الإيمان بالله ورسوله، وفي بعضها الإيمان بالله واليوم الآخر فقط، وما ذاك إلا لأن البقية داخلة في ذلك، فإذا ذكر الإيمان بالله دخل فيه بقية الأشياء التي ذكرها في الآيات الأخرى كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، فمن هذا قول الله جل وعلا: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) ، فاقتصر على الإيمان بالله ورسوله والكتاب المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام والكتاب المنزل من قبل ولم يذكر الأصول الأخرى؛ لأنها داخلة في الإيمان بالله، وهكذا قوله جل وعلا: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) ، ذكر الإيمان بالله ورسوله والنور الذي أنزل على محمد وهو الكتاب والسنة؛ لأن البقية داخلة في ذلك، فالكتاب والسنة داخلان في النور، وهكذا كل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون كله داخل في النور، وهكذا قوله جل وعلا: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) ، فذكر الإيمان بالله ورسوله فقط وما ذاك إلا لأن البقية داخلة في الإيمان بالله ورسوله. ومما جاء في السنة عن رسول الله حديث جبريل المشهور لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان، فذكر الإسلام أولاً، وفي لفظ بدأ بالإيمان ثم ذكر الإسلام ثم الإحسان، فالمقصود أنه ذكر الإيمان بما يصلح الباطن، لأن الباطن هو الأساس، والظاهر تبع للباطن فسمى الأعمال الظاهرة إسلاماً لأنها انقياد وخضوع له سبحانه، والإسلام هو: الاستسلام لله والانقياد لأمره، فسمى الله سبحانه وتعالى الأمور الظاهرة إسلاماً لما فيها من الانقياد لله والذل له والطاعة لأمره والوقوف عند حدوده عز وجل، يقال: أسلم فلان لفلان، أي ذل له وانقاد، ومعنى أسلمت لله، أي ذللت له وانقدت لأمره خاضعاً له سبحانه وتعالى. فالإسلام: هو الاستسلام لله بالأعمال الظاهرة، والإيمان: هو التصديق بالأمور الباطنة، والظاهرة مما جاء في الشرع المطهر، وهذا كله عند الاقتران، ولهذا لما قرن بينهما في هذا الحديث الصحيح فسر رسول الله عليه الصلاة والسلام الإسلام بالأمور الظاهرة وهي: الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج، والإيمان بالأمور الباطنة وهي: الإيمان بالله وملائكته … الخ. ومن هذا الباب ما جاء في الحديث الصحيح قيل: ((يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف))، وفي حديث آخر أي الإسلام أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)). فالإسلام أخص بالأعمال الظاهرة التي يظهر بها الانقياد لأمر الله والطاعة له والانقياد لشريعته وتحكيمها في كل شيء،والإيمان أخص بالأمور الباطنة المتعلقة بالقلب من التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ولهذا لما سئل عن الإيمان قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره)). ففسر الإيمان بهذه الأمور الستة التي هي أصول الإيمان وهي في نفسها أصول الدين كله؛ لأنه لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له، فالإيمان بهذه الأصول لا بد منه لصحة الإسلام لكن قد يكون كاملاً وقد يكون ناقصاً، ولهذا قال الله عز وجل في حق الأعراب: (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا). فلما كان إيمانهم ليس بكامل، بل إيمان ناقص، لم يستكمل واجبات الإيمان نفى عنهم الإيمان يعني به الكامل لأنه ينفى عمن ترك بعض الواجبات كما في قول النبي : ((لا إيمان لمن لا صبر له))، وقوله : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، ومنه قول النبي : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره)). إلى غير ذلك، والمقصود أن الإيمان يقتضي العمل الظاهر، كما أن الإسلام بدون إيمان من عمل المنافقين، فالإيمان الكامل الواجب يقتضي فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى عنه الله ورسوله، فإذا قصر في ذلك جاز أن ينفى عنه ذلك الإيمان بتقصيره؛ كما نفي عن الأعراب بقوله تعالى: ( قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) ، وكما نفي عمن ذكر في الأحاديث السابقة. والخلاصة: أن الله سبحانه ورسوله نفيا الإيمان عن بعض من ترك بعض واجبات الإيمان وأثبتا له الإسلام، فهذه الأصول الستة هي أصول الدين كله، فمن أتى بها مع الأعمال الظاهرة صار مسلماً مؤمناً، ومن لم يأت بها فلا إسلام له ولا إيمان كالمنافقين؛ فإنهم لما أظهروا الإسلام وادعوا الإيمان وصلوا مع الناس وحجوا مع الناس وجاهدوا مع الناس إلى غير ذلك ولكنهم في الباطن ليسوا مع المسلمين بل هم في جانب والمسلمون في جانب؛ لأنهم مكذبون لله ورسوله، منكرون لما جاءت به الرسل في الباطن، متظاهرون بالإسلام لحظوظهم العاجلة ولمقاصد معروفة، أكذبهم الله في ذلك، وصاروا كفاراً ضلالاً، بل صاروا أكفر وأشر ممن أعلن كفره، ولهذا صاروا في الدرك الأسفل من النار، وما ذاك إلا لأن خطرهم أعظم؛ لأن المسلم يظن أنهم إخوته وأنهم على دينه وربما أفشى إليهم بعض الأسرار، فضروا المسلمين وخانوهم، فصار كفرهم أشد وضررهم أعظم، وهكذا من ادعى الإيمان بهذه الأصول ثم لم يؤد شرائع الإسلام الظاهرة، فلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أو لم يصل، أو لم يصم أو لم يزك، أو لم يحج أو ترك غير ذلك من شعائر الإسلام الظاهرة التي أوجبها الله عليه، فإن ذلك دليل على عدم إيمانه أو على ضعف إيمانه، فقد ينتفي الإيمان بالكلية كما ينتفي بترك الشهادتين إجماعاً، وقد لا ينتفي أصله ولكن ينتفي تمامه وكماله لعدم أدائه ذلك الواجب المعين؛ كالصوم والحج مع الاستطاعة والزكاة ونحو ذلك من الأمور عند جمهور أهل العلم، فإن تركها فسق وضلال ولكن ليس ردةً عن الإسلام عند أكثرهم إذا لم يجحد وجوبها، أما الصلاة فذهب قوم إلى أن تركها ردة ولو مع الإيمان بوجوبها وهو أصح قولي العلماء؛ لأدلةٍ كثيرةٍ منها قوله : ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب ، وقال آخرون: (بل تركها كفر دون كفر إذا لم يجحد وجوبها)، ولهذا المقام بحث خاص وعناية خاصة من أهل العلم، ولكن المقصود الإشارة إلى أنه لا إسلام لمن لا إيمان له، ولا إيمان لمن لا إسلام له، فهذا يدل على هذا، وهذا يدل على هذا، وسبق أن الإسلام سمي إسلاماً لأنه يدل على الانقياد والذل لله عز وجل والخضوع لعظمته سبحانه وتعالى؛ ولأنه يتعلق بالأمور الظاهرة. وسمي الإيمان إيماناً؛ لأنه يتعلق بالباطن والله يعلمه جل وعلا، فسمي إيماناً لأنه يتعلق بالقلب المصدق، وهذا القلب المصدق للدلالة على تصديقه وصحة إيمانه أمور ظاهرة، إذا أظهرها المسلم المصدق واستقام عليها وأدى حقها دل ذلك على صحة إيمانه، ومن لم يستقم دل ذلك على عدم إيمانه أو على ضعف إيمانه، والإيمان عند الإطلاق يدخل فيه الإسلام، والعكس كذلك عند أهل السنة والجماعة، كما قال الله عز وجل: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ) [11]، فيدخل فيه الإيمان عند أهل السنة والجماعة فإنه لا إسلام إلا بإيمان. فالدين عند الله هو الإسلام وهو الإيمان وهو الهدى وهو التقوى وهو البر، فهذه الأسماء وإن اختلفت ألفاظها، فإنها ترجع إلى معنى واحد وهو الإيمان بالله ورسله والاهتداء بهدي الله والاستقامة على دين الله، فكلها تسمى براً وتسمى إيماناً، وتسمى إسلاماً، وتسمى تقوى، وتسمى هدى. وكذلك إذا أطلق الإحسان دخل فيه الأمران: الإسلام والإيمان؛ لأنه يخص الكمّل من عباد الله، فبإطلاقه يدخل فيه الأمران الأولان: الإسلام والإيمان، وعند إطلاق أحد الثلاثة إذا أطلق فإنه يدخل فيه الآخران، فإذا قيل: المحسنون هم أخص عباد الله، فلا إحسان إلا بإسلام وإيمان قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، فالمحسن إنما يكون محسناً بإسلامه وإيمانه وتقواه لله وقيامه بأمر الله فبهذا سمي محسناً، ولا يتصور أن يكون محسناً بدون إسلام وإيمان. وهكذا يا أخي لفظ المؤمنين يدخل فيه المسلمون؛ لأنهم - أعني المؤمنين - أخص من لفظ المسلمين، قال الله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وقال عز وجل: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) الآية. فالمؤمن