البيــت العـــام للمواضيع التي ليس لها قسم محدد |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
25-01-11, 11:23 AM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
البيــت العـــام
كشف الشبهات ص -155- كشف الشبهات. من كتابات شيخ الإسلام المصلح محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. 1115 – 1206.
بسم الله الرحمن الرحيم اعلم رحمك الله.. أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده.... فأولهم نوح عليه السلام أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين: ودا وسواعا ويغوث ونسرا. وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وهو كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله الله إلى أناس يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرا، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله. يقولون نريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده، مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين. فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لغير الله، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلا عن غيرهما؛ وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحيي ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلى هو، وأن جميع السموات ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره. ص -156- فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 1. وقوله: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} 2 وغير ذلك من الآيات. فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا، ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه، هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا ( الاعتقاد )؛ كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلا ونهارا، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له، أو يدعو رجلا صالحا، مثل اللات أو نبيا مثل عيسى، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال الله تعالى: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 3. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة يونس آية: 31. 2 سورة المؤمنون آية: 84-85-86-87-88-89. 3 سورة الجن آية: 18. ص -157- وقال: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} 1، وتحققت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله والذبح كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادات كلها لله، وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة، والأنبياء، والأولياء، يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم، عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون. وهذا التوحيد هو معنى قولك: ( لا إله إلا الله )، فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكا، أو نبيا، أو وليا، أو شجرة، أو قبرا، أو جنيا، لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر؛ فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك. وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ ( السيد)، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي: ( لا إله إلا الله). والمراد من هذه الكلمة معناها، لا مجرد لفظها. والكفار الجهال يعلمون أنا مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو: ( إفراد الله تعالى ) بالتعلق، ( والكفر ) بما يُعبد من دون الله، والبراءة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة الرعد آية: 14. ص -158- منه; فإنه لما قال لهم: قولوا: ( لا إله إلا الله )، قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 1. فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني. والحاذق منهم يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق إلا الله ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رَجُلٍ جهالُ الكفار أعلم منه بمعنى ( لا إله إلا الله ). إذا عرفت ما ذكرت لك، معرفة قلب، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2، وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا، أفادك فائدتين: الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته.... كما قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 3. وأفادك أيضا: الخوف العظيم. فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة ص آية: 5. 2 سورة النساء آية: 48. 3 سورة يونس آية: 58. ص -159- وهو جاهل فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله تعالى.... كما ظن المشركون، خصوصا إن ألهمك الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم; أنهم أتوه قائلين: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} 1، فحينئذ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله. واعلم أن الله سبحانه من حكمته لم يبعث نبيا بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} 2. وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة، وكتب وحجج كما قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} 3. إذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لا بد له من أعداء قاعدين عليه، أهل فصاحة وعلم وحجج، فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يصير سلاحا لك تقاتل به هؤلاء الشياطين، الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك : {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} 4. ولكن إذا أقبلت على الله وأصغيت إلى حججه وبيناته فلا تخف ولا تحزن {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة الأعراف آية: 138. 2 سورة الأنعام آية: 112. 3 سورة غافر آية: 83. 4 سورة الأعراف آية: 16-17. ص -160- والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء هؤلاء المشركين كما قال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} 1؛ فجند الله هم الغالبون، بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح. وقد من الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} 2 فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِير} 3. قال بعض المفسرين هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة. وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جوابا لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا. فنقول: جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل، ومفصل. أما المجمل: فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}4. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم" 5. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة الصافات آية: 173. 2 سورة النحل آية: 89. 3 سورة الفرقان آية: 33. 4 سورة آل عمران آية: 7. 5 صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن (4547) , وصحيح مسلم: كتاب العلم (2665) , وسنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن (2994) , وسنن أبي داود: كتاب السنة (4598) , ومسند أحمد (6/256). ص -161- مثال ذلك: إذا قال بعض المشركين: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 1، وأن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله؛ أو ذكر كلاما للنبي صلى الله عليه وسلم يستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك: إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه. وما ذكرته لك من أن الله ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 2، هذا أمر محكم بين لا يقدر أحد أن يغير معناه. وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا أعرف معناه. ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله. وهذا جواب جيد سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله، فلا تستهن به، فإنه كما قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} 3. فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة يونس آية: 62. 2 سورة يونس آية: 18. 3 سورة فصلت آية: 35. ص -162- ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فضلا عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله، وأطلب من الله بهم. فجاوبه بما تقدم: وهو أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بما ذكرت، ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئا، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة. واقرأ عليه ما ذكره الله في كتابه ووضحه. فإن قال: هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام ! كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناما؟ فجاوبه بما تقدم. فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة - ولكن أراد أن يفرق بين فعله وفعلهم بما ذكر -، فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} 1، ويدعون عيسى بن مريم وأمه، وقد قال تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} 2. واذكر له قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة الإسراء آية: 57. 2سورة المائدة آية: 75-76. ص -163- إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} 1، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} 2. فقل له: أعرفت أن الله كفر من قصد الأصنام، وكفر أيضا من قصد الصالحين، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قال: الكفار يريدون منهم. وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، لا أريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم، فالجواب أن هذا قول الكفار سواء بسواء، واقرأ عليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّض لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 3. وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 4. واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم. فإذا عرفت أن الله وضحها لنا في كتابه، وفهمتها فهما جيدا، فما بعدها أيسر منها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة سبأ آية: 40-41. 2 سورة المائدة آية: 116. 3 سورة الزمر آية: 3. 4 سورة يونس آية: 18. ص -164- فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله. وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة. فقل له: أنت تقر أن الله فرض عليك إخلاص العبادة لله وهو حقه عليك؟ فإذا قال: نعم. فقل له: بين لي هذا الذي فرض عليك وهو إخلاص العبادة لله وحده، وهو حقه عليك. فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها فبينها له بقولك: قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} 1. فإذا أعلمته بهذا. فقل له: هل علمت هذا عبادة لله؟ فلا بد أن يقول: نعم. والدعاء مخ العبادة. فقل له: إذا أقررت أنها عبادة، ودعوت الله ليلا ونهارا خوفا وطمعا، ثم دعوت في تلك الحاجة نبيا أو غيره، هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلا بد أنه يقول: نعم. فقل له فإذا عملت بقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 2، وأطعت الله، ونحرت له، هل هذا عبادة؟ فلا بد أن يقول: نعم. فقل له: إذا نحرت لمخلوق: نبي أو جني أو غيرهما، هل أشركت في هذه العبادة غير الله؟ فلا بد أن يقر ويقول: نعم. وقل له أيضا: المشركون الذين نزل فيهم القرآن، هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك؟ فلا بد أن يقول: نعم. فقل له: وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح، والالتجاء ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة الأعراف آية: 55. 2 سورة الكوثر آية: 2. ص -165- ونحو ذلك، وإلا فهم مقرون أنهم عبيده وتحت قهره، وأن الله هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجؤوا إليهم للجاه والشفاعة، وهذا ظاهر جدا. فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ فقل: لا أنكرها. ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته. ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} 1. ولا تكون إلا من بعد إذن الله. كما قال (: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} 2. ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال (: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} 3. وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال : {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} 4. فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد. تبين لك أن الشفاعة كلها لله، فأطلبها منه فأقول: اللهم 5 لا تحرمني شفاعته ; اللهم شفعه في، وأمثال هذا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة الزمر آية: 44. 2 سورة البقرة آية: 255. 3 سورة الأنبياء آية: 28. 4 سورة آل عمران آية: 85. 5 هكذا في المخطوطة (269/ 86) في المكتبة السعودية بالرياض. والنسخ المطبوعة ولعل صحة الكلام: وقل. ص -166- فإن قال: النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الشفاعة، وأنا أطلبها مما أعطاه الله. فالحواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا. فقال: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 1. فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك فأطعه في قوله {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 2. وأيضا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، والأفراط يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة فاطلبها منهم، فإن قلت هذا، رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت: لا، بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبها مما أعطاه الله. فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئا، حاشى وكلا؛ ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك. فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنى وتقر أن الله لا يغفره، فما هذا الأمر الذي حرمه الله وذكر أنه لا يغفره؟ فإنه لا يدري. فقل له: كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه؟ أم كيف يحرم الله عليك هذا، ويذكر أنه لا يغفره، ولا تسأل عنه ولا تعرفه، أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟ فإن قال: الشرك عبادة الأصنام. ونحن لا نعبد الأصنام. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة الجن آية: 18. 2 سورة الجن آية: 18. ص -167- فقل له: ما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن. وإن قال: هو من قصد خشبة أو حجرا أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك، ويذبحون له ويقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى، ويدفع الله عنا ببركته، أو يعطينا ببركته. فقل/ صدقت ; وهذا هو فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها. فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام، فهو المطلوب. ويقال له أيضا: قولك الشرك عبادة الأصنام، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا؟ وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك؟ فهذا يرده ما ذكره الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين، فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحدا من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن. وهذا هو المطلوب. وسر المسألة: أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله. فقل له، وما الشرك بالله؟ فسره لي. فإن قال: هو عبادة الأصنام. فقل: وما معنى عبادة الأصنام؟ فسرها لي. فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله وحده. فقل: ما معنى عبادة الله وحده؟ فسرها لي. فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب، وإن لم يعرفه، فكيف يدعي شيئا وهو لا يعرفه ص -168- وإن فسر ذلك بغير معناه، بينت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعبادة الأوثان، وأنه الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه، وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرون علينا ويصيحون فيه كما صاح إخوانهم حيث قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}1. 2 فإن قال: إنهم لا يكفرون بدعاء الملائكة والأنبياء، وإنما يكفرون لما قالوا: الملائكة بنات الله; فإنا لم نقل عبد القادر ابن الله ولا غيره. فالجواب أن نسبة الولد إلى الله كفر مستقل. قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} 3. والأحد: الذي لا نظير له. والصمد: المقصود في الحوائج. فمن جحد هذا فقد كفر، ولو لم يجحد السورة. وقال الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} 4 ففرق بين النوعين، وجعل كلا منهما كفرا مستقلا، وقال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} 5 ففرق بين كفرين. والدليل على هذا أيضا: أن الذين كفروا بدعاء اللات مع كونه رجلا صالحا لم يجعلوه ابن الله، والذين كفروا بعبادة الجن لم يجعلوهم كذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة ص آية: 5. 2 من هنا إلى قوله: فإذا عرفت... ساقط من المخطوطة (269/ 86) في المكتبة السعودية بالرياض ومن النسخ المطبوعة سوى طبعة المطبعة السلفية -لمحب الدين الخطيب- ضمن مجموعة التوحيد, وطبعات مؤسسة النور. بالرياض. 3 سورة الإخلاص آية: 1-2. 4 سورة المؤمنون آية: 91. 5 سورة الأنعام آية: 100. المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد ;jhf ;at hgafihj 1 |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|