السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال الشيخ عبد المحسن العباد رحمه الله :
لو أن الإنسان فقه في كل يوم مسألة وتمكن من معرفة حكم مسألة ودرسهاوعرف النهاية فيها يكون بعد مضي سنة حصل على ثلاث مئة وأربع وخمسين مسألة أو أقل أو أكثر، وإنما الإهمال والتفريط وضياع الأوقات في غير طائل هذا هو الذي يفوت العلم وهذا الذي يضيع معه العلم ثم إن العلم لا يمكن ضبطه ولا يمكن الاحتفاظ به إلا بمذاكرته وشغل الأوقات به فإن هذا هو الذي يبقي عليه .
وأما إذا أهمل وإذا غفل عنه وإذا اشتغل عنه في غيره فإنه يضيع ويتلاشى ويضمحل وإنما الإبقاء عليه يكون بمذاكرته وعمارة الأوقات في مدارسته عندما يلتقي طلاب العلم يكون حديثهم في مسألة من مسائل العلم أو في مسائل فإن هذا يستفيد من هذا و هذا يستفيد من هذا وهذا يدل هذا على ما خفي على هذا، وقد روى البخاري في صحيح وهو أول حديث بكتاب الرقاق أن النبي قال : (( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسْ، الصِّحَةُ ، وَالْفَرَاغْ )) .
فهذا الفراغ هذا الوقت إذا ما قتله الإنسان وشغله الإنسان لتحصيل العلم ومذاكرته فإنه يكون وبالا عليه إذا ما شغله في غير طائل، إذا ما شغله طالب العلم في هذا المجال فإنه لا يحصل العلم وإذا كان عنده شيء من العلم فإنه لابد وأن ينتهي ويتلاشى لأن تحصيل العلم إنما يكون بالاشتغال فيه وبشغل الأوقات فيه والوقت ثمين فإذا لم يحفظ فيما يعود على الإنسان بالخير فإنه يضيع على صاحبه ولا يستفيد منه صاحبه بل قد يتضرر منه فيما إذا عمرهبما يعود عليه بالمضرة وفيما إذا شغله بما يعود عليه بالمضرة، وإذا فطالب العلم يحرص على شغل وقته في تحصيل العلم وتدوينه وعلى مذاكرته بين طلاب العلم عندما تحصل اللقاءات فيما بينهم في أي مناسبات،لا يكون ذلك خاصاً بمجالس العلم ومجالس الدروس إنما إذا التقوا في الطرقات أو التقوا في المناسبات أو في أي مكان يكون شغلهم الشاغل هو البحث عن العلم والذاكرة في العلم وهذا هو الذي ينميهولهذا يقول بعض العلماء يوصي ابنه في المحافظة على العلم وفي تحصيله وفي الإبقاء عليه وبيان ميزته وفضله على غيره وأنه يزيد وينمو بمذاكرته والاشتغال به وأنه ينقص بإهماله وعدم مذاكرته، يقول في وصيته لابنه
وكنز لا تخشى عليه لصاً *** خفيف الحمل يوجد حيث كنت
هذا هو العلم، (( وكنز لا تخشى عليه لصاً)) ، المال يُسرق ويذهب ولكن العلم الذي يحفظه الإنسان وحافظ عليه هذا مع الإنسان ولا يخشى عليه ولا يذهب إلا بذهاب الإنسان، لا يذهب إلا بذهاب الإنسان، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلَّم إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه، ولكن يقبض العلم بموت العلماء ، يقول هذا الشاعر :
وكنز لا تخشى عليه لصاً *** خفيف الحمل يوجد حيث كنت
يزيد بكثرة الإنفاق منه *** وينقص إذا عليه شددت
يزيد بكثرة الإنفاق منه يعني الإنسان كلما يذاكر به وكلما يتحدث به، فكلما يذكره فإنه يثبت ويستقر ولكن إذا لم يذاكر به ولم يكن حريص المجالس مع طلاب العلم فإن الذي عند الإنسان على ممر الأيام يُنسى ويتلاشى ويضمحل هذا هو الواقع، وهذه هي الحقيقة وإذا نظرنا إلى قلت علمنا في هذا الزمان وعدم تمكننا من التحصيل فإن من أسباب ذلك هو عدم شغل الأوقات في التحصيل وعدم المذاكرة في هذا العلم الذي نحصله وإذا أردنا لأنفسنا أن نحصل العلم فإن هذه الطريق الواضحة في تحصيله والإبقاء عليه
-------------
من شريط توقير العلماء والإستفادة من علمهم.