أسماء الله و صفاته و موقف أهل السنة منها
و لعل الكثير منكم يقول : لماذا اخترت هذا الموضوع بالذات ، ألسنا كلنا وبالأخص أهل هذه الجزيرة
ألسنا كلنا نؤمن بأسماء الله وصفاته على ما يليق به، ولا نتعرض لها بتحريف ، ولا تعطيل ؟!
أليست العجوز منا، والشيخ، والصغير، والذكر، والأنثى
كل على حد سواء لا يجول في أفكارهم شيء من التحريف أو الأنحراف في أسماء الله وصفاته .
فلماذا اخترت هذا الموضوع بالذات؟ وإن جوابي على هذا أن أقول: إنني اخترت هذا الموضوع لأمرين هامين :
أحدهما : أهمية هذا الموضوع ، فإن هذا الموضوع ليس كما يظن بعض الناس ، ولا أعني ببعض الناس عامتهم
بل حتى بعض طلبة العلم يظنون أن البحث في هذا الباب - في باب أسماء الله وصفاته - ليس بذي قيمة تذكر
والحقيقة أن هذا الفكر فكر خاطيء ، لأن معرفة الله تعالى بأسمائه وتوحيده بذلك
وصفاته هو أحد أقسام التوحيد الثلاثة فقد قسم أهل العلم التوحيد إلى ثلاثة أقسام :
أحدها : توحيد الربوبية .
والثاني : توحيد الألوهية .
والثالث : توحيد الأسماء والصفات .
إذن فهو عنصر هام في باب التوحيد يجب علينا أن نعرفه ،كما أنه أيضاً أعني معرفة الأسماء
والصفات هو أحد أركان الإيمان بالله فإن الإيمان بالله لايتم إلا بأربعة أمور :
أحدها : الإيمان بوجوده تعالى .
والثاني : الإيمان بربوبيته ، وعموم ملكه ، وقوة سلطانه .
والثالث: الإيمان بألوهيته ، وأنه وحده المستحق للعبادة ، وأن ما سواه فعبادته باطلة.
أما الأمر الرابع من أركان الإيمان بالله التي لا يمكن أن يتم الإيمان بالله إلا بها وهو موضوع محاضرتنا هذه ، فهو الإيمان بأسماء الله وصفاته .
إنني لا أتصور أن أحداً يمكن أن يعبد رباً لا يعرف أسماءه وصفاته وكيف يكون ذلك وهو يمد يديه له :
يارب ، يارب ، إذا كان لايعلم أن له صفات وأسماء يدعى بها ؟
فكيف يتخذه إلهاً قادراً ، ملجئاً ومعاذاً ، ونصيرا ًولهذا قال إبراهيم الخليل لأبيه
(يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)(مريم:42).
فمعرفة أسماء الله وصفاته أمر مهم في دين الله ولابد أن يعرفه الإنسان ويحققه .
أما السبب الثاني لاختياري هذا الموضوع : فهو كثرة الكلام فيه بالباطل في الآونة الأخيرة
كنا في وقت الطلب نقرأه على أنه أمر بعيد عنا زمنا ، ومكانا ، ولكننا وجدناه الآن فيما بيننا في الصحف المقروءة
وكذلك في الكتب المقررة في بعض جهات التعليم .إذن لابد أن نعرف موقف أهل السنة والجماعة بالنسبة لأسماء الله وصفاته
حتى نكون يقظين حذرين ، وعالمين بما نحكم به فيما ينشر أو فيما يقرر .
فالكلام في أسماء الله وصفاته في الآونة الأخيرة كثر اللغط فيه ، وكثر القول فيه بالحق تارة ، وبالباطل تارات
ولهذا لابد أن نحقق هذا الأمر تحقيقاً بالغاً حتى لاتجرف بنا الأهواء أو الأفكار التي على خطأ
وليست على صواب في هذا الأمر وإني ألخص الكلام في العناصر التالية :
العنصر الأول : في موقف أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات .
العنصر الثاني : في نصوص الأسماء والصفات .
العنصر الثالث : في العدول عن هذا الموقف .
العنصر الرابع : في أن التطرف في التنزيه يستلزم إبطال الدين كله .
