• التَّفصيل الحَسَن في مقدار الخَتْم: ذَكَر بعض المحقِّقين من أهل العلم قواعدَ وضوابط عامَّة في مسألة ختم القرآن الكريم، وفصَّلوا في ذلك بما يتناسب وحال القارئ، من جهة الأعباء والمسؤوليَّات الملقاة على عاتقه، وقدراته العلميَّة، والوقت المُهيَّأ له للقراءة، وغير ذلك من الأمور، وممَّا جاء في ذلك: ما ذَكَره الغزاليُّ رحمه الله حيث قال: «ففي الختم أربع درجات: الختم في يوم وليلة، وقد كَرِهَهُ جماعة، والختم في كلِّ شهر، كلِّ يومٍ جزء من ثلاثين جزءاً، وكأنَّه مبالغةٌ في الاقتصار، كما أنَّ الأوَّل مبالغةٌ في الاستكثار، وبينهما درجتان معتدلتان: إحداهما: في الأسبوع مرَّة، والثَّانية: في الأسبوع مرَّتين، تقريباً من الثَّلاث.
والتَّفصيل في مقدار القراءة: أنَّه إنْ كان من العابدين السَّالكين طريق العمل، فلا ينبغي أن يُنْقِصَ عن ختمتين في الأسبوع، وإنْ كان من السَّالكين بأعمال القلب وضروب الفِكْر، أو من المشتغلين بِنَشْر العلم، فلا بأس أن يَقْتصر في الأسبوع على مرَّة، وإنْ كان نافِذَ الفِكْر في معاني القرآن، فقد يكتفي في الشَّهر بمرَّة؛ لكثرة حاجته إلى كثرة التَّرديد والتَّأمُّل»[21].
ثمَّ أُثَنِّي بما قاله النَّووي رحمه الله حيث قال: «واُلمختار: أنَّ ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمَنْ كان يَظْهر له بدقيق الفِكْر لطائفُ ومعارف، فَلْيقتصر على قَدْرٍ يَحْصُلُ له كمالُ فَهْمِ ما يقرأ، وكذا مَنْ كان مشغولاً بنَشْرِ العلم، أو فَصْلِ الحكومات بين المسلمين، أو غير ذلك من مهمَّات الدِّين والمصالح العامَّة للمسلمين، فَلْيقتصر على قَدْرٍ لا يحصل له بسببه إخلالٌ بما هو مرصدٌ له، ولا فوت كماله، ومَنْ لم يكن من هؤلاء المذكورين فَلْيستكثر ما أمكنه، من غير خروجٍ إلى حدِّ المَلَل أو الهَذْرمة في القراءة»[22].
وأختم بما جاء في (مختصر منهاج القاصدين): «ومنهم - يعني السَّلف - مَنْ كان يختم في ثلاث، ومنهم مَنْ كان يختم في أسبوع، ومنهم مَنْ كان يختم في كلِّ شهر، اشتغالاً بالتَّدبُّر أو بنشر العلم، أو بتعليمه، أو بنوعٍ من التَّعبُّد غير القراءة، أو بغيره من اكتساب الدُّنيا. وأَولى الأمر: ما لا يمنع الإنسان من أشغاله المُهمَّة، ولا يُؤذيه في بدنه، ولا يفوت معه التَّرتيل والفَهْم»[23].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لا ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة