البرهان 156
من سورة الرعد
{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ
وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ *
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ *
سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ
وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ *
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ
وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ }
{ 8 - 11 }
يخبر تعالى بعموم علمه وسعة اطلاعه وإحاطته بكل شيء فقال:
{ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى } من بني آدم وغيرهم،
{ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ }
أي: تنقص مما فيها إما أن يهلك الحمل أو يتضاءل أو يضمحل
{ وَمَا تَزْدَادُ } الأرحام وتكبر الأجنة التي فيها،
{ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ }
لا يتقدم عليه ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص
إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه.
فإنه { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ }
في ذاته وأسمائه وصفاته
{ الْمُتَعَالِ } على جميع خلقه بذاته وقدرته وقهره.
{ سَوَاءٌ مِنْكُمْ } في علمه وسمعه وبصره.
{ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ }
أي: مستقر بمكان خفي فيه،
{ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ } أي: داخل سربه في النهار
والسرب هو ما يختفي فيه الإنسان إما جوف بيته
أو غار أو مغارة أو نحو ذلك.
{ لَه} أي: للإنسان
{ مُعَقِّبَاتٌ } من الملائكة يتعاقبون في الليل والنهار.
{ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ }
أي: يحفظون بدنه وروحه من كل من يريده بسوء،
ويحفظون عليه أعماله، وهم ملازمون له دائما،
فكما أن علم الله محيط به،
فالله قد أرسل هؤلاء الحفظة على العباد،
بحيث لا تخفى أحوالهم ولا أعمالهم، ولا يُنسى منها شيء،
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ }
من النعمة والإحسان ورغد العيش
{ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر
ومن الطاعة إلى المعصية،
أو من شكر نعم الله إلى البطر بها
فيسلبهم الله عند ذلك إياها.
وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية،
فانتقلوا إلى طاعة الله،
غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء
إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة،
{ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا }
أي: عذابا وشدة وأمرا يكرهونه،
فإن إرادته لا بد أن تنفذ فيهم.
فـإنه { لَا مَرَدَّ لَهُ } ولا أحد يمنعهم منه،
{ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ }
يتولى أمورهم فيجلب لهم المحبوب،
ويدفع عنهم المكروه،
فليحذروا من الإقامة على ما يكره الله
خشية أن يحل بهم من العقاب
ما لا يرد عن القوم المجرمين.