سأكون زوجة ثانية !
أ. أريج الطباع
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاه، وبعدُ:
فبدايةً: جزاكم الله خيرًا على هذا الموقع المتميِّز، والذي نستفيد من خلاله الكثير والكثير، فبارَك الله جهودكم وشكَر سعيكم.
أنا شابة تبحث عن نصيحة من أخٍ عطوف، أو أبٍ حنون، فوالدي مات من سنوات طويلة، أسأل الله أن يرحمَه رحمة واسعة وأموات المسلمين، وإخواني كلٌّ في بلدٍ، المهم أني قد خُطِبت لرجلٍ متزوِّج ولَدَيه أولاد، يَكبرني تقريبًا بـ15 سنة، الحمد لله مُلتزم بدينه قدْرَ المستطاع، ولا أُخفيكم أني ارْتَحت له كثيرًا لَمَّا جاء إلى بيتنا لرؤيتي، المهم اتَّفقنا وسيتم العقد قريبًا - إن شاء الله - أوَّل ما أكَّدته هو إن كانت الزوجة الأولى موافقة؟ وهل هي على دين وتفهُّمٍ أن التعدُّد شَرَعه الله؟ أجابني بنعم، وأنها أُخت مُلتزمة.
أنا يا سيِّدي مسالِمة جدًّا، بل أُسرتي كلها كذلك، لا أحب المشاكل، ولا أسعى إليها، فأريد منكم نصيحة في مستقبل أيامي؛ حتى أعيشَ مع زوجي حياة هادئة وسعيدة، وبأقل عددٍ من المشاكل.
أنا أعلم أنَّ الزواج في حدِّ ذاته مسؤولية، وحقوق الزوج يجب أن تُراعى، لكني أخاف من أُسرته، وألاَّ يتقبَّلوني، وأن يَكيدوا لي، أنا أضمنُ نفسي - إن شاء الله - لكني لا أضمن غيري، ووالله، وربي على ما أقول شهيد، لا أريد ولا أسعى أن أبني سعادتي على تعاسة غيري، لكن هل هناك ما يمنع أن أعيشَ مع زوجي سعيدة، وتعيش هي مع نفس الزوج سعيدة؟ أنا في بلدٍ وهي في بلدٍ آخرَ، ربما لن تراني حتى، لكن في نفسي أتمنَّى أن نكون أُختين في الله، وسأحترمها، وأكون في خدمتها، عِلمًا بأنها تَكبر زوجها في العمر، والواحد منَّا لا يَدري ما يُخفيه القدر.
الكلام في نفسي كثير، لكن أظنُّ أنَّ الفكرة وصلَت، فأرجوك أن تنصحني وتُريح بالي، وتدعو لي بإتمام الزواج على خيرٍ، وأن أكون تلك الزوجة الصالحة التي قال في حقِّها نبيُّنا - عليه الصلاة والسلام -: ((الدنيا متاعٌ، وخير متاعها المرأة الصالحة))، أو كما قال - عليه الصلاة السلام.
يعلم الله أني أدعو دائمًا في سجودي أن يشرحَ صدْرَها لهذا الأمر، وأن تُكمل مسيرتها مع زوجها وأولادها، وأن أعيشَ حياتي على خير.
أعتذر على الإطالة، وجزاكم الله الفردوس الأعلى من الجنة، وأُريد من كل مَن يقرأ هذه الاستشارة أن يدعوَ لي بالتوفيق في هذا الزواج، وأن يدعو للمسلمين أجمعين بالتوفيق.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بدايةً أعتذر أني لَم أكن الشيخ أو الأب أو الأخ الذي توقَّعتِه سيُجيب على استشارتك، بل شاءَت الأقدار أن تقعَ هذه الاستشارة ضمن الاستشارات المحوَّلة لي، ولولا تأخُّري بالإجابة عليها، لحوَّلتها لاستشاري؛ لشعوري بحاجتك لرأي رجلٍ.