العنصر الخامس : في أن بعض أهل التحريف ، والتعطيل اعتدوا على أهل السنة والجماعة فرموهم بالتشبيه ، والتمثيل ، والتجسيم .
العنصر السادس : في أن أهل التحريف والتعطيل ادعوا على أهل السنة
أنهم أولوا بعض النصوص ليلزموا أهل السنة بالتأويل في بقية النصوص أو بالمداهنة وفي إبطال هذه الدعوى.
العنصر الأول: موقف أهل السنة في أسماء الله - تبارك وتعالى - :
أسماء الله تعالى كل ما سمى به نفسه في كتابة ، أو سماه به أعلم الخلق به رسوله محمد صلى الله عليه و سلم
وموقف أهل السنة من هذه الأسماء أنهم يؤمنون بها على أنها أسماء لله تسمى بها الله عزوجل
وأنها أسماء حسنى ليس فيها نقص بوجه من الوجوه كما قال تعالى :
(وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(الأعراف:180) .
فهم يثبتون الأسماء على أنها أسماء لله ، ويثبتون أيضاً ما تضمنته هذه الأسماء من الصفات
فمثلاً من أسماء الله ( العليم ) فيثبتون العليم اسماً لله - سبحانه وتعالى- ويقولون:يا عليم .
فيثبتون أنه يسمى بالعليم ويثبتون بأن العلم صفة له دل عليها اسم العليم ، فالعليم اسم مشتق من العلم
وكل اسم مشتق من معنى فلابد أن يتضمن ذلك المعنى الذي اشتق منه ، وهذا أمر معلوم في العربية واللغات جمعياً .
ويثبتون كذلك ما دل عليه الاسم من الأثر إن كان الاسم مشتقاً من مصدر متعدي
فمثلاً ( الرحيم ) من أسماء الله يؤمنون بالرحيم على أنه اسم من أسمائه ، ويؤمنون بما تضمنه من صفة الرحمة
وأن الرحمة صفة حقيقية ثابتة لله دل عليها اسم الرحيم ، وليست إرادة الإحسان لا الإحسان نفسه
وإنما إرادة الإحسان والإحسان نفسه من آثار هذه الرحمة ، كذلك يؤمنون بأثر هذه الرحمة
والأثر أن يرحم بهذه الرحمة من يستحقها كما قال تعالى :
(يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ)(العنكبوت:21) .
هذه قاعدة أهل السنة والجماعة بالنسبة للأسماء : يؤمنون بأنها أسماء تسمى الله بها فيدعون الله بها .
ثانياً : يؤمنون بما تضمنه الاسم من الصفة ، لأن جميع أسماء الله مشتقة ، والمشتق كما هو معروف يكون دالا على المعنى الذي اشتق منه .
ثالثاً : يؤمنون بما تضمنه الاسم من الأثر إذا كان الاسم متعدياً كالعليم ، والرحيم ، والسميع ، والبصير .
أما إذا كان الاسم مشتقاً من مصدر لازم فإنه لا يتعدى مسماه مثل الحياة فالله تعالى من أسمائه ( الحي ) و ( الحي ) دل على صفة الحياة والحياة وصف للحي نفسه لايتعدى إلى غيره
ومثل ( العظيم ) فهذا الاسم والعظمة هي الوصف ، والعظمة وصف للعظيم نفسه لا تتعدى إلى غيره
فعلى هذا تكون الأسماء على قسمين : متعدي ولازم
والمتعدي لا يتم الإيمان به إلا بالأمور الثلاثة : الإيمان بالاسم ، ثم بالصفة ثم بالأثر .
وأما اللازم فإنه لا يتم الإيمان إلا بإثبات أمرين :
أحدهما : الاسم .
والثاني :الصفة .
أما موقف أهل السنة والجماعة في الصفات فهو :
إثبات كل صفة وصف الله بها نفسه ، أو وصفه بها رسوله محمد صلى الله عليه و سلم
لكن إثباتاً بلا تكييف ولاتمثيل، ولاتحريف ، ولاتعطيل ، سواء كانت هذه الصفة من الصفات الذاتية أم من الصفات الفعلية .