سمي مؤمناً لتصديقه بقلبه وإسلامه بجوارحه لله وحده، فالمؤمنون مؤمنون بتصديقهم وبإسلامهم وقيامهم بأمر الله ووقوفهم عند حدوده سبحانه وتعالى، ومما يدل على هذا المعنى حديث سعد بن أبي وقاص لما سأل النبي ؛ لما أعطى النبي قوماً وترك قوماً، قال سعد: ((يا رسول الله أعطيت فلاناً وفلاناً وتركت فلاناً وإني لأراه مؤمناً، قال النبي : أو مسلماً، فعاد سعد إلى مقالته والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: " أو مسلماً)) والمقصود: أن الإسلام والإيمان عند الاقتران لهما معنيان، معنى أخص، ومعنى أعم، فالمسلم أعم من المؤمن، والمؤمن أخص من المسلم، فكل مؤمن مسلم ولا عكس، ولكن عند الإطلاق يدخل أحدهما في الآخر كما سبق بيان ذلك. ومما يدل على ذلك أيضا قوله : ((الإيمان بضع وسبعون شعبة - وفي لفظ - بضع وستون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) متفق عليه. فهذا الحديث يدل على أن مطلق الإيمان يدخل فيه الإسلام، والهدى والإحسان، والتقوى والبر، فالإيمان الذي أعلاه كلمة لا إله إلا الله وأدناه إماطة الأذى عن الطريق هو ديننا كله، وهو الإسلام، وهو الإيمان، ولذا قال: ((فأفضلها قول لا إله إلا الله))، ومعلوم أن لا إله إلا الله هي الركن الأول من أركان الإسلام مع الشهادة بأن محمداً رسول الله، فجعلها هاهنا أعلى خصال الإيمان. فعلم بذلك أن الإيمان عند الإطلاق يدخل فيه الإسلام وأركانه وأعماله، وهكذا عند إطلاق الإيمان بالله فقط أو الإيمان بالله ورسوله يدخل فيه كل ما شرع الله ورسوله؛ من الصلاة والزكاة والصيام والحج والإيمان بالملائكة والكتاب والنبيين واليوم الآخر والقدر خيره وشره، لأن هذا كله داخل في مسمى الإيمان بالله، فإن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بأسمائه وصفاته ووجوده وأنه رب العالمين، وأنه يستحق العبادة، كما يتضمن أيضاً الإيمان بجميع ما أخبر به سبحانه وتعالى وشرعه لعباده، ويتضمن أيضاً الإيمان بجميع الرسل والملائكة والكتب والأنبياء، وبكل ما أخبر الله به ورسوله . وهكذا ما جاء في السنة في هذا الباب مثل قوله : ((قل آمنت بالله ثم استقم))، يدخل فيه كل ما أخبر به الله ورسوله، كل ما شرعه لعباده، ومن هذا الباب قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) أي قالوا: إلهنا وخالقنا ورازقنا هو الله، وآمنوا به إيماناً يتضمن الاستقامة على ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فالقرآن الكريم من سنة الله فيه سبحانه وتعالى أنه يبسط الأخبار والقصص في مواضع ويختصرها في مواضع أخرى، ليعلم المؤمن وطالب العلم هذه المعاني من كتاب الله سبحانه مجملة ومفصلة، فلا يشكل عليه بعد ذلك مقام الاختصار مع مقام البسط والإيضاح، فهذا له معنى وهذا له معنى. وهكذا الإيمان يطلق في بعض المواضع، وفي بعض يعطف عليه أشياء من أجزائه وشعبه تنبيهاً على أن هذه الشعبة من أهم الخصال وأعظمها، كما قال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الآية، فقوله وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ من جملة الإيمان والعمل الصالح؛ لكن ذكرهما هنا تنبيهاً على عظم شأنهما، وهكذا قوله عز وجل: ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) الآية. فالنور المنزل هو من جملة الإيمان بالله ورسوله وهو داخل فيه عند الإطلاق؛ ولكن نبه عليه لعظم شأنه، وهكذا قوله عز وجل: ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) ، فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر هما من جملة الأعمال الصالحات، والعمل الصالح من جملة الإيمان، فعطف العمل على الإيمان من عطف الخاص على العام، وهكذا عطف التواصي بالحق والتواصي بالصبر على ما قبله هو من عطف الخاص على العام، فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر من جملة الأعمال الصالحات، ولهذا لم يذكرا في آيات أخرى، قال جل وعلا: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) ، ولم يذكر التواصي بالحق