لكن لا بَأْس؛ حيث قدَّر الله أن تكون استشارتك من نصيبي، فلكِ أن تَعتبريني أُختًا كبرى تصدقكِ النصيحة والشعور، وتهتمُّ بسؤالكِ وبمساعدتك - بإذن الله.
الزواج من متزوِّج ليس أمرًا سهلاً، وقد سبَق وأجبتُ عن استشارات تتعلق بهذا الشكل من أشكال الزواج، الذي تختلف معادلته عن الزواج العادي.
بالزواج من مُعدِّد هناك أمور لا بدَّ لكِ من توقُّعها ومراعاتها:
- حينما تكون هناك أخرى في حياته، فلن يكون سهلاً عليها أبدًا أن تقاسميها زوجًا كان لها وحْدَها، وتختلف ردَّة فعلها حسب طبيعتها، وأيضًا حسب ظروفها، لكن توقَّعي أيَّ رِدَّة فعلٍ، واصبري عليها أنتِ وزوجكِ حتى تمر، فليس الأمر هيِّنًا عليها.
- من مسؤولية الزوج أن يكون حريصًا على ألاَّ يَبني حياة على خراب أخرى، ومن الجيِّد أنكِ حَرَصتِ على سؤاله عن موقف زوجته الأولى.
- موقف أهله أو المجتمع يختلف كثيرًا حسب طريقة تفكيرهم وبيئتهم، لكن يُفترَض أن تكون تلك مسؤوليته هو، المهم ألاَّ تتصرفي معهم برَدَّات أفعال، وأن تكوني حريصة على ألاَّ تَظلميهم، أو تُظْلَمين معهم!
- تذكَّري أنَّ الدنيا تدور، ويوم لكِ ويوم عليكِ، هذه القاعدة تتَّضِح مع التعدُّد أكثر من سواه، فحينما تَقبلين الزواج من معدِّدٍ، ضَعي نفسك مكان زوجته الأولى، هل تَقبلين أن تكوني مكانها؟ وتوقَّعي أنَّ الكِفَّة لا تكون دومًا في صالحكِ، فقد تتقلَّب: يومًا يكون أقرب لكِ، ويومًا يكون أقرب لها، وأيضًا قد تكون هناك ثالثة في يوم من الأيام.
- لا أنصح عادة بالاحتكاك مع الزوجة الأخرى، فكثرة الاحتكاك قد تولِّد مشكلات بينكما، وقد تُتعب زوجكِ معكما، لكنَّ ذلك يختلف حسب طبيعة الزوج وأهله، وتصوُّره عن الأمر مستقبلاً، المهم أن تستقلِّي بحياتك، ولا تقبلي بأن تتداخَل مشكلات بيته الأوَّل بمشكلاتكِ؛ فمَن يُعدِّد يجب أن تكون لَدَيه القدرة على الفصل بين الحياتين، بحيث لا تؤثِّر إحداهما على الأخرى.
- مسؤولية الزوجة مع مُعدِّد تفوق مسؤولية نظيرتها؛ لأن الوقت لا يكون كله معها، فعليها أن تكون بالقوَّة النفسيَّة التي تُعينها على سَدِّ الفراغ الذي يتركه غيابُه وانشغاله مع بيته الآخر، كما يجب أن تتحلَّى بالتقوى، وتُعينه على العدل دون أن تضيِّع حقوقها.
- كلُّ ما سبَق على افتراض أنَّكِ وأهلك قد سألتُم عنه، واطمأنَنْتُم على دينه وعدالته وتَقواه؛ فهي الأُسس التي ستُعينك على الحياة معه، مهما كانت العقبات بعد ذلك.
وختامًا:
بالتأكيد، لا تَنْسَي الاستخارة مع الاستشارة، ووفَّقكِ الله لِمَا فيه خيرُك في الدنيا والآخرة.