فإذا قال قائل : فرقوا لنا بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية .
قلنا : الصفات الذاتية هي التي تكون ملازمة لذات الخالق أي انه متصف بها أزلاً وأبداً .
والصفات الفعلية هي التي تتعلق بمشيئته فيفعلها الله تبعاً لحكمته - سبحانه وتعالى - .
مثال الأول: صفة الحياة صفة ذاتية لأن الله لم يزل ولايزال حياً كما قال الله تعالى :(هُوَ الأوَّلُ وَالأخِر)(الحديد: الآية3)
وفسرها النبي صلى الله عليه و سلم بقوله :
( أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء ) .
وقال تعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ)(الفرقان: الآية58) .
كذلك السمع ، والبصر ، والقدرة كل هذه من الصفات الذاتية ، ولاحاجة إلى التعداد لأننا عرفناها بالضابط :
( كل صفة لم يزل الله ولايزال متصفاً بها فإنها من الصفات الذاتية )
لملازمتها للذات ، وكل صفة تتعلق بمشيئته يفعلها الله حيث اقتضتها حكمته فإنها من الصفات الفعلية مثل :
استوائه على العرش ، ونزوله إلى السماء الدنيا ، فاستواء الله على العرش من الصفات الفعلية لأنه متعلق بمشيئته
كما قال تعالى : (إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)(الأعراف: الآية54) .
فجعل الفعل معطوفاً على ماقبله ب( ثم ) الدالة على الترتيب
ثم النزول إلى السماء الدنيا وصفه به أعلم الخلق به رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث قال :
( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: (من يدعوني فأستجيب له . من يسألنى فأعطيه. من يستغفرني فأغفرله) .
وهذا النزول من الصفات الفعلية لأنه متعلق بمشيئة الله تعالى ، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك
ولكنهم في هذا الإيمان يتحاشون التمثيل ، أو التكييف ، أي أنهم لايمكن أن يقع في نفوسهم أن نزوله كنزول المخلوقين
أو استوائه على العرش كاستوائهم ، أو إتيانه للفصل بين عباده كإتيانهم لأنهم يؤمنون بأن الله
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: الآية11)
ويعلمون بمقتضى العقل مابين الخالق والمخلوق من التباين العظيم في الذات ، والصفات ، والأفعال
ولايمكن أن يقع في نفوسهم كيف ينزل؟ أو كيف استوى على العرش؟
أو كيف يأتي للفصل بين عباده يوم القيامة ؟
أي أنهم لايكيفون صفاته مع إيمانهم بأن لها كيفية لكنها غير معلومة لنا ، وحينئذٍ لايمكن أبداً أن يتصوروا الكيفية
ولايمكن أن ينطقوا بها بألسنتهم أو يعتقدوها في قلوبهم .
يقول تعالى وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(الإسراء:36) .
ويقول: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33) .
ولأن الله أجل وأعظم من أن تحيط به الأفكار قال تعالى : (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (طـه:110) .
وأنت متى تخيلت أي كيفية فعلى أي صورة تتخيلها؟!
إن حاولت ذلك فإنك في الحقيقة ضال، و لا يمكن أن تصل إلى حقيقة لأن هذا أمر لا يمكن الإحاطة به
وليس من شأن العبد أن يتكلم فيه أو أن يسأل عنه .
ولهذا قال الإمام مالك - رحمه الله - فيما اشتهر عنه بين أهل العلم حين سأله رجل فقال : يا أبا عبد الله :
( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟
فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء - يعني العرق و صار ينزف عرقاً - لأنه سؤال عظيم . ثم قال تلك الكلمة المشهورة :
( الاستواء معلوم و الكيف مجهول ، و الإيمان واجب ، و السؤال عنه بدعة )
وروى عنه أنه قال :
( الاستواء غير مجهول ، و الكيف غير معقول ، و الإيمان به واجب ، و السؤال عنه بدعة ) .
فإذن نحن نعلم معاني صفات الله ، و لكننا لا نعلم الكيفية ، ولا يحل لنا أن نسأل عن الكيفية ولايحل لنا أن نكيف
كما أنه لا يحل لنا أن نمثل أو نشبه لأن الله تعالى يقول في القرآن :
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: الآية11) .