والتواصي بالصبر لأنهما داخلان في العمل في قوله: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِكما أنهما داخلان في الإيمان عند الإطلاق؛ لأنه يدخل فيه عند الإطلاق كل ما أخبر الله به ورسوله عما كان وما سيكون في آخر الزمان وفي يوم القيامة وفي الجنة والنار، كما يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله، ويدخل فيه أيضاً ترك ما نهى الله عنه ورسوله وكل ذلك داخل في الإيمان عند الإطلاق، وإنما يذكر سبحانه بعض الأعمال بالعطف عليه، وترك بعض السيئات بالعطف عليه من باب عطف الخاص على العام، فهكذا ما يتعلق بأصول الإيمان تارة تذكر هذه الأصول الستة جميعاً كما في الآية الكريمة: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ) الآية، فإنه ذكر فيها خمسة، وذكر القدر في آيات أخرى كما في قوله عز وجل: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) ، وفي قوله سبحانه وتعالى: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ ) الآية، إلى غير ذلك من الآيات، وذكر بعضها في آيات أخرى ولم يذكرها كلها. وهكذا في الحديث ذكر بعض هذه الأصول وذكر الستة في حديث جبريل، وفي بعض الأحاديث ذكر الإيمان بالله فقط كحديث: ((قل آمنت بالله ثم استقم)). وفي بعضها الإيمان بالله واليوم الآخر، وما ذاك إلا لأن الإيمان بالله واليوم الأخر يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله، فإن المؤمن بالله واليوم الآخر يحمله إيمانه بذلك على فعل كل ما أمر الله به ورسوله، كما يحمله أيضاً على ترك ما نهى الله عنه ورسوله، ولهذا اقتصر على الإيمان بالله واليوم الآخر في بعض النصوص؛ لأن من آمن بالله إيماناً صحيحاً وباليوم الآخر حمله ذلك على أداء ما أوجبه الله عليه، وعلى ترك ما حرمه الله عليه، وعلى الوقوف عند حدود الله سبحانه وتعالى، ومن هذا قوله عز وجل: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ), فالإيمان بما ذكر أمر لا بد منه ومن لم يؤمن بذلك فإنه كافر بالله عز وجل وإن أظهر إسلاماً وإيماناً، ولكنه بكفره بواحد من الأصول الستة أو كفره بشيء آخر مما علم من الدين بالضرورة أنه من دين الله بالأدلة المعروفة فإنه يكون كافراً بالله ولا ينفعه بعد ذلك ما أقر به. فإن هذا الدين لا بد أن يقبل كله، ولا بد أن يحصل به الإيمان كله، فإذا آمن بالبعض وكفر بالبعض فهو كافر حقاً، كما في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) ، وبهذا يعلم المؤمن عظم شأن هذه الأصول وأنها أصول عظيمة لا بد منها، فيدخل في الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به عن نفسه من أسمائه وصفاته، أو أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام من أسماء الله وصفاته كله داخل في الإيمان بالله، فيدخل في ذلك الإيمان بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق الرزاق وأنه كامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ويدخل فيه أنه سبحانه وتعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب وقدر الأشياء وعلم بها قبل وجودها سبحانه وتعالى وأنه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم، ومن أجمع ما ورد في ذلك من الكتاب العزيز قوله سبحانه: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) ، وقوله سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، وقوله عز وجل: ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )، وقوله عز وجل: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) ، إلى أشباه هذه الآيات الدالة على كماله سبحانه وأنه جل وعلا موصوف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص والعيب، فهو كما أخبر عن نفسه وكما أخبر عنه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام له الأسماء الحسنى وله الصفات العلى. فواجب على المؤمن أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أسماء الله وصفاته ويمرها كما جاءت لا يغير ولا يبدل ولا يزيد ولا ينقص، بل يمرها كما جاءت من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، بل يثبتها كما أثبتها السلف الصالح، فمن ذلك الاستواء، والنزول، والوجه، واليد، والرحمة، والعلم، والغضب، والإرادة، وغير ذلك كلها صفات لله عز وجل تثبت له سبحانه كما جاءت في الكتاب العزيز، وكما جاءت في السنة الصحيحة، نثبتها له كما أثبتها السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، وكما أثبتها الرسل عليهم الصلاة والسلام، فنقول استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، ليس كما تقول الجهمية استولى، فإنه ليس في موقف المغالب جل وعلا فلا أحد يغالبه فهو مستولٍ على كل شيء جل وعلا وقاهر له، ولكن الاستواء صفة خاصة بالعرش معناه العلو والارتفاع، فهو عالٍ فوق خلقه، مرتفع فوق عرشه، استواء يليق به سبحانه، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا، فاستواؤه أمر معروف كما قال مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وكما قال ربيعة شيخ الإمام مالك رحمهما الله، وكما قالته أم سلمة ا، وكما قاله أهل السنة والجماعة، فالصفات معلومة وكيفها مجهول والإيمان بها واجب، هذا طريق الصفات كلها، العلم، والرحمة، والغضب، والوجه، واليد، والقدم، والأصابع وغير ذلك مما جاءت به الآيات، والسنة الصحيحة طريقها واحد، وهكذا حديث النزول نؤمن به ونثبت معناه لله على الوجه اللائق به، ولا يعلم كيفيته سواه، فنقول ينزل بلا كيف كما يشاء سبحانه وتعالى نزولاً يليق بجلاله وعظمته، لا ينافي علوه وفوقيته سبحانه وتعالى، ولا يشابه نزول المخلوقين. وهكذا استواؤه على العرش لا ينافي علمه بالأشياء وإحاطته بها وأنه مع عباده ومع أهل طاعته من عباده بعلمه وإطلاعه سبحانه وتعالى؛ كما قال عز وجل: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) ، فهذا لا ينافي علوه واستواءه على عرشه، فهو معنا بعلمه واطلاعه، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى كما يشاء، وكما أخبر جل وعلا من غير تحريف ولا تكييف، وهو مع أوليائه وأهل طاعته بعلمه وتأييده أيضاً وعنايته بهم وكلاءته لهم ونصره إياهم، فهما معيتان: معية عامة تقتضي العلم والإحاطة ورؤية العباد، وأنه لا تخفى عليه خافية، ومعية خاصة مع أنبيائه وأهل طاعته مثل قوله سبحانه: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) ، وقوله: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) ، ومثل: ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) إلى أمثالها، وهي معية خاصة تقتضي الحفظ والكلاءة والتأييد والتوفيق مع العلم والإطلاع؛ كما قال عز وجل: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) وليس كما تقول الجهمية والمعتزلة وأشباههم من حلوله في كل مكان، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فالله سبحانه وتعالى فوق خلقه وفوق عرشه كما أخبر، وعلمه في كل مكان، وليس مختلطاً بخلقه سبحانه وتعالى، فأهل السنة والجماعة يدخلون في الإيمان بالله، الإيمان بكل ما أخبر الله به عنه ورسوله، والإيمان بجميع أسمائه وصفاته، كل ذلك عندهم داخل في الإيمان بالله عند الإطلاق فيؤمنون به سبحانه رباً ومعبوداً بالحق، كما يؤمنون بأنه كامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، يخلق ويرزق ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع إلى غير ذلك من صفات الكمال، فهو المعبود الحق، وهو الخلاق العليم، وهو الرزاق لعباده، وهو على كل شيء قدير. وكل هذه الصفات لا تشبه صفات خلقه، بل صفاته تليق به عز وجل، وصفاتنا تليق بنا، وصفاته لها البقاء ولها الدوام ولها الكمال، وصفات العبد لها النقص والاضمحلال، كل هذا داخل في الإيمان بالله عز وجل يتبع .... المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد Hw,g hgYdlhk
التعديل الأخير تم بواسطة الشـــامـــــخ ; 12-04-18 الساعة 12:02 PM |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 1 : | |
الشـــامـــــخ |
|
|