فمن أثبت له مثيلاً في صفاته فقد كذب القرآن ، و ظن بربه ظن السوء و قد تنقص ربه حيث شبهه
وهو الكامل من كل وجه بالناقص ، و قد قيل :
ألم تر أن السيـف ينقص قــدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وأنا أقول : هذا على سبيل التوضيح للمعنى و إلا ففرق عظيم بين الخالق و المخلوق ، فرق لا يوجد مثله بين المخلوقات بعضها مع بعض .
المهم أيها الأخوة أنه يجب علينا أن نؤمن بكل ما وصف الله به نفسه و ما وصفه به رسوله صلى الله عليه و سلم
سواء كانت تلك الصفة ذاتية أم فعلية، ولكن بدون تكييف، وبدون تمثيل .
التكييف ممتنع، لأنه قول على الله بغيرعلم وقد قال الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (الإسراء:36) .
والتمثيل ممتنع لأنه تكذيب لله في قوله : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: الآية11).
وقول بما لا يليق بالله تعالى من تشبيهه بالمخلوقين .
العنصر الثاني : في نصوص الأسماء و الصفات :
المعترك بين أهل السنة و أهل البدعة في هذه النصوص ، معترك يتبين به الفرق الشاسع بين أهل السنة و أهل البدعة
فأهل السنة يثبتون النصوص على حقيقتها و ظاهرها اللائق بالله من غير تحريف و لا تعطيل .
هذه الطريقة التي مشى عليها أهل السنة و الجماعة .
واخترنا كلمة ( تحريف ) على كلمة ( تأويل ) لأن التحريف معناه باطل بكل حال.
ذم الله تعالى من سلكه في قوله : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)(النساء: الآية46) .
أما التأويل ففيه ما هو صحيح مقبول ، وفيه ما هو فاسد مردود والفاسد المردود هو بمعنى التحريف
ولهذا اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في العقيدة الواسطية
وهي خلاصة عقيدة أهل السنة والجماعة اختار التحريف بدل التأويل
وإن كان يوجد في كثير من كتب العقائد التعبير ( بالتأويل ) .
لكنهم يريدون بالتأويل ما هو بمعنى التحريف أي التأويل الذي لا دليل عليه
بل الدليل نقيضه و هذا في الحقيقة تحريف .فأهل السنة و الجماعة يقولون :
نحن نؤمن بهذه الآيات ، و الأحاديث و لا نحرفها ، لأن تحريفها قول على الله بغير علم من وجهين
يتبين ذلك في قوله تعالى : (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) (الفجر: الآية22) .
قال أهل السنة و الجماعة :جاء ربك أي هو نفسه يجيء - سبحانه وتعالى - لكنه مجيء يليق بجلاله وعظمته لايشبه مجيء المخلوقين
ولا يمكن أن نكيفه ، و علينا أن نضيف الفعل إلى الله كما أضافه الله إلى نفسه .
فنقول : إن الله تعالى يجيء يوم القيامة مجيئاً حقيقياً يجيء هو نفسه
وقال أهل التحريف معناه : و جاء أمر ربك .و هذا جناية على النص من وجهين :
الوجه الأول : نفي ظاهره فأين لهم العلم من أن الله تعالى لم يرد ظاهره هل عندهم علم من أن الله لم يرد ظاهر ما أضافه لنفسه ؟!
والله تعالى يقول عن القرآن إنه نزله بلسان عربي مبين فعلينا أن نأخذ بدلالة هذا اللفظ حسب مقتضى هذا اللسان العربي المبين .
فمن أين لنا أن يكون الله تعالى لم يرد ظاهر اللفظ ؟!
فالقول بنفي ظاهر النص قول على الله بغير علم .
الوجه الثاني : إثبات معنى لم يدل عليه ظاهر اللفظ
فهل عنده علم أن الله تعالى أراد المعنى الذي صرف ظاهر اللفظ إليه ؟!
هل عنده علم أن الله أراد مجيء أمره ؟!
قد يكون المراد جاء شيء آخر ينسب إلى الله غير الأمر .
فإذاً كل محرف أي كل من صرف الكلام عن ظاهره بدون دليل من الشرع فإنه قائل على الله بغير علم من وجهين :
الأول : نفيه ظاهر الكلام .
الثاني : إثباته خلاف ذلك الظاهر .
لهذا كان أهل السنة والجماعة يتبرؤون من التحريف ، ويرون أنه جناية على النصوص
وأنه لايمكن أن يخاطبنا الله تعالى بشيء ويريد خلاف ظاهره بدون أن يبين لنا
وقد أنزل الله الكتاب تبياناً لكل شيء والنبي صلى الله عليه و سلم ، بيّن للناس ما أنزل إليهم من ربهم بإذن ربهم .
أما التمثيل فمن الواضح أن القول به تكذيب للقرآن ، لأن الله تعالى يقول :
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: الآية11) .
ولهذا كان عقيدة أهل السنة والجماعة ، بل طريقة أهل السنة والجماعة في نصوص الصفات من الآيات ، والأحاديث
هو إثباتها على حقيقتها وظاهرها اللائق بالله ، بدون تحريف وبدون تعطيل
وقد حكى إجماع أهل السنة على ذلك ابن عبد البر في كتابه ( التمهيد )
ونقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - و كذلك نقل عن القاضي أبي يعلى أنه قال :
( أجمع أهل السنة على تحريم التشاغل بتأويل آيات النصوص و أحاديثها ، و أن الواجب إبقاؤها على ظاهرها ) .
العنصر الثالث : "العدول عن هذا الموقف تطرف دائر بين الإفراط والتفريط" :
( العدول عن هذا الموقف - أعني موقف أهل السنة و الجماعة - تطرف إما إفراط وإما تفريط
لأن الناس انقسموا في هذا الباب إلى ثلاثة أقسام : طرفان ، ووسط
طرف غلا في التنزيه حتى نفى ما أثبته الله لنفسه
و طرف آخر غلا في الإثبات حتى أثبت ما نفاه الله عن نفسه .
فإن من أهل البدع من أثبت النصوص على ظاهرها ، ولكنه جعل هذا الظاهر من جنس صفات المخلوقين و العياذ بالله .
فأثبت النقص لربه بإلحاقه بالمخلوق الناقص ، و أخطأ في ظنه أن ظاهرها التمثيل .
أثبت أن لله - تعالى - سمعاً ، و أن لله تعالى وجهاً ، و أن لله تعالى عيناً
وأن له يداً لكنه جعل ذلك كله من جنس صفات المخلوقين ، غلا في الإثبات حتى بلغ به إلى التمثيل .
وقد قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري : من شبه الله بخلقه فقد كفر
ولا شك أنه كافر و أن الله - سبحانه و تعالى - لم يرد بهذه النصوص هذا الظاهر الذي ادعاه هذا الممثل.
وقد يقول القائل : أين دليلك على أن الله ما أراده ؟
فأقول: الدليل عندي نقلي ،و عقلي :
أما النقلي فآيات متعددة تنفي المماثلة عن الله و أصرحها و أبينها قوله تعالى :
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(الشورى: الآية11) .
وأما الدليل العقلي : فإنه لا يمكن أبداً أن يكون الخالق مماثلاً للمخلوق في أي صفة في أي صفة من صفاته
لظهور الفرق العظيم بينهما في الذات ، و الصفات ، و الأفعال .
ومن أهل البدع من حرف النصوص عن ظاهرها ، ونفى مدلولها اللائق بالله ، وهؤلاء المحرفون انقسموا إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : قسم غلا في ذلك غلواً عظيماً حتى نفي النقيضين في حق الله
فقال : لا تقل إن الله موجود و لا تقل غير موجود . إن قلت موجود شبهته بالموجودات
وإن قلت غير موجود شبهته بالمعدومات .
ولا ريب أن هذا تنكره العقول كلها لأن رفع أحد النقيضين أمر مستحيل
و التقابل بين الوجود و العدم من تقابل النقيضين اللذين لا يمكن اجتماعهما و لا ارتفاعهما .